أسرار العبقرية.. آدم سميث يكشف لـ«العين الإخبارية» السمات المشتركة بين علماء نوبل
ما الذي يجمع بين التفوق العلمي والإنسان؟ في هذا الحوار الخاص مع الدكتور آدم سميث، يفتح لنا نافذة نادرة على تفاصيل شخصية وتجارب إنسانية عاشها عن قرب مع علماء حائزين على جائزة نوبل، كاشفًا كيف تتشكل العبقرية خارج المختبر.
ببحث بسيط عبر غوغل عن "آدم سميث" - Adam Smith، سواء باللغة العربية أو الإنجليزية، تُظهر نتائج البحث عالم الاقتصاد الشهير الاسكتلندي "آدم سميث"؛ إذ قدّم عددًا من المساهمات الثرية في علم الاقتصاد، منها نظرية "اليد الخفية" التي تصف قوة المصلحة الذاتية في تدعيم مصلحة المجتمع والاقتصاد. أضاف سميث أيضًا نظرية "تقسيم العمل"، التي تعزز عملية تقسيم العمل؛ فتزداد الإنتاجية. وساهم في تطوير بعض الأفكار عن الرأسمالية عبر نظرية "السوق الحر". وأوضح الدور الحكومي في الاقتصاد. كما أبرز الجانب الإنساني في الأنشطة الاقتصادية عبر دمج الاقتصاد والأخلاقيات، والكثير من الأعمال الأخرى، ما جعله جديرًا بلقب "أب الاقتصاد الحديث".
مع ذلك، عند إجراء بحث على غوغل باسم (Adam Smith)، وإضافة كلمة (Nobel) لمحرك البحث، ستظهر شخصية أخرى بنفس الاسم على صفحة موقع مؤسسة "جائزة نوبل"؛ لنجد أنه شخص آخر يرتبط بشكل ما بجائزة نوبل، لديه العديد من الحوارات والمقابلات الهاتفية مع العلماء الذين حصلوا على جائزة نوبل للتو. إنه الدكتور "آدم سميث"، كبير مسؤولي التواصل العلمي في مؤسسة جائزة نوبل.
الأمر الذي أثار فضولنا للتواصل معه والتعرف عليه عن قرب. وفي حديثه للعين الإخبارية، قلت له مازحة: "هل أنت حفيد آدم سميث عالم الاقتصاد؟"، رد ضاحكًا بأنّ هذا التشابه في الأسماء تسبب له في مشكلات كثيرة، إنّ الكثير من الناس يعتقدون حقًا أنه حفيد آدم سميث الاقتصادي، لكنه أكد لنا أنه ليس لديه أي صلة قرابة بآدم سميث عالم الاقتصاد.
يتمثل دور آدم سميث، وهو بالمناسبة كان عالمًا في البيولوجيا الجزيئية وعلم الأعصاب قبل الانتقال إلى النشر العلمي ومن ثم إلى عمله مع مؤسسة جائزة نوبل، في إجراء أول محادثة مع الحائزين على جائزة نوبل بعد أن يتم إبلاغهم مباشرة بفوزهم بجائزة نوبل؛ ويسجل هذه المقابلات والتي تتحول فيما بعد إلى جزء مهم من أرشيف المقابلات مع الحائزين على جائزة نوبل، التي يجمعها هو وفريقه منذ سنوات طويلة، تقترب من العشرين عامًا.
من ضمن مهام سميث أيضًا إدارة مشروع "مبادرة إلهام جائزة نوبل" (Nobel Prize Inspiration Initiative - NPII)، هذا البرنامج يتحرك بالعلماء الحائزين على جائزة نوبل حول العالم للالتقاء بالجيل القادم من العلماء الشباب. هذا يسمح للدكتور آدم سميث أن يقترب أكثر من شخصيات علماء نوبل والتحدث إليهم وسؤالهم عن أي شيء يخطر بباله.
ومن ضمن الأسئلة التي طرأت على ذهنه كثيرًا، كيف يمكن لشخص أن يقضي سنوات طويلة بحثًا عن إجابة سؤال؟ ذلك السؤال الفضولي الذي تقود إجابته فيما بعد إلى جائزة نوبل. كان يتعجب سميث ويقول في نفسه: لماذا لم يتخلوا عن ذلك السؤال الذي طرحوه وأصروا على إيجاد إجاباته لسنوات طويلة؟ ومن خلال موقعه القريب من علماء نوبل لفترات طويلة، كان لديه الوقت الكاف ليسألهم سؤاله الفضولي، وتعلّم المزيد عن شخصياتهم، واكتشاف المزيد عن سماتهم المشتركة، التي شاركها مع العين الإخبارية عبر حوار حصري.
إليكم نص الحوار..
1- أول سؤال قفز إلى ذهني، ما هي التحديات التي تواجهك عند الحركة بالعلماء الحائزين على جائزة نوبل حول العالم؟ كما تعلم إنهم شخصيات تاريخية.
نصل إلى عدد كبير من الأشخاص من خلال الموقع الإلكتروني nobelprize.org وجميع قنوات التواصل الاجتماعي المرتبطة به. لكن مقابلة الناس فعليًا فهذا لأمر مميز، فهناك دائمًا الكثير من الأشخاص الذين يمكن رؤيتهم والعديد من الأماكن التي يجب زيارتها. لكن، هناك بعض التحديات؛ فلدينا عدد محدود من الحائزين على جائزة نوبل، وكذلك نواجه تحديات في إيجاد الوقت والتمويل الكافيين، ما يزيد من صعوبة التواجد في كل مكان.
أعتقد أنّ للعلماء الحائزين على جائزة نوبل تأثيرًا إيجابيًا ويلهمون الأشخاص الذين يلتقونهم؛ ونحن نميل إلى التركيز بشكل خاص على العلماء الشباب لتذكيرهم بمتعة كونهم علماء ولمساعدتهم على التفكير في كيفية بناء حياتهم في المجال العلمي. أينما كنا في البرازيل وماليزيا وأوروبا واليابان، يريد الناس سماع ما سيقوله الحائزون على جائزة نوبل وهم متحمسون لذلك. إننا نريد زيارة كل مكان، لكننا لا نستطيع ذلك بسبب التحديات التي ذكرناها.
2- وما هي الأشياء الممتعة في عملك بصفتك كبير مسؤولي التواصل العلمي في مؤسسة جائزة نوبل؟
أعتقد أنّ قضاء وقت طويل مع العلماء الحائزين على جائزة نوبل، يقربك قليلًا من شخصياتهم، إننا جميعًا نعلم أنه لكي تفعل شيئًا استثنائيًا، عليك أن تكون شديد التركيز. لكن الشيء الذي أثار اهتمامي لفترة طويلة جدًا عندما بدأت العمل في هذه الوظيفة لأول مرة، هو معرفة "كيف يمكن لسؤال أن يستحوذ على اهتمام شخص ما تمامًا؟"، كنت أسأل الحائزين على جائزة نوبل دائمًا، كيف لم يتخلوا عن الاهتمام بسؤال ما لسنوات طويلة تصل إلى 10 و20 عامًا، كانوا لا يفهمون السؤال في أوقات كثيرة، يقولون لي: "إذا كان الأمر مثيرًا للاهتمام، لماذا تتوقف؟ لماذا تتراجع؟ لماذا تُشتت نفسك؟".
الشيء الآخر الذي أثار اهتمامي لديهم، هو الفضول، والذي يمكن أن يكون بمثابة محرك قوي للتركيز. وأيضًا التعرف على تنوع الشخصيات التي يتطلبها أن تكون عالمًا ناجحًا.
ونعم، ربما يبدو معظم الحائزين على جائزة نوبل متشابهين بعض الشيء، وإذا رأيتهم جميعًا يقفون على خشبة المسرح معًا، فقد ترى أن هؤلاء الأشخاص جميعهم متشابهون، أليس كذلك؟ أعتقد ذلك أحيانًا في أماكن مثل في لينداو. لكن، هذا لا يعني أنهم متشابهون، بل إنّ الشخصيات مختلفة تمامًا وأعتقد أن هذه إحدى فوائد اجتماع لينداو. لدينا الكثير من الفائزين بالجائزة ويمكن للعلماء الشباب رؤية ذلك. ربما هو شيء قد فهموه بالفعل، ولكن إذا لم يعرفوه، فسوف يكتشفون أن العديد من الشخصيات المختلفة يمكن أن تكون في يوم ما "عالمًا ناجحًا". واعتقد أن هذه رسالة مشجعة للغاية مفادها أنه لا توجد صيغة لكيفية القيام بذلك.
والأمر الآخر الأكثر إمتاعًا في التواجد مع الحائزين على جائزة نوبل -إنه أمر غير متوقع إلى حد ما- وهو أنني أتمكن من مقابلة عدد كبير جدًا من الشباب، الذين أحب مقابلتهم، إنه لشرف عظيم أن ألتقي بالآلاف والآلاف من الطلاب في كل هذه البلدان المختلفة للاستماع إليهم وإلى همومهم. وهذا لا يقل أهمية بالنسبة لي عما تعلمته من التحدث مع الحائزين على جائزة نوبل. ولم أكن لأتعلم ذلك إذا لم أكن في هذا المنصب. إنه نوع من العطاء بطريقتين، لا يقتصر الأمر على الحائزين على جائزة نوبل فقط بل أيضًا العلماء الشباب.
3- لاحظت أنّ أغلب الحائزين على نوبل، يحصلون عليها في سن كبير؛ في رأيك، لماذا تذهب جائزة نوبل لكبار السن في أغلب الأحيان؟
إذا أردنا التحدث عن سبب منح الجائزة لأشخاص معينين؛ فيجب التحدث إلى لجان جائزة نوبل؛ لأنّ هذا قرارهم؛ فلكل جائزة لجنتها الخاصة التي تتخذ القرارات وهم الوحيدون الذين يمكنهم التحدث عن سبب حصول أشخاص معينين على الجائزة. لكن إذا نظرنا إلى وصية ألفريد نوبل؛ فهي تنص على أنّ الجائزة يجب أن تذهب إلى العمل الذي يقدم أكبر فائدة للإنسانية، ومن المؤكد أن الأمر يستغرق عادةً الكثير من الوقت لمعرفة فائدة هذا العمل.
في حالة الجوائز العلمية؛ فعادةً تكون هناك فجوة كبيرة بين العمل المنجز والفائدة الواضحة حقًا وسنوات عديدة من دورات منح الجائزة، وبحلول ذلك الوقت الذي يحصل فيه الفائز على الجائزة؛ يكون قد كبر في السن، على الرغم من أن العمل الذي قاموا به ربما كان عندما كانوا صغارًا جدًا. لذلك يميل الحائزين على جائزة نوبل إلى أن يكونوا من كبار السن.
أما حصول بعض العلماء على الجائزة في عمر الثلاثينيات أو الأربعينيات وأوائل الأربعينيات من العمر؛ فهذا أمر نادر جدًا، ويحدث عندما تظهر فائدة العمل على الفور. ولكن هذا ليس هو الحال عادة بالنسبة لجائزة السلام. في الواقع، الأمر مختلف تمامًا، فمن الممكن أن تجدين أشخاصًا يحصلون عليها في سن صغير، مثل "ملالا".
4- لكن، في القرن العشرين حصل عالم اسمه "وليام لورنس براغ" على جائزة نوبل في الفيزياء وعمره 25 عامًا تقريبًا، ولم يكن أينشتاين مسنًا عندما حصل عليها
هذا صحيح. نعم، هذا يحدث. لكن، لم يكن ألبرت أينشتاين صغيرًا في السن، ولم يحصل على الجائزة لفترة من الوقت. حصل عليها في عام 1921 عن عمل قام به في عام 1905. وقد حصل عليها لشرح التأثير الكهروضوئي، في ورقته البحثية في عام 1905. لذا فقد كان جيدًا أن يحصل على جائزة نوبل بعد 16 عامًا. أيضًا، كان هناك عالم فيزياء يُدعى "تسونج لي"، كان يبلغ من العمر 31 عامًا فقط عندما حصل على جائزة نوبل في عام 1957 عن عمله الذي كشف عن قوانين التكافؤ عام 1956، لكن هذه حالة خاصة جدًا، لقد كان مختلفًا تمامًا.
5- على ذكر أينشتاين، هل حقًا تمت تسوية طلاقه من ميليفا ماريتش -زوجته الأولى- مقابل الأموال التي حصل عليها من جائزة نوبل؟ وما رأيك في هذا باعتبار أنّ القصة حقيقية؟
يرد ضاحكًا: نعم، لقد سمعت بالفعل أنّ أينشتاين قد تنازل عن أموال جائزة نوبل مقابل تسوية الطلاق بينه وبين "ميليفا ماريتش"، لكنني لست متأكدًا من القصة. مع ذلك، من وجهة نظري، أنه من العدل أن يحصل شريك الحياة على نصيبه من نجاح شريكه؛ لأنّ العلماء ينشغلون معظم الوقت في أبحاثهم وتجاربهم؛ فيقع على عاتق الشريك أن يتحمل معظم مسؤوليات الأسرة؛ حتى يتفرغ العالم لأبحاثه وتجاربه التي تستغرق وقتًا طويلًا.
6- لنعد إلى شخصيات علماء نوبل؛ لدي فضول أن أعرف ما هي السمات المشتركة بين الحائز على جائزة نوبل الذين تقابلهم؟
الشغف، العبقرية، الفضول، إنهم يهتمون بكل شيء ويتعلمون طوال الوقت، لكنني أعتقد أن هناك شيئًا مميزًا إلى حد ما، وهو أن لديهم الحظ الجيد للقيام بشيء استحوذ على جزء كبير من تفكيرهم، يمكن أن يكون هذا الشيء إشكالية في الفيزياء النظرية أو رغبة في إيجاد طريقة جديدة لإجراء تفاعل كيميائي أو فهم عملية ما في الجسم. إنهم يفكرون كثيرًا ويستيقظون في الصباح وهم يفكرون "أريد الاستمرار في القيام بذلك لمعرفة المزيد عن هذا" أو "العمل على ذلك"، وهذا هو الشيء المشترك بينهم والذي لا يمكن تزييفه.
أعتقد أن الكثير من الباحثين لديهم الكثير من الأسئلة، وهو أمر جيد، ولكن من النادر بعض الشيء العثور على شيء مثير للاهتمام، وأعتقد أن جميع الحائزين على جائزة نوبل تقريبًا، قد وجدوا هذا السؤال المثير للاهتمام.
ولديهم قواسم مشتركة أخرى، مثل القدرة على الاستمرار؛ فالكثيرون يجدون الأمر صعبًا جدًا في معظم الحالات، لكن الحائزين على جائزة نوبل يسيرون ضد الأفكار المسبقة. إنهم يفعلون أشياء يقول عنها الآخرون -وليس من المستحسن أن يقول الناس هذا- "لم أكن لأفعل ذلك لو كنا مكانك". لكن الحائزين على جائزة نوبل يتمسكون بها ويقولون "نعم، حسنًا. سأمضي قدمًا على أي حال"، وللقيام بذلك، عليك التمتع بمهارات معينة، وتكون لديك الثقة الكافية للاستمرار والمرونة والثقة بالنفس.