الحروب لم تعزز أبدا أسباب الاستقرار الإقليمي. والمثال الوحيد الذي أتت فيه بثمارها كان متعلقا بتحرير الكويت.
شكّل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران تهديداً خطيراً على الاستقرار الإقليمي وأمن الطاقة. فالهجمات الأخيرة على منشآت النفط السعودية وادعاءات واشنطن والرياض حول مسؤولية إيران عنها، صعدت مستوى اللهجة العدائية. والوضع ينطوي على احتمال نشوب صراع إقليمي لا يمكن لأحد الاستفادة منه. لتجنب الحرب، يتحتم على جميع الأطراف الأخذ في الاعتبار الكلفة المترتبة على مثل هذا الصراع بالنسبة للمنطقة وخارجها.
الحروب لم تعزز أبداً أسباب الاستقرار الإقليمي. والمثال الوحيد الذي أتت فيه بثمارها كان متعلقاً بتحرير الكويت، لكن حتى هذا حدث بتكلفة باهظة الثمن. المنطقة لا تحتاج إلى حرب ثانية قد تأتي بدمار واسع النطاق. الدبلوماسية والمساحة الجيوسياسية المشتركة لديها فرصة أفضل لتعزيز ثقافة التفاهم والتعاون الإقليمي.
إن الصراعات العسكرية في المنطقة نادراً ما أودت بنتائج مثمرة. ولطالما أثبتت ضررها الكبير للدول المشاركة بشكل أو بآخر. فإذا نظرنا إلى الحرب الإيرانية العراقية (1980-88) وبحثنا في العواقب لها ولأيضاً ما تلاها من حرب الخليج الأولى والثانية، وكذلك المعركة ضد تنظيم داعش، فلم تكن أي من تلك الحروب مساهمة في تعزيز الاستقرار والأمن بالمنطقة.
على الرغم من أن الحرب الإيرانية العراقية قد تسببت في دمار بشري ومادي هائل وانتهت بتأزم الموقف، إلا أن الصراعات التي أعقبت ذلك جاءت بنتائج مختلطة. فحرب الخليج 1991 التي أسفرت عن تحرير الكويت من العدوان العراقي الذي ألحق خراباً بالإمارة، شلت العراق لعدة سنوات. وغزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 أطاح بنظام صدام حسين المروع، لكنه ترك العراق محطماً تماماً، وفتح الطريق أمام إيران للحصول على نفوذ قوي في البلاد على حساب الهوية التقليدية للعراق داخل الصف العربي.
كما هيأ الغزو الظروف ليس فقط أمام القاعدة، بل أيضاً لتنظيم داعش في تأمين مكانة في العراق. في النهاية، كان لا بد من هزيمة داعش من جانب تحالف إقليمي ودولي، مع محاربة إيران هذه المرة بجانبها خصمها الرئيسي، الولايات المتحدة. وبالرغم من أنه منذ هزيمة داعش، أحرز العراق تقدماً في إعادة تشكيل نفسه، إلا أنه لا يزال بعيداً عن إعادة تأسيسه كدولة قوية وآمنة ومزدهرة.
ومن نفس المنطلق، فإن الصراع السوري الذي قدّم فرصة لإيران وروسيا لتوسيع مشاركتهما في دعم حليفهما التقليدي، نظام بشار الأسد، دمر البلاد بشرياً ومادياً. كما عزز التصور الإقليمي بشأن التهديد الإيراني. أما الصراع اليمني فقد حوّل تلك الدولة إلى منطقة تنافس جيوسياسي بين الجهات الفاعلة الإقليمية ودون الوطنية، مع دعم إيران والسعودية أطرافاً مختلفة في حرب مدمرة لا تنتهي.
تلك الصراعات سرقت من الدول الإقليمية الفرص اللازمة للتركيز على الصالح العام من خلال استكشاف مصالحهم المشتركة بدلاً من اختلافاتهم. قلق السعودية وحلفاؤها بمجلس التعاون الخليجي بشأن التهديد الإيراني هو أمر مفهوم، بالنظر إلى اتساع نفوذ إيران في إطار بنائها هيكل أمني إقليمي لنفسها. لكن سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن إيران أصبحت قوية للغاية لتكون قوة مهيمنة في المنطقة. إن قوة إيران الصلبة والناعمة لا ترقى إلى المستوى المتوقع. بالتأكيد لديها شبكة طائفية إقليمية ومؤيدون سياسيون، لكن ليس لديها بأي حال من الأحوال القدرة القتالية الضرورية الموجودة لدى الدول العربية الإقليمية المتضافرة أو في هذا الشأن الولايات المتحدة.
لقد قيل الكثير بشأن الدور الإيراني في سوريا، لكن لا يجب ألا يغيب عن الأذهان أن إيران في النهاية لا يمكنها إنقاذ نظام الأسد، فلولا التدخل العسكري الروسي المتزايد، مع نشر قوة جوية ضخمة من 2016، لكان نظام الأسد على الأرجح انهار.
الحروب لم تعزز أبداً أسباب الاستقرار الإقليمي. والمثال الوحيد الذي أتت فيه بثمارها كان متعلقاً بتحرير الكويت، لكن حتى هذا حدث بتكلفة باهظة الثمن. المنطقة لا تحتاج إلى حرب ثانية قد تأتي بدمار واسع النطاق. الدبلوماسية والمساحة الجيوسياسية المشتركة لديها فرصة أفضل لتعزيز ثقافة التفاهم والتعاون الإقليمي.
التهديد الإيراني المتصور بين شركاء مجلس التعاون الخليجي لن يقل في حال ظلت طهران تسعى وراء نفوذ جيوسياسي وطائفي أوسع نطاقاً. ومن أجل تبديد مخاوفهم، يجب على طهران بناء رواية إيجابية من خلال ترك المشاكل العربية ليحلها العرب أنفسهم في إطار مصالحهم. وهذا في الواقع يقتضي ترشيد المشاركة العسكرية الإيرانية – سواء بشكل مباشر أو غير مباشر – في العراق وسوريا واليمن.
ومن جانب آخر، تحتاج السعودية وحلفاؤها إلى اعتماد تدابير متبادلة من خلال إدارة علاقتهم الأمنية مع الولايات المتحدة بمستوى يمكنه تهدئة المخاوف الإيرانية. نهج سياسة الرئيس دونالد ترامب دفع طهران إلى الزاوية. لقد حطم الاقتصاد الإيراني وخدم مصالح تلك العناصر الموجودة في السياسة الإيرانية التي ترى الولايات المتحدة كسلطة مهيمنة عازمة على تدمير إيران المتحدية.
السلطات الإقليمية في الخليج بحاجة التواصل مع بعضها البعض. وكخطوة أولى، من اللازم استعادة العلاقات بين طهران والرياض لفتح الطريق أمام إنجازات أوسع لتحويل المنطقة إلى بقعة؛ حيث تتحمل كل دولها الساحلية مسؤولية متساوية لبناء منطقة متوائمة. وتحقيق هذا الهدف ليس سهلًا بأي شكل من الأشكال، بالنظر إلى التعقيدات التي ينطوي عليها الأمر، لكنه هدف يستحق السعي من أجله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة