أحمد أويحيى.. أول رئيس وزراء جزائري يُتهم بـ"الفساد"
أويحيى أكثر السياسيين رئاسة للحكومة الجزائرية بـ6 مرات يواجه تهم فساد واستغلال النفوذ مرتبطة بملفات 3 أغنى رجال أعمال.
يعد من أبرز الشخصيات السياسية البارزة في الجزائر التي عمّرت طويلاً على رأس الحكومة بالبلاد منذ تسعينيات القرن الماضي، هو أحمد أويحيى المتابَع بتهم فساد في سابقة هي الأولى في تاريخ الجزائر.
- محمد مدين.. جنرال الجزائر "الغامض" المتهم بـ"التآمر على الدولة والجيش"
- من هو عثمان طرطاق رئيس المخابرات الجزائرية المقال؟
أويحيى من الشخصيات السياسية التي لم يتوقع غالبية الجزائريين قبل 22 فبراير/شباط الماضي أن يروها خارج أسوار قصر الحكومة مطلقا، بالنظر إلى دهائه السياسي وقربه من مسؤولين عسكريين، حتى أن اسمه كان من بين المطروحين لخلافة بوتفليقة.
ومنذ انطلاق الحراك الشعبي الذي أطاح بحكم الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة منذ 3 أشهر، تنقل أويحيى أكثر من مرة إلى محكمة سيدي أمحمد بالجزائر العاصمة للاستماع إلى إفادته في شبهات فساد مرتبطة بقضايا كبار رجال الأعمال في مشهد لم يتعود العالم على رؤيته في الجزائر.
من هو أحمد أويحيى؟
أحمد أويحيى من السياسيين الجزائريين الذين تخرجوا من المدرسة العليا للإدارة التي اعتمدت عليها السلطات الجزائرية منذ سبعينيات القرن الماضي في تكوين كبار مسؤوليها، عاصر خلال مساره 6 رؤساء للجزائر.
برز اسم أويحيى في عهد الرئيس الجزائري الأسبق اليامين زروال (1994 – 1999)، ومن بوابة "مدير ديوان الرئاسة" سطع نجم أكثر السياسيين إثارة للجدل بالبلاد، حتى أن وسائل الإعلام المحلية تطلق عليه وصف "صاحب المهمات القذرة" في إشارة إلى تكليفه في كل مرة بمهمات صعبة لا تلقى قبول الشارع العام.
للسياسي والدبلوماسي الجزائري المخضرم أحمد أويحيى أصول أمازيغية، إذ ولد في 2 يوليو/تموز 1952 بدائرة "بوعدنان" التابعة لمحافظة تيزيوزو الواقعة شرق البلاد.
تخرج عام 1976 من المدرسة الجزائرية العليا للإدارة في العلوم السياسية، وتحصل بعد عامين على شهادة الدراسات العليا في العلوم السياسية من جامعة الجزائر.
تقلد عددا كبيرا من المناصب الدبلوماسية والسياسية منذ عهد الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين (1965 – 1978)، أولها كاتب للشؤون الخارجية من 1975 إلى 1981، ثم دبلوماسي في عدد من السفارات الجزائرية بالخارج، من بينها مستشار للشؤون الخارجية بسفارة بلاده في ساحل العاج من 1981 إلى 1984، ومستشار بالبعثة الجزائرية الدائمة لدى الأمم المتحدة من 1984 إلى 1989.
شغل أويحيى بعد ذلك منصب مستشار بديوان وزارة الخارجية الجزائرية من 1989 إلى 1990 في عهد الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد (1979 – 1992)، ثم مديراً عاماً لـ "دائرة أفريقيا" بالخارجية الجزائرية.
عام 1992 عين سفيراً للجزائر بدولة مالي لسنة واحدة، ثم كاتب الدولة المكلف بالتعاون والشؤون المغاربية من 1993 إلى 1994، ليكلفه الرئيس الجزائري الأسبق اليامين زروال بمنصب مدير ديوان رئاسة الجمهورية من 1994 إلى 1995.
ويعد أويحيى من بين أكثر الدبلوماسيين الجزائريين إلماماً بالملف المالي، حيث قاد وساطة سنة 1992 لحل النزاع القائم في شمال هذا البلد الأفريقي، كما قاد وساطة بين إثيوبيا وإرتيريا من 1999 إلى 2000.
أسس سنة 1997 وعشية الانتخابات التشريعية مع مجموعة من الشخصيات الجزائرية من بينها الرئيس الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، وتمكن الحزب من الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان الجزائري، قبل أن يتدحرج إلى المركز الثاني مع تولي بوتفليقة سدة الحكم سنة 1999.
ومنذ مجيء بوتفليقة، كان أويحيى بصفته الأمين العام للحزب المعروف اختصاراً بـ "الأرندي" من أكبر الداعمين له في ولاياته الأربع فيما عُرف بـ"التحالف الرئاسي"، كما دعم ترشحه لولاية خامسة.
وطوال هذه الفترة تولى أويحيى مناصب وزارية أبرزها وزارة العدل من 1999 إلى 2002، ووزير دولة ممثلاً شخصياً لبوتفليقة من 2002 إلى 2003.
أكثر الشخصيات رئاسة للحكومة
إذا كان عبدالعزيز بوتفليقة أكثر الرؤساء حكماً للجزائر بـ20 سنة، فإن أحمد أويحيى حطم الرقم القياسي في عدد قيادته الحكومة الجزائرية بـ 6 مرات بين رئيس للحكومة ووزير أول.
الأولى رئيسا للحكومة من ديسمبر/كانون الأول 1995 إلى يونيو 1997، ثم من يونيو 1997 إلى ديسمبر/كانون الأول 1998، ومن مايو/أيار 2003 إلى مايو/أيار 2006، ومن 23 يونيو 2008 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2008، والأخيرة كرئيس للحكومة من نوفمبر/تشرين الثاني إلى سبتمبر/أيلول 2012.
وعينه الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة وزيراً أول في آب/أغسطس 2017 خلفاً لعبدالمجيد تبون، وبقي في منصبه إلى مارس/آذار 2019.
السياسي المثير للجدل
يعرف عن أويحيى بحسب المقربين منه، أنه صاحب سياسة "المد والجزر"، ورغم قربه من رئيس جهاز المخابرات الأسبق الفريق محمد مدين وبعض جنرالات المخابرات السابقين، إلا أن دهاءه مكنه من التموقع بين كافة التناقضات التي عرفها النظام الجزائري.
تمكن خلالها من كسب ثقة الجنرال الغامض وبوتفليقة على حد سواء، حتى أن بعض العارفين بخبايا النظام الجزائري يرون أنه كان "الجدار الذي منع التصادم بين مختلف أجنحة السلطة الجزائرية في عهد صقور جهاز المخابرات السابق".
اتهمه خصومه خلال الولاية الرابعة لبوتفليقة سنة 2014، بـ "السعي لخلافته" وبأنه يملك طموحاً جارفاً نحو "قصر المرادية" (رئاسة الجمهورية في الجزائر)، من بينهم الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الحاكم عمار سعداني.
وينظر كثير من الجزائريين إلى توليه رئاسة الحكومة في كل مرة بـ"ريبة كبيرة"، حتى أنهم يصفونه بـ"نذير الشؤم"، خاصة وأن السلطة الجزائرية تلجأ إليه كلما "اشتد بها الحال اقتصادياً أو سياسياً أو أمنياً" بحسب تصريحات لمحللين سياسيين لـ"العين الإخبارية".
ففي سنة 1997 اعتمدت عليه السلطات الجزائرية في الإعلان عن قرارات خصخصة الشركات الحكومية وتوقيف آلاف العمال وتخفيض أجور بقية العاملين بالقطاعات، إضافة إلى مواجهة الانتقادات التي طالت الحكومة الجزائرية بسبب تزايد حدة المجازر الإرهابية في حق المدنيين خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي.
مهمة مماثلة قادها أويحيى خلالها ترؤسه الحكومة الجزائرية سنة 2017، والتي جاءت عقب فشل حكومة عبد المالك سلال في تحقيق الإقلاع الاقتصادي رغم الارتفاع الكبير في أسعار النفط وتحقيق الجزائر مداخيل كبيرة من العملة الصعبة قاربت الـ 200 مليار دولار.
ورث خلالها أويحيى اقتصاداً شبه منهار من حكومة سلال بحسب الخبراء الاقتصاديين، وأزمة اقتصادية هي الأشد في تاريخ البلاد، واصل فيها سياسة التقشف.
غير أن التقرير الأخير لبنك الجزائر اتهم أويحيى للمرة الأولى بـ"تدمير الاقتصاد الجزائري" من خلال "الإفراط في سياسة إعادة طبع النقود التي بلغت قيمتها 55.5 مليار دولار".
عرف عن أويحيى أيضا مواقفه الصريحة والحازمة تجاه التيارات الإخوانية في الجزائر، وسبق له اتهام بعضها بـ "تلقي تمويل من دولة قطر"، كما اشتهر برفضه التحاور مع الجماعات الإرهابية وكان من أشد الداعين إلى تبني سياسة "استئصالهم"، قبل مجيء بوتفليقة.
متهم بالفساد
يقول المراقبون إن الحراك الشعبي في الجزائر تمكن من تغيير واجهة المشهد السياسي بشكل غير مسبوق، وامتدت ارتدادات زلزال المظاهرات إلى حزب أويحيى.
وعقب إعلان قائد أركان الجيش الجزائري عن فتح ملفات الفساد، تلقى الرجل للمرة الأولى في أبريل/نيسان الماضي استدعاء من القضاء الجزائري للتحقيق معه في قضايا فساد تتعلق بتبديد المال العام وامتيازات غير مشروعة في قضيتي رجلي الأعمال علي حداد ويسعد ربراب.
مثُل أويحيى 3 مرات متتالية أمام محكمة سيدي أمحمد بالعاصمة الجزائرية، وبحكم حصوله على "الامتياز القضائي والحصانة بصفته رئيس حكومة سابق" لم تتمكن المحكمة من توجيه تهم صريحة له.
في 26 مايو/أيار الماضي، أحال قاضي التحقيق بمحكمة سيدي أمحمد ملفات 12 مسؤولاً جزائرياً نافذاً في عهد بوتفليقة إلى المحكمة العليا (أكبر هيئة قضائية في الجزائر) بينهم رئيسا الوزراء السابقين أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال في قضية رجل الأعمال علي حداد المتواجد بسجن الحراش منذ نهاية مارس/أذار الماضي.
وفي سابقة هي الأولى نوعها، استدعى قاضي التحقيق رسمياً بالمحكمة العليا الجزائرية أحمد أويحيى برفقة عبدالغني زعلان وزير الأشغال العمومية الأسبق ومدير حملة بوتفليقة، للتحقيق معه في قضايا فساد، متعلقة بملف رجل الأعمال محيي الدين طحكوت.
وبذلك بات أويحيى أول رئيس وزراء جزائري توجه له تهم فساد، ويقف أمام العدالة الجزائرية كـ"متهم"، مواجهاً تهماً تتعلق بـ"منح امتيازات غير مشروعة، وتبديد أموال عمومية، وإساءة استغلال الوظيفة عمدا بغرض منح منافع غير مستحقة للغير على نحو يخرق القوانين والتنظيمات" بحسب ما جاء في بيان وكيل الجمهورية بالجزائر.