المناخ والمساواة.. تحدي جنوب أفريقيا الأكبر
باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في القارة الأفريقية، تواجه دولة جنوب أفريقيا معضلة دفع التحول في مجال الطاقة للحد من اعتمادها على الفحم والمساعدة في مكافحة تغير المناخ، والسعي لتجنب تفاقم عدم المساواة المرتفعة.
تداعيات تغير المناخ على جنوب أفريقيا
إن اعتماد جنوب أفريقيا على الفحم كمصدر أساسي للوقود لتوليد الكهرباء يجعلها واحدة من أكبر 15 مصدراً لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم. ويمثل قطاع الطاقة ما يقرب من 80% من إجمالي الانبعاثات، مع صناعات الطاقة (حوالي 60%) والنقل (حوالي 12%) كأعلى المصادر، فضلًا عن أنه يمثل نحو 100 ألف وظيفة. وبالتالي، لم يعد من الممكن إنكار أو تجاهل آثار تغير المناخ في جنوب أفريقيا الناجمة عن الزيادات المطردة في انبعاثات الكربون، وما صاحبها من ارتفاع في معدلات الاحترار السنوية في البلاد، بمقدار ضعف المتوسط العالمي (0.7 درجة مئوية)، وتزايدت درجات الحرارة القصوى والبرودة الشديدة وازدادت شدة موسمية هطول الأمطار. هذا، وانعكست تلك التداعيات على تناقص غلات المحاصيل الزراعية وارتفاع حصيلة خسائر الماشية، فضلًا عن زيادة معدلات انعدام الأمن الغذائي.
منذ عام 1980، وقعت 86 كارثة مرتبطة بالمناخ، أثرت على أكثر من 22 مليون شخص وكلفت خسائر تزيد على 113 مليار راند. وفي عام 2018، كادت كيب تاون أن تصبح أول مدينة كبرى في العالم تنفد منها المياه. وفي النصف الأول من عام 2021، شهدت جميع المحافظات فيضانات.
الانتقال العادل
إن الانتقال العادل من الفحم إلى مصادر الطاقة المتجددة في جنوب أفريقيا، يُعد بمثابة أمر ضروري للتخفيف من آثار تغير المناخ. لكن مع هذا التحول تظهر العديد من التحديات، لا سيما فقدان الوظائف في قطاع الفحم، وأمن الطاقة، والحاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية الجديدة، فضلًا عن تعقيد المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، والتي لها تأثير على المالية العامة، والميزان التجاري، والضرائب والاستقرار المالي، وكذلك على الحكم والحماية الاجتماعية والصحة العامة.
- تقرير أممي: الانبعاثات وصلت لأعلى مستوى بزيادة 1.2% عن 2022
- وزيرة النقل في جنوب أفريقيا: اجتماع «إيكاو» فرصة مثالية لمناقشة تداعيات قضايا التغير المناخي
أولويات حكومة جنوب أفريقيا المناخية
تشمل أولويات المناخ في جنوب أفريقيا التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره. وفي ضوء ذلك، فقد وافق مجلس وزراء جنوب أفريقيا على الإجراءات المناخية الرئيسة، بما في ذلك إنشاء لجنة المناخ الرئاسية، واستراتيجية جنوب أفريقيا للتنمية منخفضة الانبعاثات، والاستراتيجية الوطنية للتكيف مع تغير المناخ، وضريبة الكربون، وإطار انتقالي عادل.
وفي المساهمة المحددة وطنيا المحدثة، تضمنت أهم أهداف التكيف زيادة القدرات المؤسسية والحوكمة والأطر القانونية؛ وتطوير الأساس العلمي لتعزيز استعداد الحكومات الوطنية وحكومات المقاطعات للاستجابة؛ وحشد التمويل من أجل التكيف؛ وتنفيذ خطة التكيف الوطنية.
وقامت جنوب أفريقيا بتنقيح أهداف التخفيف الخاصة بها لعامي 2025 و2030، فأنشأت نطاقات مستهدفة ذات مستوى ثابت لكلا العامين. وكانت القطاعات الحاسمة التي تم تحديدها للتخفيف هي: الطاقة، والنفايات، والعمليات الصناعية واستخدام المنتجات، والزراعة، والغابات، واستخدامات الأراضي الأخرى.
وفي مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP26)، أعلنت حكومة الولايات المتحدة، بالتعاون مع المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، عن شراكة عادلة لانتقال الطاقة (JETP) مع جنوب أفريقيا. وتهدف الشراكة إلى دعم تحول الطاقة المتسارع في جنوب أفريقيا بعيدًا عن الفحم - لرسم مسار لاقتصاد منخفض الكربون يحقق الأهداف المناخية الوطنية. تعد هذه الشراكة سابقة عالمية ويمكن أن تصبح نموذجًا لدعم التحول العادل في جميع أنحاء العالم.
هذا، ويلتزم الإعلان السياسي لبرنامج JETP بتعبئة مبلغ أولي يبلغ حوالي 8.5 مليار دولار من الجهات المانحة الخمس على مدى 3-5 سنوات من خلال مجموعة من الأدوات المالية، بما في ذلك المنح الثنائية والمتعددة الأطراف، والقروض الميسرة، والضمانات، والاستثمارات الخاصة، والدعم الفني لتمكين البرنامج.
وفي سبتمبر/أيلول 2022، تلقت مبادرة الطاقة لأفريقيا التابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تمويلًا إضافيًا بقيمة 45 مليون دولار لدعم المشروع. سوف يتماشى دعم المنح مع احتياجات وأولويات جنوب أفريقيا، على النحو المبين في خطة الاستثمار JET، لدعم إزالة الكربون من قطاع الطاقة، وكذلك لدعم المجتمعات والعمال المتأثرين بالانتقال من الفحم إلى الطاقة المتجددة.
حشد كافة شرائح المجتمع
وبدون اتخاذ إجراءات للحد من تغير المناخ والتكيف معه، فإن تأثيره البيئي سيستمر في تضخيم أوجه عدم المساواة ويمكن أن يقوض التنمية والقضاء على الفقر. وفي حين يشير عدم المساواة إلى الاختلافات في الدخل أو الثروة عبر كامل نطاق التوزيع، فإن الفقر يتعلق بالأفراد الذين تقل أعمارهم عن عتبة دخل معينة، أو الذين يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى الاحتياجات الأساسية.
ومن خلال ضرب أشد الناس فقرًا، فإن تغير المناخ يهدد بزيادة التفاوتات الاقتصادية القائمة والتسبب في وقوع الناس في براثن الفقر. ويتطلب الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية الوصول إلى صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050 وخفض الانبعاثات العالمية بنحو 50% في عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2010.
إن الحد من الزيادة في درجة الحرارة إلى درجتين مئويتين يعني أنه يجب الوصول إلى صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2070، ويجب خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 25% بحلول عام 2030. كل جزء من الدرجة له أهمية لأن تأثيرات تغير المناخ تتزايد مع ارتفاع درجة الحرارة في العالم.
على سبيل المثال، في حين أن زيادة بمقدار 1.5 درجة مئوية من شأنها أن تعرض 245 مليون شخص لنقص جديد أو متفاقم في المياه، فإن هذا العدد يصبح 490 مليون عند +2 درجة مئوية.
إن الحاجة ملحة إلى سياسات تعمل على إحداث تحول سريع وعميق في الطريقة التي يستخدم بها العالم الطاقة والنقل، وينتج ويستهلك الغذاء، فضلا عن السلع الأخرى. والسؤال هو كيفية تصميم هذه السياسات.
وهذا يوضح الدور المحتمل للأوساط الأكاديمية في قيادة التحولات. بالإضافة إلى الأدوات والتحليلات التي تم إنتاجها، وفي هذا الصدّد، تؤكد مديرة الأبحاث في الوكالة الفرنسية للتنمية "هيلين جوفلكيت"، على أن 'عملية البحث مهمة للغاية، لأنها تساعد في بناء روابط الثقة'.
يعد هذا الحوار طويل الأمد بين الباحثين والجهات الفاعلة العامة عاملًا رئيسًا في تنوير صناع القرار حول خيارات السياسة العامة المتاحة لضمان الانتقال الناجح.
aXA6IDUyLjE1LjE4NS4xNDcg
جزيرة ام اند امز