مديرة «Greenpeace» في الشرق الأوسط: تمويل «التكيّف المناخي» يواجه عقبات كبيرة (حوار)
الدول المتقدمة مطالبة بتوفير تمويل عام على شكل منح وليس قروضاً تزيد من الأعباء

تبرز قضية التكيف مع التغيرات المناخية على رأس المفاوضات المناخية، كونها لا تزال تواجه تحديات عديدة لتعزيز استراتيجياتها، وعلى رأس تلك التحديات: التمويل.
والتكيف هو مصطلح يُشير إلى الإجراءات اللازمة للحد من تأثيرات التغيرات المناخية الحالية والمتوقعة، وهي من أكثر القضايا جدلًا؛ إذ إن هناك فجوة كبيرة في تمويل خطط التكيف؛ خاصة في البلدان النامية والأقل نموًا، ما يجعلها أكثر عرضة لتأثيرات التغيرات المناخية.
وهنا تبرز المشكلة الأهم؛ فإذا كانت استراتيجيات التكيف مجدية وتقلل وطأة تأثيرات التغيرات المناخية إلى هذا الحد؛ فلماذا لا تُطبق؟
ببساطة، يأتي هذا بسبب العقبات التي تلوح في الأفق، وعلى رأسها التمويل المناخي؛ خاصة أنّ هناك استراتيجيات للتكيف تحتاج إلى مبالغ باهظة، وفقا لما أكدته غوى النكت، المديرة التنفيذية لغرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في حوار خاص مع "العين الإخبارية".
وإليكم نص الحوار..
هل حقّقت "مبادرة التكيف الأفريقية" تقدمًا ملموسًا حتى الآن؟
أُطلقت مبادرة التكيف الأفريقية عام 2015 خلال القمة العشرين للاتحاد الأفريقي، وتم إعلانها رسميًا في مؤتمر باريس للمناخ (COP21) كخطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز قدرات القارة في مواجهة آثار تغيّر المناخ. وقد مثّلت المبادرة منذ ذلك الحين مظلة سياسية هامة لتوحيد الموقف الأفريقي بشأن قضايا التكيف، وإبراز احتياجات القارة على الساحة الدولية، مع إبراز الدور الريادي لمصر في دعم جهود التكيف في أفريقيا.
من حيث الإنجازات، استطاعت مبادرة التكيف الأفريقية أن تضع قضية التكيف في صدارة الأجندة المناخية للقارة وربطها بأولويات التنمية المستدامة، كما ساهمت في إبراز الفجوة الكبيرة في تمويل التكيف على المستوى الدولي، وإعداد تقارير ودراسات تُبرز الواقع والتحديات، إلى جانب صياغة خطط إقليمية لدعم قدرات الدول على مواجهة آثار تغير المناخ.
غير أنّ التحدي الأبرز يظل في ترجمة الالتزامات إلى تنفيذ عملي ملموس. فحتى اليوم، لا تزال الحاجة قائمة لزيادة الموارد المالية وضمان تطبيق برامج التكيف على الأرض في مختلف الدول الأفريقية. كما يمثل تعزيز الإرادة السياسية على المستويات الوطنية والإقليمية عاملًا حاسمًا لنجاح المبادرة وتحقيق نتائج ملموسة.
وباختصار، يمكن القول إنّ المبادرة أرست قاعدة مهمة لتعزيز التكيف مع تغير المناخ في أفريقيا، لكنها تحتاج إلى خطوات عملية واضحة وممولة بشكل كافٍ لتترك أثرًا فعليًا على المجتمعات الأكثر هشاشة أمام التغيرات المناخية.
ما أبرز العقبات التي تواجه تمويل التكيّف؟
رغم التقدم الذي تمّ إحرازه في السنوات الأخيرة، لا يزال تمويل التكيّف يواجه عقبات كبيرة. فقد شهدنا ارتفاع التمويل العام الدولي من 22 مليار دولار في 2021 إلى 28 مليار دولار في 2022، وهو أكبر نمو منذ اتفاق باريس، استجابةً لميثاق غلاسكو في COP26 الذي دعا إلى مضاعفة التمويل بحلول 2025. ومع ذلك، فإن هذا المسار يبقى بعيداً عن الهدف، حيث نحتاج إلى ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنوياً بحلول 2025 لسد فجوة تُقدَّر بين 187 و359 مليار دولار سنويًا.
وبالنسبة لأبرز التحديات أمام سد فجوة التكيف فهناك:
1- التخطيط: 171 دولة وضعت خططاً وطنية للتكيّف، بينما 26 دولة ما تزال بلا خطط، منها دول هشة ومتأثرة بالنزاعات، ما يجعلها في حاجة ماسة إلى دعم إضافي لتحقيق هدف الصمود العالمي بحلول 2030.
2- الإجراءات لا تتلاءم مع التحديات: على الرغم من أنّ إجراءات التكيف آخذة في الارتفاع، إلا أنها لا تتناسب مع التحديات الموجودة بالفعل. إضافة إلى أنّ نصف المشاريع المصممة للتكيف بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ من الجهات التمويلية المختلفة ليست مرضية أو غير مستدامة.
3- التمويل: يبقى السؤال الجوهري: من سيدفع الثمن؟ من المفترض أن تتحمل الدول المتقدمة، التي ساهمت تاريخيًا في الانبعاثات، المسؤولية الأكبر بموجب مبدأ "الملوّث يدفع". لكن الواقع أن الدول النامية غالباً ما تتحمل التكلفة، في تناقض مع مبدأ العدالة والمسؤولية المشتركة ولكن المتباينة.
4- تمويل الحلول العملية المحلية: تحتاج بلدان المنطقة إلى دعم لتوفير التمويل للحلول المحلية الفعّالة، مثل التعاونيات، التي تعزز جهود التكيف. ويمكن توفير هذا الدعم عبر التمويل المناخي المخصص للتكيف، مع مراعاة الفجوة الحالية في التمويل، أو من خلال تحرير الموارد المالية الوطنية عبر إصلاح الديون السيادية، لتُوجه هذه الأموال نحو المبادرات والحلول المحلية التي تخدم جهود التكيف.
ومع اقتراب انعقاد مؤتمر الأطراف في البرازيل (COP30)، تترقّب الدول والمجتمع الدولي التوصل إلى اتفاق واضح بشأن الهدف العالمي للتكيف، باعتباره أحد أبرز المخرجات المنتظرة التي ستحدّد مسار العمل المناخي.
ترتفع فجوة التكيف باستمرار؛ فكيف يؤثر ذلك على المجتمعات في الدول النامية؟
إنّ اتساع فجوة التكيف يترك آثارًا قاسية ومباشرة على المجتمعات الأكثر هشاشة في الخطوط الأمامية لأزمة المناخ. فغياب التمويل الكافي يحرم هذه الدول من القدرة على حماية شعوبها من المخاطر المناخية المتسارعة، ما يترجم إلى خسائر إنسانية واقتصادية جسيمة.
أولًا، يؤدي ذلك إلى زيادة الفقر وعدم المساواة، حيث تدمّر الظواهر المناخية المتطرّفة، من أعاصير وفيضانات إلى حرائق وجفاف المنازل وسبل العيش، بينما تعجز البنية التحتية غير المجهزة عن الصمود، فتتضاعف الخسائر البشرية والمادية.
ثانيًا، يهدد ذلك الأمن الغذائي والمائي نتيجة اضطراب أنماط الأمطار وتزايد موجات الجفاف والفيضانات، مما يضع الزراعة وإمدادات المياه تحت ضغط كبير. وهو الأمر الذي يؤثّر بدوره على الأمن الغذائي لهذه المجتمعات التي تعتمد على أراضيها للصمود.
ثالثًا، تتدهور الصحة العامة بسبب ضعف الأنظمة الصحية والبنية التحتية، ما يزيد من مخاطر انتشار الأمراض ويقلل من قدرة الدول النامية على توفير خدمات صحية فعّالة.
إلى جانب ذلك، يقوّض العجز في التكيّف التقدّم نحو أهداف التنمية المستدامة، من القضاء على الفقر وضمان الأمن الغذائي إلى توفير المياه والطاقة النظيفة. وتتعقد الصورة أكثر مع تصاعد أعباء الديون التي تحدّ من قدرة هذه الدول على الاستثمار في مشاريع التكيّف.
في COP29 طُرح هدف تمويل مناخي بقيمة 300 مليار دولار سنويًا حتى 2035، لكن بعض الأطراف وجدته غير كافٍ. كيف يؤثر هذا التفاوت في الطموحات على مسار التفاوض؟
يعكس هذا التفاوت فجوة عميقة بين ما تعتبره الدول المتقدمة خطوة نحو الأمام، وما تراه الدول النامية مجرد وعود ضعيفة لا ترتقي لواجهة الواقع؛ فهدف تخصيص 300 مليار دولار سنويًا حتى عام 2035، رغم أهميته الرمزية، يظل بعيدًا جدًا عن تلبية الاحتياجات الحقيقية لملايين الأشخاص الذين يعيشون في الخطوط الأمامية لتأثيرات تغيّر المناخ في منطقتنا والعالم الجنوبي. كما أن هذا الهدف ليس أكبر بكثير من التعهّد السابق البالغ 100 مليار دولار، الذي تدّعي دول الشمال أنها أوفت به رغم غياب الأدلة على ذلك، لا سيّما عند احتساب أثر التضخم. وقد طالبت غرينبيس بأن تلتزم الدول الغنية، صاحبة الانبعاثات التاريخية الأعلى، بما لا يقل عن 1.1 تريليون دولار سنويًا لتمويل المناخ، بما يناسب حجم التحديات الفعلية.
إضافة إلى ضآلة المبلغ، فإن غياب الوضوح بشأن طبيعة التمويل يزيد المخاوف من الاعتماد على القروض بدلاً من المنح، بما يفاقم الأعباء الاقتصادية على الدول الأكثر هشاشة.
هذا التفاوت في الطموح يقوّض الثقة بين الأطراف ويعطّل مسار التفاوض، إذ يعطي انطباعًا بأن أولويات الشمال العالمي لا تزال بعيدة عن واقع دول الجنوب واحتياجاتها المُلحة.والأسوأ أن نقص التمويل يعني غياب التقدّم في جهود التخفيف وخفض الانبعاثات، لأن دول الجنوب لن تمتلك الوسائل والأدوات اللازمة لتبنّي سياسات مناخية طموحة. ونتيجة لذلك، قد تتحول مفاوضات المناخ السنوية إلى عملية طويلة ومعقدة مليئة بالمماطلة، بدل التركيز على الحلول العملية، ما يحدّ من فرص إحراز تقدم ملموس ويجعل منطقتنا تغرق أكثر في تبعات أزمة لم تكن طرفًا فيها.
كيف يتم تضمين مبدأ العدالة المناخية في مفاوضات التكيف؟
يتم تضمين مبدأ العدالة المناخية في مفاوضات التكيف عبر ربط التمويل المناخي بالاحتياجات الفعلية للدول والمجتمعات الأكثر تأثرًا بتغير المناخ، بدل التركيز على الدول الأكثر ثراءً أو الأقل عرضة للمخاطر. ويهدف ذلك إلى ضمان توزيع عادل ومنصف للموارد المالية والفنية لدعم الإجراءات التي تعزز مرونة هذه المجتمعات، مثل الاستثمار في البنية التحتية المقاومة للعوامل الجوية، تطوير تقنيات زراعية مستدامة، وإنشاء أنظمة إنذار مبكر للتصدي للكوارث المناخية.
ويُعتبر التمويل المناخي، عندما يكون كافيًا ومصممًا وفق مبادئ العدالة والإنصاف والشمول، أداة أساسية لتحقيق العدالة المناخية، لأنه يمكّن المجتمعات الأكثر ضعفًا من الوصول إلى حلول عملية وفعّالة للتكيف مع آثار التغير المناخي. لتحقيق هذا الهدف، يجب أن يركز التمويل على المنح بدلاً من القروض، وأن يشمل مشاركة المجتمعات المحلية في اتخاذ القرار، مع ضمان الشفافية والمساءلة في توزيع الموارد لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه وتحقيق أثر ملموس على الأرض.
ما السيناريوهات المحتملة لمخرجات التكيف في COP30؟
من المتوقع أن تعتمد الدول في مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) مجموعة من المؤشرات العالمية للتكيف ضمن الهدف العالمي للتكيف (GGA). وستعمل هذه المؤشرات كأدوات لقياس التقدم، مثل متابعة الوصول إلى نظم الإنذار المبكر، ودعم الزراعة المقاومة للتغير المناخي، وتمويل جهود التكيف. وستُدرج هذه المؤشرات في نتائج المؤتمر الرسمية لتوجيه الرصد العالمي، ووضع الخطط الوطنية، وتحديد أولويات الدعم من المانحين. باختصار، ستوضح هذه المؤشرات كيفية قياس التقدم في مجال التكيف على الصعيد العالمي.
ومع ذلك، من الضروري أن تتفاوض دول الجنوب العالمي بجدية وبكلّ حزمٍ لضمان أن تعكس المؤشرات والنصوص أولوياتها وقدراتها واحتياجاتها من الدعم، بدلاً من أن تُحدّد فقط وفق أجندات المانحين.
في اجتماع بون الماضي، لم تتوصل الأطراف إلى وضع المؤشرات اللازمة لتقييم التقدم المحرز في ملف التكيف؛ فهل تتوقعون أن يتفقون على 100 مؤشر قبل COP30؟
التوصل إلى مئة مؤشّر متفق عليها يبدو صعبًا قبل انعقاد مؤتمر الأطراف COP30، خصوصًا أن اجتماع بون الأخير أظهر حجم التباينات بين الدول حول منهجية التقييم وآلياته. وضع المؤشرات يتطلّب توافقًا على معايير شاملة تراعي خصوصيات كل دولة وظروفها، وهو ما يحتاج إلى وقت أطول ومفاوضات معمّقة.
لكن التوصل إلى حزمة أساسية من المؤشرات المشتركة التي تعطي دفعة لمسار التكيف قبل COP30 هو أمر ممكن إذا توفّر الحد الأدنى من الإرادة السياسية.
في اجتماع بون الماضي، ما دلالة طلب الدول المتقدمة من النامية الإفصاح عن نفقاتها بخصوص التكيف؟ (أقصد هل هذا قد يكون أحد أشكال توجيه زمام المفاوضات إلى وجهة جديدة لتعطيلها؟ أم أحد أشكال الممارسات الاستعمارية؟ أم شيء آخر؟)
رغم وجود مبررات تقنية تدعو إلى تعزيز الشفافية، إلا أن هذا المطلب قد يُفهم أحيانًا كمحاولة لتحميل المسؤولية للطرف الآخر والتخفيف من الضغط على الدول المتقدمة للوفاء بالتزامات مالية أكثر جدية. وبذلك قد يتحوّل إلى أداة للمماطلة أو إلى شكل غير مباشر من أشكال اللامساواة الهيكلية. وينعكس هذا المشهد بوضوح في مفاوضات تمويل المناخ، حيث تسعى دول الشمال العالمي إلى تحويل مسار النقاش بعيدًا عن مسؤولياتها التاريخية، باتجاه التركيز على ضرورة رفع طموحات التخفيف من جانب الدول النامية. والنتيجة هي حالة جمود على مستويات الطموح والتمويل معًا؛ إذ يشكّل رفع الطموح شرطًا أساسيًا لتحفيز التمويل.
كيف يمكن للدول النامية أن توحد صوتها في COP30 للمطالبة بتمويل عادل ومنصف؟
بعد النتائج المالية الضعيفة التي أسفر عنها مؤتمر COP29 في أذربيجان، يتعيّن على دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تستثمر ريادتها المناخية، التي برزت من خلال استضافة مؤتمرات الأطراف السابقة، لتلعب دورًا أكثر فاعلية في تمثيل مصالح المنطقة والجنوب العالمي. ويجب على قادة هذه الدول المطالبة بتركيز المفاوضات والنقاشات في مؤتمر COP30 على تمويل المناخ والانتقال العادل، بما يشمل متابعة تنفيذ خارطة الطريق من باكو إلى بيليم المتعلقة بالتمويل المناخي.
كما ينبغي التشديد على مسؤولية الدول المتقدمة في توفير التمويل العام لشعوب منطقتنا على شكل منح وليس قروض تزيد من الأعباء، بما يمكّن بلداننا من تعزيز العمل المناخي، ليس فقط في مجال التخفيف، بل أيضًا في مجالات التكيّف والخسائر والأضرار.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjEg جزيرة ام اند امز