الضربات الأخيرة على مصانع أرامكو ضيعت فرصا كبيرة من جهود الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون لتقريب وجهات النظر بين ترامب وإيران
نحن نحوم الآن في فلك الاحتمالات، وهناك أبواب تفتح وأخرى تُغلق، وهناك شبح الحرب هنا وهناك، وفي لحظات معينة نتخيّل بأننا قد لا نكون بعيدين عن كوابيس الحرب، بين التصعيد والتهدئة، تبرز المبررات للحرب أكثر مما تبرز للسلام كأن هناك مَنْ يصّب الزيت على النار، العالم يتعامل تارة مع المنطق وتارة مع العاطفة، أيهما يحرّكُ الثاني في عالم يتسابق فيه على اقتناء الأسلحة الأكثر فتكاً ودماراً، وهناك من يبتكر البراميل المتفجرة لأنها أقل كلفة وأكثرها قتلاً للبشر، هكذا يتكلم حكماء الحرب المسعورة، وفي الوقت الذي نطير فيها إلى التكهنات هناك الأجهزة الذكية التي تقطع الشك باليقين، والتي فتحت الباب واسعاً أمام رؤية الحقائق؛ حيث بات من المستحيل أن نُخفي عين الشمس بغربال كما يقول المثل الشعبي، إذا كانت لهذه الأجهزة القدرة على كشف مصادر الضربات التي استهدفت مصانع أرامكو السعودية، فالرؤية تتضح أكثر.
إن الضربات الأخيرة على مصانع أرامكو ضيعت فرصاً كبيرة من جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتقريب وجهات النظر بين ترامب وإيران؛ حيث أبدى الجانب الأمريكي بعض الليونة قبل أيام في بياتريس، وأكثر من ذلك، إن هذه الضربات من شأنها أن تهدد الأمن الإقليمي والدولي، وتضع المنطقة على صفيح ساخن
من المؤكد أن ضرب السعودية من أماكن أخرى يعني إشعال الحرب بالوكالة، وتؤكد المعطيات والأدلة على أن هذا النهج ليس غريباً على إيران، فهي لم تتحول إلى دولة مدنية حقيقية ما دام الحكم ينبع من المرشد الأعلى والمليشيات المحيطة به، هؤلاء الغارقون في الأوهام ولا يرون الواقع كما هو على الطبيعة، كما أن إيران تتبع أسلوب المواربة وإبعاد الشبهات والتستر، وهذه ليست أساليب دول لها التزاماتها أمام العالم، سواء كانت أخلاقية أم قانونية أم دبلوماسية، بات دعم إيران للحوثيين أمراً واضحاً للعيان، ولا يوجد هناك أي مبرر لذلك سوى زعزعة استقرار المنطقة، الدول لا تنسج علاقات مع الآخرين حسب منطق الطائفية والعقائدية، بل على أسس العلاقات المبدئية مع الآخرين.
ليست هذه المرة الأولى التي يتم استهداف خط أنابيب النفط شرق غرب، فقد سبقه هجوم 15 مايو، بطائرتين بدون طيار من العراق، كما أسلفنا إن انكار الحقائق لم يعد صالحاً في ظل التقنيات الحديثة، وسياسة مد الأذرع هنا وهناك لا يمت لسياسة الدول، بل يعتبر عن روحية المليشيات والمافيات.
ولنفترض جدلاً أن الضربة انطلقت من اليمن، إلا أنها مدعومة من قبل إيران، في الإمكانيات المادية والنفسية، ولربما لهذا السبب، ومن أجل التغطية على إيران ومخططاتها السرية، سارعت مليشيا الحوثي إلى إعلان مسؤوليتها عن الضربة، بل هددت بضربات جديدة، إن إنفاق ملايين الدولارات على أذرعها في كل مكان لا يصّب في صالح الدولة الإيرانية، بل يزيد من عزلتها ودمارها، لكن الحكام غير واعين لهذه اللعبة الخطيرة بعد أن أصبحت أراضي العراق تحت هيمنة النفوذ الإيراني شئنا أم أبينا من خلال الوقائع والدلائل. كما أن حكّام العراق المتماهين مع النظام الإيراني عقائديا وطائفياً يلعبون بالنار أيضاً، في محاولة التوفيق بين الأمريكيين والإيرانيين، معادلة صعبة أثبتت فشلها على مر التاريخ. فإذا أثبتت صور الأقمار الصناعية الأمريكية مسؤولية إيران في هذه الضربات، فإن الأمر لن يمر دون عقاب بعد أن وضعت إمدادات النفط العالمية في خطر، وهنا لا ينفع النكران أمام التسجيلات الدقيقة.
هل يمكن أن تكون هذه الطائرات قد انطلقت من قواعد للمليشيات في العراق؟
لطالما حذرنا من سلطة المليشيات هذه وخطرها على البلدان المجاورة، خاصة أنها تحولت إلى أدوات بيد الحكّام الإيرانيين، ينفذون أوامرها ليس إلا، ولطالما صرح قادة هذه المليشيات بأنهم في كفة إيران مهما كانت النتائج على حد تصريحات قادتها جهاراً وعلى شاشات التلفزيون. وعلى الرغم من نفي مكتب رئيس الوزراء العراقي ما تداولته بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عن استخدام أراضي العراق لمهاجمة منشآت نفطية سعوديّة بالطائرات المُسيّرة، والتزام الدستور بمنع استخدام أراضيه للعدوان على جيرانه وأشقائه وأصدقائه "حتى لو صدقت الحكومة في ذلك إلا أنها غير قادرة على ضبط المليشيات أو التحكم بها لأنها أصبحت فوق الجيش والقوات الأمنية والحكومة، ولم يتمكن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي من دمج المليشيات في القوات العسكرية والأمنية، حتى لو نجح فكان ذلك سيكون الأسوأ؛ لأن ذلك يعني أن هذه المليشيات سوف تتحكم بالجيش وقوات الأمن.
على أية حال، سيبقى هجوم الطائرات المسيرة من اليمن الرواية الرسمية في الوقت الحاضر، وانطلاق هذه الضربات من إيران أو العراق مجرد فرضيات ستثبت التحقيقات صحتها أو خطأها، وسيظل الحوثيون يؤكدون أنهم اخترعوا محركات نفاثة زودت طائراتهم.
لذلك، لا تزال الولايات المتحدة مترددة في توجيه ضربة لإيران خوفاً من أن تتحول إلى مواجهة شاملة، وفي ذلك نذر شؤوم كبيرة على المنطقة.
إن الضربات الأخيرة على مصانع أرامكو ضيعت فرصاً كبيرة من جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتقريب وجهات النظر بين ترامب وإيران؛ حيث أبدى الجانب الأمريكي بعض الليونة قبل أيام في بياتريس. وأكثر ضمن ذلك، إن هذه الضربات من شأنها أن تهدد الأمن الإقليمي والدولي، وتضع المنطقة على صفيح ساخن لو اندلعت الحرب بين الولايات المتحدة وإيران.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة