سلال.. ثاني رئيس وزراء جزائري خلف القضبان
عبد المالك سلال كان من أكثر الشخصيات الجزائرية التي حظيت بثقة بوتفليقة الكبيرة، إلى درجة أنه اقترحه لخلافته سنة 2014.
أمر قاضي التحقيق بالمحكمة العليا الجزائرية (أعلى هيئة قضائية في البلاد) الخميس بوضع عبد المالك سلال رئيس الوزراء الجزائري الأسبق رهن الحبس المؤقت، ليلتحق بأحمد أويحيى رئيس الوزراء السابق بسجن الحراش.
وهي الخطوة التي تعني انتهاء المسار السياسي لثاني رئيس وزراء جزائري لأكثر من 30 عاما بقضايا فساد تلاحقه من وراء القضبان متعلقة برجال الأعمال علي حداد ورضا كونيناف ومحي الدين طحكوت، في سابقة لم تشهدها البلاد في تاريخها.
ووجه القضاء الجزائري تهماً لسلال بمنحهم امتيازات غير مشروعة واستغلال المنصب، إضافة إلى الكسب غير المشروع واستعمال السلطة، وهي التهم الأثقل من تلك الموجهة لأحمد أويحيى.
سلال الذي برز اسمه في عهد الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، يعد من أكثر المقربين منه، بل من الشخصيات التي حظيت بـ "ثقة كبيرة" من قبله بحسب ما أكدته مصادر سياسية مطلعة لـ "العين الإخبارية" إلى "درجة اقترحه لخلافته قبل ترشحه لولاية رابعة سنة 2014"، قبل أن يصطدم بـ "فيتو" من بعض أجنحة السلطة في الجزائر، وفق مصادر "العين الإخبارية".
من هو عبد المالك سلال؟
يعتبر عبد المالك سلال من كبار المسؤولين السابقين في الجزائر الذين لهم أصول أمازيغية، إذ ولد في 1 آب/أغسطس 1948 بمحافظة قسنطينة الواقعة شرق البلاد من أسرة تنحدر من محافظة بجاية الواقعة بمنطقة القبائل الأمازيغية (شرق ).
وهو أيضا من الشخصيات الجزائرية التي تخرجت من المدرسة العليا للإدارة التي كونت كثيراً من كبار المسؤولين الجزائريين.
غير أن سيرته الذاتية تكشف بأنه درس في كلية الطب بمحافظة قسنطينة، لكنه لم يكمل دراسته وقرر الالتحاق بالمدرسة العليا للإدارة التي تخرج منها عام 1974 من قسم الدبلوماسية.
تولي سلال عدة مناصب إدارية في بلده، أولها في منصب "متصرف إداري" بمحافظة قالمة (شرق الجزائر) ثم رئيس ديوان والي المحافظة عام 1975، ليصبح عام 1976 مستشاراً لوزير التربية التعليم عام 1976 في عهد الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين.
وبحكم المدرسة التي تخرج منها، تولى سلال منصب "والي" في عدة محافظات جزائرية، من أهمها وهران وسيدي بلعباس (غرب الجزائر)، والأغواط (جنوب البلاد)، وبومرداس (شرق الجزائر العاصمة).
التحق رئيس الوزراء الأسبق بوزارة الخارجية الجزائرية في منصب "مدير إدارة الموارد البشرية" عام1994، ثم مدير ديوان الوزير من 1995 إلى 1996 في عهد الرئيس الأسبق اليامين زروال.
وفي عام 1996، عينه زروال في كسفير للجزائر في المجر، قبل أن يدخل الحكومة من بابها الواسع بعد تعيينه سنة 1998 وزيراً للداخلية والجماعات المحلية ليشرف على الانتخابات الرئاسية لسنة 1999 التي فاز بها عبد العزيز بوتفليقة.
نقله بعد ذلك بوتفليقة إلى وزارة الشباب والرياضة من 1999 إلى 2001، ثم وزيراً للأشغال العمومية من 2001 إلى 2002، ووزيراً للنقل من 2002 إلى 2004 ووزيرا للموارد المائية من 2010 إلى 2012.
مناصب وزارية متتالية أكدت مدى ثقة الرئيس الجزائري المستقيل في عبد المالك سلال، وهي الثقة التي أوصلته إلى رئاسة الحكومة الجزائرية في سبتمبر/أيلول 2012 خلفاً لأحمد أويحيى، وهو المنصب الذي بقي فيه خمس سنوات متتالية إلى غاية تنحيته في يونيو 2017 وتعيين عبد المجيد تبون خلفا له.
ورقة بوتفليقة الانتخابية
لم تتوقف ثقة بوتفليقة في رئيس حكومته بتعيينه في المناصب العليا بالبلاد فقد كان سلال يده اليمنى في مختلف حملاته الانتخابية الرئاسية، إذ أشرف على قيادة حملته الانتخابية ثلاث مرات متتالية في الانتخابات الرئاسية التي جرت سنوات 2004 و2009 و2014.
مناصب ومهام متقاطعة قادها عبد المالك سلال لصالح الرئيس الجزائري المستقيل، كان خلالها من أكثر المدافعين عن سياسة بوتفليقة الاقتصادية ضمن ما كان يُعرف بـ "برنامج الانعاش الاقتصادي".
ويقول الخبراء الاقتصاديون في الجزائر، إن تولي عبد المالك سلال رئاسة الحكومة الجزائرية كشف عن "حجم التناقض" الذي ميز سياسة بوتفليقة الاقتصادية.
فقد تولى سلال رئاسة الحكومة في وقت كانت فيه أسعار النفط مرتفعة بالأسواق العالمية، وحققت الجزائر في تلك الفترة "طفرة مالية" غير مسبوقة بعد أن وصلت احتياطات البلاد من الصرف 200 مليار دولار مع نهاية 2013، فيما عُرف آنذاك بـ "البحبوحة المالية".
تزامن ذلك مع ما سمي بـ "ثورات الربيع العربي"، وخروج آلاف الجزائريين في مظاهرات بالجزائر العاصمة ومدن أخرى احتجاجاً على ارتفاع أسعار السكر والزيت، ما دفع حكومة سلال إلى انتهاج سياسة "شراء السلم الاجتماعي"، من خلال تقديم قروض للشباب لتشجيعهم على استحداث مشاريع خاصة بهم، وفق خطة "غير مدروسة" بحسب كثير من الخبراء الاقتصاديين.
ومع نهاية 2016 انهارت أسعار النفط، ولم تجد حكومة سلال إلا إعلان سياسة جديدة سميت بـ "سياسة شد الأحزمة"، تمثلت في خفض الموازنة العامة للجزائر، ورفع أسعار بعض المواد الاستهلاكية وخفض فاتورة الواردات، الأمر الذي جلب انتقادات واسعة للرجل من قبل الخبراء والمعارضة، فيما اعتبروه "فشلاً وتضييع فرصة الاقلاع الاقتصادي".
خلال فترة رئاسة عبد المالك سلال الحكومة الجزائرية، طفت إلى واجهة الأحداث عدة قضايا فساد اشتهرت بـ "فضائح القرن"، من بينها مشروع الطريق "السيار شرق – غرب" المتهم فيه وزير الأشغال العمومية الأسبق عمار غول، وقضية "سوناطراك 2" المتهم فيها وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، إضافة إلى فضيحة تهريب 320 مليار دولار في ظرف 3 سنوات بحسب ما كشفت عنه وثائق "بنما"، وهي الفضيحة التي اتهم خلالها عدد من وزراء حكومة سلال.
نكات مثيرة للجدل
على عكس كثير من المسؤولين الجزائريين، لطالما أثار عبد المالك سلال الجدل بمواقفه وتصريحاته الساخرة في الجزائر وخارجها، إلى درجة باتت مادة دسمة لسخرية الجزائريين من مسؤوليهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
غير أن بعض مواقفه أثارت موجة استياء شعبية عارمة، كان أبرزها عندما أطلق مزحة في مارس/آذار 2014 بصفته مديراً لحملة بوتفليقة ضد سكان "الشاوية الأمازيغ" (شرق الجزائر)، وهي المزحة التي أخرجت آلاف "الشاوية" إلى شوارع محافظات عدة من بينها باتنة وخنشلة وتبسة، قبل أن يقدم سلال اعتذاراً رسمياً.
وبعد غياب بوتفليقة عن المشهد السياسي بسبب وضعه السياسي منتصف 2013، مثّله سلال في مختلف المحافل الدولية، وفي كثير منها وضع في مواقف حرجة كما حدث له سنة 2015 خلال زيارته ألمانيا، أو نومه في القمم العربية وتلعثمه عند إلقائه كلمة الجزائر أمام القادة العرب، وفي كل مرة كان الجزائريون يطالبون بـ "إبعاده عن تمثيل الجزائر خارج البلاد".