مصر تقترب حثيثاً من معدل النمو ٧.٥٪، الذي كان يريده الرئيس عبدالفتاح السيسي حتى تخرج من عنق الزجاجة.
قال الرئيس السيسي، في أكثر من خطاب، إن مصر سوف تكون «حاجة تانية»، «دولة أخرى من نوع آخر»، في ٣٠/٦/٢٠٢٠. لا بد أن هذا القول قد أثار خيال الكثيرين حول حال مصر بعد أقل من عامين من الآن.
لم يذكر الرئيس تفاصيل لما سوف يحدث، بل على العكس، فإنه فصل في الأعباء الواقعة على الشعب المصري، ومن ناحية أخرى، فإنه طالب «المصريين» أولاً بأن يتسلحوا «بالوعي»، وثانياً أن يعملوا كما لم يعملوا من قبل، وأن عليهم بالكثير من الصبر.
مصر إذن تقترب حثيثاً من معدل النمو 7.5٪، الذي كان يريده الرئيس حتى تخرج من عنق الزجاجة، وحتى يكون النمو الاقتصادي قادراً على تجاوز الزيادة السكانية، هناك أمور أخرى تضاف إلى ذلك، منها ما تحقق بالفعل، وهو الاكتفاء الذاتي من الغاز، ومن المنتظر أن يبدأ التصدير في العام المقبل
مثل هذه الدعوات ليست جديدة على الرئيس، فمنذ حملته الانتخابية عام ٢٠١٤، وهو يعطي قدراً كبيراً من الاهتمام لمركزية العمل الشاق في حياة المصريين، للخروج من حالة الدول النامية إلى حالة الدول المتقدمة. الجديد هو أن الرئيس مع ذلك كله، بدأ يلقي بأمل، يبدو وكأنه يبشر بشروق شمس ليست بعيدة، ولكن بعد قرابة عشرين شهراً من الآن.
وفي يوم من الأيام، قال أحد السياسيين البريطانيين إن مئة وخمسين عاماً من الإمبراطورية البريطانية، لا تزيد على أن تكون ومضة عين؛ فكيف يكون الحال بهذا القدر من الشهور في حياة المصريين، والآلاف من السنوات التي عاشوها في تاريخهم الطويل.
بداية، لا يوجد لدي أي معلومات مباشرة عما هو مقصود بهذا التاريخ المحدد بمثل هذه الدقة؛ بل إنه توجد أسباب تعرف جيداً الصعوبات التي تواجهنا، وتجعل مثل هذا الحلم بعيد المنال.
الرئيس السيسي نفسه أعطى مثلاً يوضح الأمور، فالثابت أن الحكومة المصرية بَنت خططها خلال العام الحالي، على أن سعر برميل النفط سوف يكون ٦٨ دولاراً، وكان هذا التقدير معقولاً للغاية في بداية العام، حيث كان السعر ٤٠ دولاراً.
ما حدث فعلاً أن سعر البرميل ارتفع فجأة حتى وصل إلى ٨٦ دولاراً، وهو ما كلّف مصر الكثير، سواء فيما تعلق بالدعم أو تكلفة الطاقة التي تستهلكها البلاد في عمومها. المفاجآت إذن ليست مستبعدة، والعلاقات والسوق الدولية ذاخرة بالكثير من التقلبات.
ومع ذلك، فإن هناك الكثير فعلا مما يبشر بالخير، فمعدل النمو المصري في نهاية السنة المالية المنصرمة كان ٥.٣٪، والبنك الدولي يؤكد أن مصر بسبيلها إلى تحقيق ٥.٥٪ في العام المالي الحالي، وسوف تقترب من ٦٪ مع العام الذي يليه.
مصر إذن تقترب حثيثاً من معدل النمو ٧.٥٪، الذي كان يريده الرئيس حتى تخرج من عنق الزجاجة، وحتى يكون النمو الاقتصادي قادراً على تجاوز الزيادة السكانية.
هناك أمور أخرى تضاف إلى ذلك، منها ما تحقق بالفعل، وهو الاكتفاء الذاتي من الغاز، ومن المنتظر أن يبدأ التصدير في العام المقبل، وإذا كان التفاؤل كاملاً، فإن حقل «نور» سوف يدخل الإنتاج هو الآخر قبل نهاية العقد، والوصول إلى موعد الأمل المعقود.
اكتشافات الغاز والنفط ونتائجها التي سوف توفر لمصر عملات صعبة من المرور عبر الأنابيب، وتسييل الغاز القادم من دول أخرى، وتصديره إلى أوروبا، إذا ما أضيف إلى قفزة كبيرة في السياحة، ربما تجعلنا قادرين لأول مرة على الحديث أنه عندما يحل الموعد ٣٠/٦/٢٠٢٠، فإن كثيراً من الأمراض الاقتصادية الحالية من عجز الموازنة العامة إلى العجز في الميزان التجاري إلى ضعف العملة المصرية، كل ذلك سوف ينتهي أو يقترب من نهايته، وينعكس ذلك على حالة المواطنين.
هل من الممكن أن يتحقق ذلك خلال عامين؟ الأمر يحتاج إلى خبرة أكثر مما لدي في عالم الاقتصاد، والمدى الذي يمكن لكل ذلك أن يحققه في خفض التضخم، الذي هو البلاء الحالي لدى المصريين.
ولكن الاقتراب من الهدف المأمول، لا بد أن يظل عالقاً، بشرط قدمه الرئيس، وهو مشاركة المصريين في تحقيق ما يريدون تحقيقه، فصحيح أنه من الوارد أنه لدى الرئيس معلومات عن اكتشافات إضافية من الغاز أو النفط، أو أن عمليات البحث عن المعادن في المثلث الذهبي، أو في المناطق الواقعة على البحر الأحمر في بره وبحره، يمكنها أن تقدم معجزة من المعجزات.
ولكن المعجزة الحقيقية سوف تظل هي تعبئة وحشد موارد الثروة المصرية التي توجد في المصانع المتعثرة، وفي رأس المال الميت الموجود لدى الكثير من المؤسسات العامة، وربما حدوث طفرة جديدة في طرق الزراعة، كما حدث في مناطق كثيرة من العالم، تجعل مصر مكتفية ذاتياً في محاصيل بعينها، تشكّل عبئاً على الخزانة العامة.
خلال عامين أيضاً، فإن كثيراً من المشروعات العملاقة من طرق وسحارات وتعمير في الساحل الشمالي وسيناء، سوف يبدأ عائدها يعود على مصر.
من الناحية الجغرافية والديموغرافية، سوف تكون مصر في حالة أخرى غير حالتها الراهنة، وعلينا ملاحظة أنه حدث بالفعل الآن، وفي بعض المناطق البعيدة (العلمين على سبيل المثال)، فإنه بات ممكناً الوصول إليها خلال ساعتين من القاهرة، بدلاً من خمس ساعات في السابق.
السؤال هو: وماذا سوف نفعل بالزمن الذي انخفض إلى النصف أو أكثر؟
كل ذلك يعني إمكانية حدوث طفرة كبيرة في الحالة المصرية، إذا ما شارك المصريون، كل في مجاله وفي منطقته وإقليمه، في عملية التنمية، وكان الجميع قابلاً لاتخاذ، ليس فقط قرارات صعبة، وإنما أيضاً قرارات فوق الصعبة.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة