محادثات أديس أبابا.. مساعٍ للتسوية الشاملة بالسودان
المحادثات بين الجبهة الثورية السودانية وقوى إعلان الحرية والتغيير تهدف لبحث عملية إحلال سلام شامل في المرحلة الانتقالية
لا تزال المحادثات بين الجبهة الثورية السودانية ووفد من قوى إعلان الحرية والتغيير مستمرة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا؛ لبحث عملية إحلال سلام شامل ومشاركة قادة الحركات المسلحة في المرحلة الانتقالية المقبلة.
ووصل إلى أديس أبابا يوم الجمعة الوسيط الأفريقي محمد الحسن ولد لباد، وعقد اجتماعا مشتركا ضم قيادات الجبهة الثورية السودانية وقيادات قوى إعلان الحرية والتغيير التي وقعت على وثيقة الاتفاق السياسي بالخرطوم مع المجلس العسكري الانتقالي.
كما انضم إلى المحادثات في العاصمة الإثيوبية عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني وعضو وفد إعلان الحرية والتغيير المفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي.
وكانت اجتماعات أديس أبابا بدأت الأسبوع الماضي بين وفدين من قوى الحرية والتغيير (تقود الاحتجاجات في السودان) والجبهة الثورية (تضم عددا من الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق).
وبعد أيام من بدء الاجتماعات توافقت أطرافها على مسودة لتحقيق السلام خلال الفترة الانتقالية؛ لتضمينها بالإعلان الدستوري المنتظر التوقيع عليه مع المجلس العسكري الانتقالي.
وقال المتحدث باسم الجبهة الثورية محمد زكريا فرج الله لـ"العين الإخبارية" السبت: "إن أطراف الاجتماعات في أديس أبابا عقدت اجتماعين منفصلين أحدهما مع عمر الدقير والآخر مع الوسيط الأفريقي".
فيما ذكر أن الوسيط الأفريقي حث جميع الأطراف خلال اجتماعه على أهمية الوصول إلى اتفاق يؤدي إلى تحقيق عملية السلام في السودان.
واعتبر زكريا انضمام أطراف جديدة إلى الاجتماعات دليل على حرص الجميع على الوصول إلى حلول للنقاط العالقة وإيجاد مقاربة جديدة تعالج التعقيدات التي تعترض إنجاز انتقال مدني كامل للسلطة.
رؤية السلام
وأكد أن الأطراف في أديس أبابا تتجه الآن نحو إدراج رؤية السلام في "الاتفاق السياسي" الذي تم توقيعه بالخرطوم مع المجلس العسكري يوم الأربعاء الماضي، قائلا: "إن الجبهة الثورية طلبت ضرورة تأجيل تشكيل هياكل السلطة الانتقالية لحين إبرام اتفاق حول السلام".
وأضاف أنه حتى يتم ذلك يمكن الاكتفاء بحكومة تصريف أعمال، لافتا إلى أن فترة شهرين كافية للتوصل إلى اتفاق حول السلام.
وأوضح أنه بعد تحقيق هذا الاتفاق يمكن تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي حتى لا يدخل طرف وتظل أطراف أخرى في الخارج ونعيد بذلك تجارب سالبة حدثت في فترات سابقة من تاريخ السودان.
وقال متحدث الجبهة الثورية: "إن قانونيين أشاروا إلى إمكانية فتح "الاتفاق السياسي" الموقع بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير لأجل إدراج رؤية السلام التي يتم التوصل إليها في اجتماعات أديس أبابا".
وشدد على أن تمسك الجبهة الثورية في إدراج ملاحظاتها ورؤاها في "الاتفاق السياسي" وليست "الإعلان الدستوري" كما يشير البعض.
وأوضح أن الاتفاق السياسي هو الأصل بينما الإعلان الدستوري مرسوم يشمل نصوصا قانونية يتم استنباطها من الاتفاق السياسي.
وكشف أن الأطراف السياسية تتشاور الآن في أديس أبابا حول كيفية التوافق على مقاربة جديدة من خلالها تدرج القضايا كافة في وثيقة اتفاق سياسي جديدة تتفق حولها جميع الأطراف وتوقع عليها بشكل كلي تعبر عن كل الكتل وتصبح ضربة البداية لتأسيس وضع ديمقراطي معافى.
مطالب مشتركة
بدوره يرى المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم أن التوصل إلى رؤية مشتركة حول تحقيق السلام مع المجتمعين في أديس أبابا أمر متوقع.
وقال عبدالعظيم لـ"العين الإخبارية" إن الحرية والتغيير والوسيطين الأفريقي والإثيوبي استفادوا من درس التوقيع على الاتفاق السياسي ما جعلهم حريصين على اصطحاب الحركات المسلحة والتوافق معها قبل التوقيع على وثيقة "الإعلان الدستوري".
وأوضح أن جلوس الوسيطين مع الحركات المسلحة احترام كبير لها واعتراف بخصوصيتها في المشهد السياسي وأهمية وجودها في الفترة الانتقالية، مضيفا "في حال تم الاتفاق معها وهذا ممكن إلى حد كبير سيسهم ذلك في استقرار الفترة الانتقالية".
وأكد شوقي أن ما يجعل فرص التوافق مع المسلحين كبيرة هو أن المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير يتحدثان بمطالب الحركات المسلحة نفسها المتمثلة في تحقيق السلام وبناء سودان بدون تمييز وتهميش؛ الأمر الذي يجعل الاتفاق سهلا لوحدة المطالب.
وتابع: "إضافة إلى أن الحركات المسلحة جميعها لم تكن بعيدة من الحراك الثوري منذ بدايته بل كانت لها مشاركات وظلت مطلعة على موقف الحرية والتغيير".
ملامح مستقبلية
وحول أهم ملامح مسودة السلام التي توصلت إليها الأطراف في أديس أبابا وتطلب إدراجها في الاتفاق السياسي، يقول متحدث الجبهة الثورية: "إن أبرز نقاطها تنحصر في افتتاح مجلس حقوق الإنسان مكتب له في الخرطوم لمراقبة الأوضاع الإنسانية".
إضافة إلى تحقيق السلام في دارفور وغيرها من المناطق ومعالجة تداعيات الحرب المتمثلة في "النازحين واللاجئين"، بجانب وضع ترتيبات أمنية لمعالجة جيوش الحركات المسلحة، فضلاً عن إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية بعد التوقيع على اتفاق السلام.
كما تضمنت المسودة موضوع إسقاط الأحكام التي أصدرها النظام البائد بحق قادة العمل المسلح، وأن يسمح لمكونات الجبهة الثورية بممارسة نشاطها بشكل فوري بالداخل فورا عقب اتفاق وقف العدائيات.
وفي هذا السياق، يقول الخبير والمحلل السياسي عبدالله آدم خاطر لـ"العين الإخبارية" إنه مهما كانت الاختلافات بين القوى السياسية والمدنية فهي اليوم أقرب إلى بعضها، وأن الفهم المشترك بينها هو أن مستقبل السلام أصبح في الديمقراطية والهوية السودانية المستقلة والمتنوعة وحسن إدارة التنوع.
وأوضح أن كثيرا من القضايا السودانية أصبحت محل خلاف ومن الممكن أن تتم معالجة أي منها عن طريق الحوار والتفاوض.
وأشار خاطر إلى أن الظروف مهيأة لتحقيق التوافق من واقع الضغط الشعبي على الأطراف بضرورة الاتفاق، بجانب أن المجتمع الدولي حريص على تحقيق السلام والاستقرار بالسودان لإدراكه بأهميته وخصوصيته في أفريقيا.
وأضاف "لكن أهم من الاتفاق نفسه إن كان "سياسيا أو دستوريا" هو أن تتمكن القيادات العسكرية من تحويل خبرتهم وتجاربهم إلى قيادة مدنية تتفوق على القيادات التقليدية التي لم تحسن الاستفادة ولم تدرك قيم الإدارة اللامركزية".