عام 2019 في دولة الإمارات العربية المتحدة بدأ بمبادرة أنه عام للتسامح
ثلاثة أحداث كبرى جاءت مع العام الجديد 2019، بدأت بمبادرة وطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد أعلنت القيادة أن هذا العام سيكون عاماً للتسامح، وكان قبله عاماً للشيخ زايد، رحمة الله عليه، الأب المؤسس لهذه الدولة الفتية الناهضة.. ثم ما لبثت أن شهدت أبوظبي حدثاً تاريخياً عالمياً غير مسبوق على مدى القرون الثمانية الماضية.. زيارة البابا فرنسيس والإمام الأكبر شيخ الأزهر، وتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، تلك الوثيقة التي لم يسبق أن تم التوافق على مثلها بين حاضرة العالم الكاثوليكي في الفاتيكان والأزهر الشريف أقدم جامع وجامعة ومرجعية دينية في العالم الإسلامي.. وأخيراً جاء الحدث الثالث وهو رئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة لمجلس وزراء الخارجية لمنظمة التعاون الإسلامي، وإعلان الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير خارجية الإمارات، أنه سيكون جهد سموه منصباً خلال هذا العام على مكافحة الإرهاب والتطرف ونشر قيم التسامح والتعايش والاعتدال.
باجتماع المحلي بالإقليمي بالعالمي اكتملت دائرة عصر جديد للمسلمين والعالم، عصر يبشر بفكر جديد، ودعوة جديدة، ونظم علاقات جديدة، لقد انتقلت مفاهيم التسامح والتعايش والتناغم، والأخوة الإنسانية من منابر المساجد والكنائس والمعابد إلى منصات المنظمات الإقليمية والدولية، وإلى الخطاب السياسي والدبلوماسي، وأصبحت هذه المفاهيم التي كانت تطلق فيما مضى على سبيل إبراء الذمة، ورفع العتب، والدفاع عن الاتهام، صارت هذه المفاهيم لغة دبلوماسية جديدة، تتعامل بها الدول، وتتضمنها البيانات الختامية للمنظمات الدولية، وتصدر في وثائق يوقع عليها رؤساء دولة ووزراء خارجية.
في عام 2019 تكتمل في أبوظبي دائرة الأمل الإنساني الفسيح، وتنتهي دائرة اليأس والكراهية والإرهاب البغيض التي سيطرت على العالم منذ 1979، ذلك العام المشؤوم الذي شهد بداية المشكلة الأفغانية باحتلال الاتحاد السوفيتي لهذا البلد، وبداية الجهاد الوظيفي المسخر لخدمة أجندات دولية، لا علاقة لها بقيم الإسلام ولا مقاصده. لقد كانت أفغانستان معملاً لتفريخ للإرهاب الدولي المتدثر بالإسلام على الجانب السني. وفي نفس العام جاءت الثورة الخمينية التي خلقت فصلاً جديداً من الحروب المذهبية والطائفية أدخلت العالم الإسلامي في بحر من الدماء لم يتوقف تدفقه حتى اليوم، وأخيراً شهد نفس العام حركة الجهيمان العتيبي في الحرم المكي الشريف التي أسست لظهور الصحوة في بلاد الحرمين. تلك الصحوة التي مثلت وقوداً لكلا النموذجين من الإرهاب وسفك الدماء على الجانبين السني والشيعي، ومثلت بيت خبرة لتوليد التطرف والعنف والكراهية في مختلف بقاع العالم.
العالم يتغير بكلمه، والمجتمعات تتحول بكلمة، والكون كله بدأ بكلمة، لذلك فإن خروج دعوة التسامح والأخوة الإنسانية ستسري في العقول والقلوب، وسيكون لها تأثيرها الذي لا قد لا يراه غير المبصرين، ولكنها الكلمة، وفي البدء دائما تكون الكلمة.. تسامح.. أخوة إنسانية.. القضاء على التطرف والإهاب
ما بين 1979 و2019 أربعون عاما من التيه الكبير الذي دخل فيه العالم الإسلامي، وأدخل معه العالم أجمع في دوامة مستمرة من الأعمال الإرهابية العبثية، التي لم يسبق أن قام بها مسلمون حين كانت ديارهم محتلة من قبل دول استعمارية شرسة، لا تعرف الرحمة، سامتهم سوء العذاب، قتلت وشردت الملايين.. ورغم ذلك لم يرد المسلمون بالعنف والإهاب العبثي، لأنهم كانوا مسلمين، فعلى الرغم من فظائع الاستعمار الفرنسي في الجزائر، لم يذهب جزائري واحد لقتل الآمنين الفرنسيين في باريس، بل ذهبت وفود لتقديم قضيتهم العادلة بالحوار والمنطق، لأنهم كانوا مسلمين يومنون أنه "لا تزرُ وازرة وزر أخرى".
ثلاثة أحداث في عام 1979 يقابلها ثلاثة أحداث في عام 2019، الثلاثة الأولى جاءت بمفاهيم الجهاد العبثي الموظف لخدمة قوى دولية، والطائفية المذهبية التي أحيت كل أمراض التاريخ، وحركة تكفير عالمية لم تدع ولم تزر أحداً لم تكفره أو تبدعه أو تفسقه، والثلاثة الثانية جاءت بمفاهيم التسامح والأخوة الإنسانية، والقضاء على التطرف والإهاب والعنف.
أربعون عاما تنتهي ليبدأ عصر جديد على مستوى الوعي الجمعي والإدراك الفردي، لأن العالم يتغير بكلمه، والمجتمعات تتحول بكلمة، والكون كله بدأ بكلمة، لذلك فإن خروج دعوة التسامح والأخوة الإنسانية ستسري في العقول والقلوب، وسيكون لها تأثيرها الذي لا قد لا يراه غير المبصرين، ولكنها الكلمة، وفي البدء دائماً تكون الكلمة.. تسامح.. أخوة إنسانية.. القضاء على التطرف والإهاب.
وللمكان تأثير على نفاذية الكلمة، فدولة الإمارات صار لها جاذبية خاصة في العقول والقلوب، وصارت تستحوذ على محبة البشر من جميع بقاع الأرض، لأنها بدأت تاريخها بنمط جديد للعلاقات مع الدول، فقد ابتكر مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - رحمه الله - وسائل جديدة في تعامله مع دول العالم، فكان له السبق في ابتكار نوعين من الدبلوماسية هما: أولاً الدبلوماسية الإنسانية من خلال التدخل الإنساني في المنازعات والحروب في جميع مناطق العالم الذي كان للإمارات علاقة بها. وثانيا الدبلوماسية الاقتصادية؛ التي كانت وسيلته المفضلة في خلق أنماط من الاعتماد المتبادل بين الدول؛ تجعل العلاقات معها أكثر استدامة وسلمية ونفعا للبشر في الجانبين... والآن توظف الإمارات رصيدها من القوة الناعمة لتحقيق هذه الرؤية الجديدة في عالم تسوده الأخوة الإنسانية، وتحكمه قيم التسامح والتعايش والوئام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة