تعليم الأفغانيات بعهد طالبان.. مدارس سرية بالمنازل ومخابئ تحت الأرض
في حي سكني هادئ، دخلت مراهقات يحملن حقائب مدرسية بوابة خضراء كبيرة، يرتدين الزي التقليدي ووجوهن مغطاة.
والمنزل لم يكن سوى مدرسة سرية للفتيات الأفغانيات اللواتي حرمتهن حركة طالبان من التعليم.
وفي حال داهم عناصر طالبان المنزل، ستخرج الفتيات المصاحف وتتظاهر بأنهن في مدرسة دينية، حيث لا يزال حكام البلاد الجدد يسمحون للفتيات بالالتحاق بهذا النوع من المدارس، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".
وتقول مارينا، 16 سنة، الطالبة في الصف العاشر: "عناصر طالبان تطوف في هذه المنطقة. لذا، فأنا أحمل دائمًا القرآن في يدي، أما كتبي الأخرى فأخفيها في حقيبتي".
رغم مرور أكثر من عام على استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان، لا تزال ترفض السماح للفتيات بالالتحاق بالمدارس الثانوية، من الصف السابع حتى الصف الثاني عشر، وهو ما أثار غضبًا عالميًا واحتجاجات واسعة النطاق من قبل النساء الأفغانيات.
لكن هذا المنع دفع البعض لإنشاء مدارس تحت الأرض للفتيات في العاصمة ومدن أفغانية أخرى، مخفية في المنازل والشقق السكنية، على الرغم من التهديد الذي تواجه الطالبات والمعلمات.
ووفق الصحيفة فإنه "بالنسبة للفتيات وعائلاتهن، فإن الأمر يستحق المخاطرة".
وتقول أنجيلا، 16 عامًا، طالبة بالصف العاشر، إنه: "لا يهم إذا علمت طالبان بهذه المدرسة. التعليم هو حقي الأساسي. لا أحد يستطيع أن ينتزع ذلك مني" .
قام صحفيو "واشنطن بوست" بعدة زيارات الشهر الماضي إلى مدرسة سرية في كابول حيث تتلقى 25 فتاة التعليم في مواضيع مختلفة لمدة ساعتين تقريبًا في اليوم الواحد.
فعندما استولت طالبان على السلطة في المرة الأولى عام 1996، أغلقت مدارس الفتيات، وجرى إنشاء مدارس تحت الأرض لملء الفراغ.
وكشفت قضية التعليم انقسامات بين قادة طالبان وعلماء الدين. ففي بعض المناطق، سمح مسؤولو طالبان المحليون للفتيات فوق الصف السادس بالذهاب إلى المدرسة، انصياعا لضغوط قادة المجتمع.
وفي الشهر الماضي، وجه نائب وزير خارجية طالبان، شير محمد عباس ستانيكزاي، نداءً عامًا نادرًا طالب فيه بإعادة فتح جميع المدارس الثانوية للفتيات، مضيفًا أن "التأخير يزيد الفجوة بين [الحكومة] والأمة".
وقال ستانيكزاي في خطاب متلفز: "التعليم إلزامي لكل من الرجال والنساء دون أي تمييز. لا أحد يستطيع أن يقدم تبريرًا على أساس الشريعة لمعارضة ذلك".
لكن القادة المحافظين المتشددين الذين يشكلون العمود الفقري للحركة ما زالوا معارضين.
وفرضت طالبان قيودًا أخرى، بينها إلزام النساء بارتداء الحجاب. وقامت بتعيين رجل دين محافظ وزيراً للتربية.
ووضعت الحكومات الغربية عدة شروط تختص بحقوق المرأة أمام حركة طالبان للوصول إلى 7 مليارات دولار من الاحتياطيات الأجنبية المجمدة من قبل المجتمع الدولي.
ويؤكد عبد الحق حماد، أحد كبار مسؤولي طالبان في وزارة الإعلام والثقافة، أن "90% من أعضاء طالبان يعارضون إغلاق المدارس"، لكن إقناع الـ 10 % المتبقية عملية حساسة، وفق تعبيره.
وقبل خمسة أشهر، دشنت سيدة تدعى عائشة مجموعة من 45 مدرسة تحت الأرض حول العاصمة، قائلة: "لا ينبغي أن تعتمد المرأة على الرجل. التعليم هو السبيل الوحيد لتجاوز صعوباتنا".
لكن في غضون شهر، تضاءلت أموالها. وأغلقت العديد من المدارس. وتم إغلاق الآخرين بسبب الخوف. ولا تزال 10 منها فقط نشطة حتى اليوم، وتسعى عائشة للعثور على متبرعين لدعمهم، حيث تنتمي الفتيات في مدارسها إلى أسر فقيرة. ومع انهيار الاقتصاد الأفغاني، لا تستطيع معظم هذه الفتيات من دفع الرسوم الدراسية أو حتى شراء الكتب المدرسية.
والأسوأ من ذلك أنها تخشى من مداهمة طالبان لهذه المدارس.
وقالت لـ" واشنطن بوست" إن وكالة استخبارات طالبان استدعتها ثلاث مرات، ما أجبرها على الاختباء.
وأضافت وهي تبدو مصممة: "لا أريد إغلاق هذه المدارس، سوف نستمر."
وأشارت الصحيفة إلى أن أكثر من 45% من الفتيات الأفغانيات لا يلتحقن بالدراسة، مقارنة بـ 20 % من الأولاد، وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن منظمة أنقذوا الأطفال.
وقال التقرير إن 26% من الفتيات تظهر عليهن علامات الاكتئاب، مقارنة بـ 16 % من الأولاد.
قبل ثلاثة أشهر، أوقفت عائشة الدراسة لمدة 25 يومًا بعد أن ألقت طالبان القبض على معلمة تعمل في مدرسة أخرى تحت الأرض. ولذا طلبت عائشة من الفتيات حمل المصاحف بشكل دائم حتى لا تعتقلهن عناصر طالبان.
وتقول مارينا، التي كانت ترتدي ثوبًا أرجوانيًا تقليديًا وحجابًا أسود، إنها تحضر المدرسة "لاكتساب الشجاعة"، حيث تريد أن تصبح طيارة لشركة كام إير، وهي شركة طيران أفغانية، لأنه "يوجد تمثيل ضئيل جدًا للمرأة في قطاع الطيران."