الملتقى في هذا العام كان حوارا عميقا كعادته، وكان يدور هذه المرة حول مشهد سياسي مؤلم لمنطقة الشرق الأوسط
"تنافس القوى القديم في عصر جديد" هكذا هو عنوان ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السادس الذي عقد في أبوظبي بداية هذا الأسبوع، وللمرة السادسة يجبرني هذا الملتقى، وأنا أحضر جلساته أن أتسمر على الكرسي أمام جلسات حوارية وفعلية في عمقها وضيوفها وموضوعاتها، فقد عشت خلال يومي الملتقى في مشهد فكري يضع منطقة الشرق الأوسط في دائرة العالم محاولا عبر مناقشاته أن يمسك بخطوط التواصل بين كرة كبيرة تمثل العالم وبين كرة الشرق الأوسط، وهي أحدى أهم الدوائر التي تتحرك في وسط هذا العالم لتؤثر فيه وتتأثر به.
مشهد تنافس القوى القديم في عصر جديد كما يقول عنوان الملتقى ذهب بي إلى فكرة متواضعة حول منطقة الشرق الأوسط التي تعكس مستوياتها السياسية ونخبها الفكرية إخفاقها في تلبية متطلباتها عبر السنين مما أدى الى تناسب طردي
خلال السنوات الماضية، وبثبات منهجي استطاع مركز الإمارات للسياسات بقيادة الدكتورة ابتسام الكتبي ألا يحيد عن منطلقاته، وهذا ما جعلني أشعر بالتصاعد الفكري الممنهج الذي يتخذه المركز في تحديد موضوعاته كل عام، لم أشعر أبدا بالتراجع أو التكرار ولكني شعرت أن كل الموضوعات الفكرية التي يتم نقاشها تمتلك زوايا متعددة ومتنوعة تثري البحث الفكري والحوار الدائم عبر قراءة تدور في مثلث الواقع وتحليله وبناء تنبؤات المستقبل وفق أسس صحيحة.
الملتقى في هذا العام كان حوارا عميقا كعادته وكان يدور هذه المرة حول مشهد سياسي مؤلم لمنطقة الشرق الأوسط التي يختلط فيها الواقع بالأمل عبر نقاش مشكلة عويصة، مشكلة الشرق الأوسط العميقة بكل تفاصيلها، لقد كان الحوار في ملتقى هذا العام يبحث بلهفة عن الدليل الفكري لمرحلة التعافي أو على الأقل مرحلة تشخيص المرض وهي مشكلة فكرية، وظهر هذا بكل وضوح في جلسات الملتقى ومنها الجلستان السادسة والسابعة.
المشهد الشرق أوسطي في ميزان القوة الدولية وتوزيعها وأدواتها يطرح أسئلة مهمة تسربت بين ثنايا حوارات جلسات الملتقى هذا العام، فالبعض يؤمن بأن تشكيلا للوعي لدى الشعوب بدأ يأخذ طريقه، ولكن الأزمة تكمن دائما في إيجاد الدليل القاطع بأن ذلك الاندماج الشعبي العربي والشرق أوسطي وتلك الصورة التي تجتاح عواصم مهمة في المنطقة إنما يمثل "القوة التي تصنع الحق" كما يقال في المعتقدات الأخلاقية.
مشهد تنافس القوى القديم في عصر جديد كما يقول عنوان الملتقى ذهب بي إلى فكرة متواضعة حول منطقة الشرق الأوسط التي تعكس مستوياتها السياسية ونخبها الفكرية إخفاقها في تلبية متطلباتها عبر السنين، مما أدى إلى تناسب طردي كونها كلما أخفقت هذه المستويات السياسية وهذه النخب فإنها تلقي باللائمة على نفسها ويتصاعد إحساسها بالذنب، هذا ما جعل هذه المنطقة تعاني من الاستعداد الدائم لفعل كل ما تمارسه القوى حولها تكفيرا عن ذنوبها، وانظروا إلى تحولات هذه المنطقة التي يوحي تسلسلها بأنها تكفير عن الذنوب منذ عبدالناصر وحتى اليوم.
ختاما، فإن مركز الإمارات للسياسات الذي يقيم هذا الملتقى بشكل سنوي ليفجر من خلاله أهم القضايا الفكرية والحوارية والاستراتيجية التي تحاول قراءة المنطقة بأبعادها السياسية والجيوسياسية وتحولاتها المستقبلية، هو من يستحق الإشادة، فشكرا للدكتورة ابتسام الكتبي وفريق عملها الرائع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة