الولاء للوطن له درجة نجاح واحدة فقط هي 100% وما دون ذلك فإن الرسوب هو نتيجة كل مَن ينقص ولاؤه للوطن أو تتزعزع ثقته به.
تمر على المرء لحظات عصيبة يصبح فيها الحليم حيران.. والهادئ متشتتا.. وذلك من هول ما يراه هذه الأيام من فتن (متتاليات).. وكوارث (متعاقبات)... ودسائس تُدار هنا وهناك..
وتزداد حيرة المرء أكثر.. ويتشتت ذهنه أكثر وأكثر.. عندما يكون (سبب) هذه الأهوال والفتن والكوارث من بني جلدتنا.. ويتكلمون بلغتنا.. ويصلّون معنا.. ويصومون معنا.. هم مَن تشاركنا معهم (الضحكات) و(الآهات).. هم من تخالطت دماؤنا بدمائهم نسبا وصهرا.
إن الولاء للوطن له درجة نجاح واحدة فقط هي 100% وما دون ذلك فإن الرسوب هو نتيجة كل مَن ينقص ولاؤه للوطن أو تتزعزع ثقته به
لكن قدر الله وما شاء فعل.. حيث إن بعضهم (شذّ) عن طريق الحق في (الدنيا).. ونأمل في ألا (يُشذّ) في نار جهنم يوم القيامة.
والذي يدعونا مرارا وتكرارا إلى الكتابة حول موضوع فتن الزمان هو (حالة الإحباط) التي يعيشها المرء جراء ما يرى من أحداث وفتن متتاليات.
والمرء في هذه الأهوال والفتن أمام خيارين لا ثالث لهما (إما أن ينجر وراء هذه الفتن والأهواء فيكون قد أضاع دينه ودنياه بدين غيره ودنيا غيره.. وإما أن يتمسك بالحق والثبات في مواجهة هذه الفتن والأهواء فيكون بذلك قد عصم نفسه وماله وأهله ووطنه بإذن الله تعالى من هذه الفتن).
وقديما قِيل (إن الفتنة إذا أقبلت يراها الحكيم.. وإذا أدبرت رآها كل أحد).
ولهذا فإن (الحكيم) مَن يتعظ بغيره، ويستفيد من تجارب الزمان، ويلتزم جماعة الناس وجماعة المسلمين وعامتهم، والذي نعني به هنا بـ(جماعة الناس وعامتهم) هو الدولة والحكومة والشرعية وولي الأمر الشرعي والذي هو (رئيس الدولة).
ولعل أهم عنصر من عناصر (الثبات) في مواجهة الأزمات والفتن هو عنصر (تحقيق المواطنة الحقّة والولاء التام غير المشروط للوطن).
وفِي سياق هذا المقال ما يوضح ذلك، حيث إن الفتن التي تمر بأمتنا العربية وخليجنا العربي الغالي جعلت الكثير يتكلم ويغرد شرقا وغربا، وأصبح البعض منا مثل (حاطب ليل) فلا أرض قطع ولا ظهر أبقى.
وعندما نقول إن مواقف الوطنية والولاء إنما تكون مع الوطن في جميع الأحوال وبدون (شروط مسبقة) وبدون (انتظار مقابل) فإننا نعني بذلك تحقيق (درجة الولاء الكامل للوطن، وأن أي اهتزاز أو نقص في الولاء للوطن مهما كان صغيرا ومجهولا فهو كعدم الولاء للوطن).
ولهذا السبب فإن الولاء للوطن له درجة نجاح واحدة فقط هي 100% وما دون ذلك فإن الرسوب هو نتيجة كل مَن ينقص ولاؤه للوطن أو تتزعزع ثقته به.
وفي هذا الشأن فإننا نريد أن نوضح الفرق بين ثلاثة أمور؛ هي (حب الوطن)، ثم (الانتماء للوطن)، ثم (الولاء للوطن).
(فحب الوطن) شيء فطري وجبلي (يتحكم فيه القلب ولا يملك العقل فيه قرارا)، مثل أن تتحرك مشاعر المرء وأحاسيسه بمجرد أن يرى علم بلده أو سماعه السلام الوطني، أو يرى زعيم بلده أو يشاهد إنجازا لبلده، وهذا بلا شك شأن كل البشر والأجناس في مشارق الأرض ومغاربها، ويكفي ما نشاهده من المشاهير العالميين حتى يتم عزف السلام الوطني لدولهم كيف أن عيونهم تذرف الدموع تأثرا بحبهم لأوطانهم.
ولكن العجب كل العجب من تلك القلوب المتحجرة من أصحاب (الفكر المنحرف) عندما لا يتحرك لهم جفن ولا تهتز لهم مشاعر تجاه أوطانهم، وهم ممن أوصاهم دينهم بحب أوطانهم.
ثم (الانتماء للوطن) وهذا (يتحكم فيه العقل)، وهو يترجم فيه إلى الشعور بالافتخار إلى الوطن، ويترجم إلى سلوك إيجابي، مثل الالتزام بقوانين الوطن وأنظمته، والحفاظ على مكتسباته، والسعي نحو رفع شأنه، والتضحية من أجله بالغالي والنفيس، وخير مثال على ذلك ما يقدمه أبناء الوطن من تضحيات بأرواحهم الطاهرة في سبيل الوطن طاعة لله ورسوله وولاة أمورهم، ونفخر بشهداء الإمارات الأبرار الذين ترجموا انتماءهم للوطن عمليا.
ثم (الولاء للوطن) وهذا (يحكمه الضمير) من خلال صدق التعامل مع الوطن ومع ما يقدمه لأبنائه، وعدم تحميل الوطن ما لا يحتمل من ظلم وتجنٍ، وفي هذا نذكر أصحاب هذا الفكر المنحرف بالآية القرآنية "وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"، فالإنصاف مع الوطن وللوطن مطلوب.
وحقيقة، نعجب كل العجب عندما ندقق في سلوك أصحاب الفكر المنحرف فإننا نرى انعدام النقاط الثلاث السابقة التي ذكرت (حب الوطن والانتماء للوطن والولاء للوطن) حيث تم تحويل وتسخير مشاعرهم وأحاسيسهم وعقولهم إلى (قادة الفكر المنحرف)، وهم بهذا يخالفون أصلا أساسيا من أصول المواطنة والولاء للوطن.
وأعظم صور الولاء والانتماء للوطن هو (الالتفاف الكامل وغير المشروط) حول قيادة الوطن، (والثبات ثم الثبات ثم الثبات) حول القيادة والثقة الكاملة بحكمتها في إدارة الأمور والأزمات والعواصف التي تحيط بها، وعدم الانصياع وراء أصحاب الفتن والأهواء ومثيري الفتن والقلاقل ممن يسعون في الأرض فسادا.
وهنا نؤكد مراراً وتكراراً أن (الولاء للوطن) إنما يكون بالإثبات العملي لذلك، ومن صور الإثبات العملي للولاء هو الالتفاف الكامل حول قيادة الوطن دون شرط أو قيد أو دون ارتباط بمنعٍ أو بمنحٍ بمعنى أن الولاء للوطن يجب أن يكون (ثابتا) طوال الوقت سواء تم (منح) المرء بعض الحقوق والامتيازات أو تم (منع) بعض الحقوق والامتيازات عنه.
ونعتقد أنه في ظل الأزمات الحالية والفتن فإننا (أحوج) ما نكون إلى الوطن وعلينا واجب شرعي وأخلاقي وقيمي بأن نقف خلف قيادتنا ومع أوطاننا وقفة شرف وعز ورجولة.
وأخيرا.. نقول كما يقول د. حمد الحمادي مؤلف رواية (ريتاج)..
ويبقى الوطن (يساراً) جهة القلب.
حفظ الله الوطن في (يسار) صدورنا وجميع كياننا ووجداننا وفي كل ذرة من أحاسيسنا ومشاعرنا.
طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة