لجأ أردوغان إلى الطلب سراً من قيادات حزبه في ذلك التسجيل المسرب، مراجعة كشوف الناخبين الأكراد في جنوب وشرق تركيا
قبل أقل من أسبوع من موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا، يبدو الرئيس رجب طيب أردوغان قلقاً وغير مرتاح لسير العملية الانتخابية، خصوصاً فيما يتعلق بالنتائج المحتملة لانتخابات البرلمان، فالرئيس أردوغان يظهر في صورة المطمئن للفوز في الانتخابات الرئاسية حتى لو اضطر لخوض جولة ثانية ضد أحد منافسيه من المعارضة.
استطلاعات الرأي ما زالت تشير إلى أن الاحتكام لجولة انتخابات رئاسية ثانية هو الغالب- لكنه لا يخفي قلقه من نتائج الانتخابات البرلمانية واحتمال أن يكون رئيساً لبرلمان تسيطر عليه المعارضة.
من هنا يمكن فهم حديث أردوغان الذي ظهر في التسريب المصور له مع قياديين في الحزب؛ حيث طلب منهم استخدام "جميع الوسائل" من أجل منع حصول حزب الشعوب الديمقراطية الكردي على نسبة العشرة بالمئة التي تخوله لدخول البرلمان، حيث اعترف أردوغان في هذا الحديث الذي طلب من قياديي حزبه عدم خروجه إلى العلن، أن المؤشرات ترجح دخول الأكراد البرلمان وأن هذا الامر يعني خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم الغالبية التي يحظى بها في مقاعده.
في حال خسارة أردوغان الغالبية في البرلمان، وخسارة بلديات مهمة في الانتخابات القادمة، فإنه لن يستطيع أن يحكم في الرئاسة – في حال فوزه بها – ويحقق حلمه بحكم جميع مؤسسات تركيا دون وجود معارضة قوية على الأرض.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه في حال نجح الأكراد في تأمين نسبة العشرة بالمئة من الأصوات ودخلوا البرلمان، فإن أحزاب المعارضة ستحصد نحو 320-330 مقعداً من أصل 600 مقعد.
كما أن أردوغان لا يأمن جانب حليفه القومي دولت باهشلي بعد الانتخابات، الذي قد ينقلب ضده بعد حصوله على مراده وهو دخول البرلمان ولو بأربعين نائباً، وفي حال انقلب عليه دولت باشهلي فإن عدد نواب المعارضة سيرتفع إلى نحو 370 ما يشكل كابوساً لأردوغان حتى لو فاز بالرئاسة.
صحيح أن النظام الرئاسي الجديد الذي سيبدأ العمل به بعد هذه الانتخابات يحيد دور البرلمان ويقلص من صلاحياته لصالح صلاحيات أكبر للرئيس، لكن سيطرة المعارضين على نحو ثلثي مقاعد البرلمان سيعرقل مشاريع أردوغان السياسية بالسيطرة الكاملة على جميع مؤسسات الدولة، كما أن هذا الانتصار السياسي للمعارضة سيدفعها للعمل بشكل أقوى في الانتخابات البلدية القادمة في مارس 2019،.
وقد أشارت نتائج الانتخابات السابقة ونتيجة الاستفتاء على الدستور الجديد العام الماضي، إلى تراجع شعبية الحزب الحاكم في أهم قلاعه الانتخابية في إسطنبول وأنقرة، ما يهدد بخسارته الانتخابات البلدية مستقبلاً في هاتين المدينتين المهمتين، وعليه فإنه في حال خسارة أردوغان الغالبية في البرلمان، وخسارة بلديات مهمة في الانتخابات القادمة، فإنه لن يستطيع أن يحكم في الرئاسة – في حال فوزه بها – ويحقق حلمه بحكم جميع مؤسسات تركيا دون وجود معارضة قوية على الأرض.
لذا لجأ أردوغان إلى الطلب سراً من قيادات حزبه في ذلك التسجيل المسرب، مراجعة كشوف الناخبين الأكراد في جنوب وشرق تركيا والضغط عليهم بأساليب متنوعة، فالهدف الرئيسي الآن لأردوغان هو منع أكبر نسبة من الناخبين الأكراد من الوصول إلى صناديق الاقتراع والتصويت لحزب الشعوب الديمقراطية الكردي.
من هنا أيضاً يمكن فهم حادثة العنف التي وقعت في مدينة سروج بمحافظة أورفا الأسبوع الماضي، بعد يومين فقط من حديث أردوغان المسرب، عندما ذهب نائب من الحزب الحاكم لزيارة سوق شعبي معروف بولائه القوي للحزب الكردي، وهي الزيارة الثانية له خلال ثلاثة أيام، حيث دخل في سجال قوي مجدداً مع تجار السوق وبشكل مستفز، حيث اتهمهم بدعم "الإرهاب" لأنهم لا يريدون التصويت له ولحزبه في الانتخابات، ويبدو أن النية كانت مبيته لافتعال عنف، حيث اصطحب هذا المرشح أخاه الذي يعمل حارساً شخصياً معه وهو مسلح بمسدس آلي، حيث تحول السجال إلى عراك انتهى بفتح الحارس النار على التجار فقتل اثنين وأصاب تسعة آخرين، فيما تجمهر التجار على المسلح وقتلوه بعد ذلك، ولم ينتهِ العنف عند هذ الحد، إذ هاجمت مجموعة من "الشبيحة" التابعين لذلك المرشح المستشفى الذي نقل إليه المصابون، وحاولوا قتل الجرحى هناك دون أي تدخل من قوى الأمن.
وفيما دعا زعماء المعارضة بعد الحادثة الجميع إلى ضبط النفس وعدم الانجرار وراء "الاستفزازات لإثارة العنف"، فإن الرئيس أردوغان ووزير الداخلية سليمان صويلو استمرا في إطلاق التصريحات المستفزة حول الحادث متهمين التجار في تلك السوق بالإرهاب، وأنهم ينتمون إلى حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا.
لا يمكن النظر إلى ما حدث على أنه صدفة عابرة، فهذه الحادثة تحمل رسائل قوية ومباشرة إلى الناخبين الأكراد بأنهم قد يلقون نفس مصير هؤلاء القتلى والجرحى إن هم ذهبوا لانتخاب الحزب الكردي، ومع سيطرة قوى الأمن التابعة لوزير الداخلية على مراكز الاقتراع في جنوب شرق تركيا، والانحياز الواضح لوزير الداخلية لدعم "شبيحة" الحزب الحاكم، فإن جوا من الخوف سينتاب كثيراً من الناخبين الأكراد يوم الانتخابات.
في هذا الإطار أيضاً، أعلن أردوغان عن بدء عملية عسكرية ضد معاقل حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل شمال العراق، وهي عملية محدودة حالياً بقصف جوي لتلك المواقع، لكنها قد تتحول إلى عملية برية في أي وقت، وتقول المعارضة إن الهدف من توقيت هذه العملية هو من أجل شحذ الناخب القومي للتصويت لأردوغان وتحالفه مع القوميين في هذه الانتخابات.
هنا تدخل إيران على الخط، حيث نشر موقع روداو الكردي العراقي أنباء عن استعداد حزب العمال الكردستاني شن هجمات انتقامية على الجيش التركي في عفرين ومناق درع الفرات في شمال سوريا، من خلال ذراعه السوري ميليشيا قوات الدفاع الكردية السورية. ومن المعلوم دعم طهران لحزب العمال الكردستاني من خلال التواصل مع قائد جناحه العسكري جميل بايك الذي يقيم على الأراضي الإيرانية حالياً، وقد أعلنت طهران رفضها للعمليات التركية في شمال العراق، ويبدو أنها تدفع الحزب الكردي لشن هجمات انتقامية في شمال سوريا ضد الجيش التركي هناك، وهو أمر يخدم مصالح طهران في شقين، الأول هو إزعاج أنقرة وقواتها في شمال سوريا، إذ طالما اعتبرت طهران وجود الجيش التركي في سوريا تهديداً لسيطرتها على دمشق وطالبت مراراً بخروج القوات التركية. الشق الثاني هو أن اتساع نطاق القتال بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني من قنديل إلى عفرين وشمال سوريا، سيخدم حملة الرئيس أردوغان الانتخابية، فطهران تتمتع بعلاقات ممتازة مع الرئيس أردوغان الذي أعلن رفضه للمشاركة في العقوبات الأميركية على طهران ودعمه لاستمرار الاتفاق النووي.
الصوت الكردي سيكون حاسماً في هذه الانتخابات، وقد صرحت قيادات من حزب الشعوب الديمقراطية الكردي بأنهم سيؤيدون أي مرشح سيخوض الجولة الانتخابية الثانية في سباق الرئاسة ضد أردوغان، كما أن دخولهم البرلمان في الانتخابات البرلمانية سيشكل كابوساً كما شرحنا في بداية المقال لخطط الرئيس أردوغان المستقبلية، وعليه فإن العيون ستبقى شاخصة إلى صناديق الاقتراع في مناطق جنوب وشرق تركيا حيث الغالبية الكردية، وحيث يبدو مفتاح الانتخابات القادمة هناك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة