قصر العدلي.. تاريخ أثري تحت القصف في دمشق
لم يشفع لقصر العدلي تاريخه الطويل الذي يعود للقرن السادس عشر وتعرض للقصف إثر عملية انتحارية.. تعرف على تاريخ هذا القصر.
لم تسلم المباني الأثرية فى دمشق مرة أخري من استهداف تاريخها الحضاري، فقد تعرض قصر العدلي الأثري في وسط دمشق الأربعاء للقصف، ولم يشفع له كونه أحد أقدم البنايات الإسلامية التي شيدت أثناء الحكم العثماني لبلاد الشام في بداية القرن السادس عشر عام 1516 م، ويعرف تاريخيا بأسماء مختلفة مثل "المشيرية العسكرية" و"دار السعادة".
القصف الذي تعرض له حدث بعد أن فجّر متشدد يرتدي حزاما ناسفا نفسه في محكمة القصر العدلي القديم قرب سوق الحمدانية بعد أن حاولت عناصر من الشرطة منعه من الدخول.
يقع قصر العدلي فى شارع النصر، وهو أول شارع رسمي تم شقه في دمشق وأخذ صبغة رسمية عندما تمت تسميته باسم والي الشام وقائد الجيش الرابع التركي" جمال باشا"، وقد تغير اسم الشارع فى عام 1919 م في عهد حكومة فيصل إلى شارع النصر لانتصار الثورة العربية على جمال باشا السفاح وعلى الحكومة التركية.
بني قصر العادلي أو" دار السعادة" ضمن محلة كانت تُدعى سابقاً بـ “محلة الأخصاصي أو سوق الأخصاصيين” وذلك نسبة للتجار الذين كانوا يبيعون الأخصاص والأقفاص، وتغير اسم المحلة إلى "الدرويشية" عند بناء جامع درويش باشا، وظلت هذه الدار قائمة في محلة الدرويشية إلى أن احترقت.
وفي بداية عام 1573 للميلاد تغير اسمه من دار السعادة إلى"سراي الحكومة"، وقد كان فعلياً داراً للحكومة كونه المقر الرسمي والفعلي لجلوس الوالي العثماني، فقد كان والي الشام العثماني "شعبان أحمد شمسي باشا" 1554م – 1561م أول من اتخذها مقراً لسلطته وممارسة صلاحياته، ثم الوالي عيسى باشا، وكذلك الوالي محمد باشا العظم، وأخيرا الوالي"حسن إبراهيم باشا" آخر الولاة العثمانيين الذين اتخذوا السراي مقراً لهم.
كما استقر بها إبراهيم باشا بن محمد علي عام 1831 عندما دخل قائداً للجيش المصري إلى بر الشام" حلب وبيروت ومتصرفية دير الزور والقدس الشريف، وولاية أضنة"، وبقي فيها 6 سنوات، وأطلق عليها اسم السرايا العسكرية، وعند انسحابه دمر قسمها الجنوبي "الحرملك"، وتركها تحترق كي لا تحصل الدولة العثمانية على معلومات عن الجيش المصري.
وفي عام 1898 أثناء زيارة الإمبراطور الألماني "ويليام الثاني" لدمشق مكث في الدار لمدة يومين لاستقبال قادة الوحدات والجيش العثماني التي وفدت للسلام عليه، وفي عام 1920 وبعد دخول جيش الانتداب والاحتلال الفرنسي لدمشق، صار القصر مقراً لدوائر المندوب السامي المفوض الفرنسي، وسمي "المندوبية" نسبة إلى دار الانتداب، وعام 1929 في قسم منها دوائر النفوس الشامية، بالإضافة إلى دائرة الأمن العام والجوازات.
يتكون قصر العادلي ذا الطراز الإسلامي من ثلاث واجهات، وبنيت الواجهة الرئيسية على طراز القصور الفخمة على شكل محراب، كما يحتوي القصر على نوافذ قوسية مدببة مبنية على أعمدة ومعشقة بخشبيات زجاجية ملونة جميلة، بالإضافة إلى مقرنصات إسلامية بسطح المدخل الرئيسي.
تم تجديد القصر مرات كثيرة، بعد انسحاب الجيش المصري قامت الدولة العثمانية بإعادة بناء الأجزاء المتهدمة من القصر، وبعض البيوت العربية القديمة الملاصق له من الناحيتين الغربية والجنوبية، وزرعت الحدائق حول المبنى الذي أصبح مؤلفا من طابقين بأجمل الأشجار، خصوصاً من الواجهتين الشمالية والجنوبية، وقامت بفتح بوابة كبيرة للقصر من الناحية الشمالية.
في أواخر القرن التاسع عشر أعيد تجديد القصر مرة أخرى وجُعل الطابق الأرضي على شكل أقواس متتالية عالية الارتفاع لسهولة دخول وخروج عربات النقل التي تجرها الخيول، أما الطابق العلوي فأصبح مكاتب لموظفي الحكومة وضباط الجيش، وتم تعديل فتحات نوافذ هذه المكاتب لتصبح على طرز هندسة الأبنية العثمانية، وجعل سقفه من القرميد الأحمر.
وفي عام 1945 عندما احترقت المندوبية من الناحية الغربية، وقد تأثر القصر بالنيران التى طالت معظم غرفه وجدرانه، وأصبح آيلا للسقوط، تم هدم المبنى فعلا، وقامت حكومة الرئيس شكري القوتلي بتشييد مبنى جديد في جزء من أرضه الواسعة، ونُقلت إليه جميع دوائر العدل الشرعية والمدنية.