الإعلان عن استكمال تشكيل اللجنة الدستورية لبحث الدستور السوري الجديد والأمل ببدء أعمالها قريبا
انتهت قمة أنقرة بين رؤساء تركيا وروسيا وإيران. القمة هي الخامسة بين الزعماء الثلاثة، فيما هو الاجتماع الرابع عشر في إطار ما سمي بـ"مسار أستانا" منذ بدئه قبل سنتين.
رسم مسار أستانا الكثير من المعادلات، وأطّر العديد من الخطوات. لكنه كان يتجه تدريجياً إلى فرض أمر واقع (ستاتيكو) ظهرت مراوحته جلية منذ حوالي عام عندما فشلت الاجتماعات الثلاثية والثنائية بين أطراف أستانا في تغيير ما كان قد رُسم. المراوحة سمة المرحلة منذ سنة وحتى الآن. لذا كانت التوقعات من قمة أنقرة محدودة جداً، وهو ما حصل بالفعل مع "مقررات" باهتة.
الإعلان عن استكمال تشكيل اللجنة الدستورية لبحث الدستور السوري الجديد والأمل ببدء أعمالها قريبا، مؤشر على أن صفحة الحرب الشاملة والمعارك الكبيرة قد انتهت. وهذا يعني في المحصلة الدبلوماسية أن المفاوضات ستسير في ظل وقع الاحتلالات التركية والأمريكية والإملاءات الروسية
المراوحة أيضاً جاءت عنواناً غير مباشر لتصريح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف من أن الحرب في سوريا انتهت، ولم يبقَ سوى توترات في منطقتين: شرق الفرات وإدلب.
استوقف هذا التصريح المراقبين، وهو يعكس أنه لا حروب بعد الآن في سوريا. ماذا يعني هذا؟ يعني أن الصدام الروسي مع الولايات المتحدة هو خط أحمر، وبالتالي ليس من احتمال لأية معارك مع الأمريكيين، وبالتالي مع الأكراد في منطقة شمال شرق الفرات.
قد تحدث بعض الاشتباكات والمناوشات وعض الأصابع، ولكن ليس أبعد من ذلك. أما رسالة الخارجية السورية إلى الأمم المتحدة، واعتبار قوات الحماية الكردية "إرهابية وانفصالية" ولا بد من إخراجها من مناطق شرق الفرات، فإنها في ظل تصريح لافروف غير قابلة للترجمة العسكرية، ومتروكة للحل النهائي السلمي.
وكان تأييد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أسبوعين تقريباً إقامة منطقة آمنة في شرق الفرات على الحدود مع تركيا مؤشراً قوياً على أن الحرب هناك، بحسب الروس، قد انتهت.
في ظل هذا الكم من التصريحات حول نهاية الحرب وبعد قمة سوتشي الأخيرة بين بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي أرست أسس وقف النار الجديدة في إدلب، بدت معركة خان شيخون التي استعادها الجيش السوري كما لو أنها آخر معارك الحرب السورية، حتى لو حدثت معارك أخرى شبيهة، في معرة النعمان مثلاً.
قمة أنقرة ثبتت وقف النار في منطقة إدلب، ونقاط المراقبة التركية حتى تلك المحاصرة من القوات السورية بعد معركة خان شيخون، باقية على حالها. بل إن وزير الدفاع التركي يهدد الجيش السوري بوقفه عند حدّه في حال تعرّض لنقاط المراقبة التركية.
ما لم تحدث مفاجآت كبيرة فإن "الستاتيكو" القائم حالياً مرشح للاستمرار إلى حين التوافق على نهاية سياسية بين جميع أطراف الأزمة. وهو أمر أقرب إلى العقلانية من أي مغامرات ومجازفات. فالقوتان المتحكمتان الآن بمسار الصراع هما الولايات المتحدة وروسيا. الأولى تسيطر مباشرة وعبر قوات الحماية الكردية على كامل منطقة شرق الفرات؛ حيث الثروات ومفاتيح المياه وطريق دمشق - بغداد - طهران وثلث الجغرافيا السورية. ولا يمكن لروسيا أن تدفع باتجاه إشعال صدام عسكري مع الأمريكيين. أما في مناطق جرابلس وعفرين وإدلب فإن الاحتلال التركي قائم بمباركة روسية. وليس من أي مؤشر على أن روسيا ستسمح لدمشق أو إيران بإشعال معارك لاستعادة تلك المناطق من دون تغطية روسية، غير متوفرة في ظل تحالف المصالح بين أنقرة وموسكو. وهو ما دفع بأردوغان إلى الترويج للمنطقة الآمنة التي بصدد إنشائها مع الأمريكيين في شرق الفرات، والتي يبدو واضحاً أن التهديدات التركية بالهجوم العسكري عليها، إذا لم تستكمل هذه المنطقة بشكل جدي خلال أسبوعين، غير قابلة للتحقق إذا كانت الولايات رافضة لذلك.
الإعلان عن استكمال تشكيل اللجنة الدستورية لبحث الدستور السوري الجديد والأمل ببدء أعمالها قريباً، مؤشر على أن صفحة الحرب الشاملة والمعارك الكبيرة قد انتهت. وهذا يعني في المحصلة الدبلوماسية أن المفاوضات ستسير في ظل وقع الاحتلالات التركية والأمريكية والإملاءات الروسية، وما يعنيه ذلك من فرض حلول لا تصب في مصلحة وحدة سوريا ولا سيادتها، فالميدان هو الذي يفرض معادلاته السياسية لا العكس.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة