كابول.. "جنة" أفغانستان التائهة بين الجبال والحروب
كانت توصف بـ"الجنة" الرابضة بين جبال أفغانستان قبل أن يشوهها تعاقب الحروب وتحولها إلى ركن ضائع في متاهة اضطرابات لم تضع وزرها منذ عقود.
كابول، عاصمة أفغانستان التي تقف اليوم على بعد عشرات الكيلومترات فقط من حركة طالبان الزاحفة نحوها عقب سيطرتها على عدد متزايد من الولايات خلال الساعات الماضية، وسط دعوات لوقف القتال.
مدينة تائهة بين سيناريوهات متشابهة لا تختلف إلا في إحداثياتها الزمنية، تنتظر تكرار ما حدث العام 1996 حين سيطرت عليها الحركة، لتدخل البلاد مرحلة حكم جديد قبل استبعادها من السلطة في 2001.
وما بين كل تلك التواريخ، تفقد كابول سحرها وثقافتها اللتين اشتهرت بهما وجعلاها قبلة في أفغانستان، البلد الذي كان فيما مضى مركزا لحضارة وازدهار وضعاه بمرمى أطماع الغزاة على مر العصور.
زحف "طالبان"
وبات التقدم العسكري لطالبان أمرا واقعا، فالحركة أصبحت على مشارف كابول، العاصمة التي ستمنح، في حال سقوطها، مفاتيح الحكم للحركة وتدخل البلاد برمتها مرحلة جديدة تسودها ضبابية ناجمة عن عدم وضوح المواقف الدولية مما يحصل بهذا البلد.
ومهما يكن من أمر، فالمؤكد أن كابول التي لم تتعاف على مر نحو 25 عاما من ندوب الماضي، لا تزال مدينة حزينة تشي أطلال بعض مبانيها المدمرة على جوانب الطرقات بمعاناتها.
كما أن ملامح الخراب التي لا تزال مخيمة على الجدران المشيدة من الطوب الطيني في المدينة القديمة التاريخية تستعرض بلا كلمات حجم الألم الذي كابدته.
فمنذ سنوات، اختفى السجاد الذي كان يعج به شارع "الدجاج" بالمدنية، فلقد هاجر النساجون إلى باكستان المجاورة هربا من الموت قبل سنوات، وتركوا الشارع والمدينة بلا ألوان السجاد التي كانت تحاول بث بعض البهجة على طول الشارع المزدحم.
كانت كابول ذات يوم مركزا تجاريا مزدهرا، ومكانا للتعلم والتسامح، وكانت شهيرة بحدائقها الجميلة وشوارعها المكتظة بالمشاة، وكان الأفغان يرحبون بالغرباء ويلقون عليهم التحية مبتسمين، لكن كل ذلك تغير بشكل جذري في نتاج بديهي لحكم طالبان وتغير الخارطة السياسية والديموغرافية بفرار الناس بحثا عن ملجأ آمن خارج البلاد.
ومع وقوف طالبان اليوم على مشارفها، تستعد كابول لسيناريو قد يكون أسوأ مما خبرته في تسعينيات القرن الماضي، فالحركة قد تحكم قبضتها عليها هذه المرة وفي جعبتها نزعة انتقامية أكبر سليلة الوجود الأمريكي طويل الأمد وما رافقه من معطيات.
كابول
يعود تاريخ إنشاء كابول إلى الفترة بين عامي 2000 و1500 قبل الميلاد، وكانت في البداية مركزا للديانة الزرادشتية ثم أصبحت مركزا للديانة البوذية.
وصفتها مخطوطات "ريجفدا" (1700-1100 قبل الميلاد) بالمدينة المثالية والجنة الواقعة بين الجبال، كما ورد اسم كابورا في مخطوطات تعود للعهد الأخميني (400 قبل الميلاد).
تعاقب على كابول كل من الأخمينيين والسلوقيين ثم الماوريين، وحكمها الأمويون حتى سقوط دولتهم وبعدها دخلت في ملك الدولة العباسية، قبل أن تتبع لاحقا عددا من الدول.
اشتهرت كابول بصناعة الذخائر والأسلحة الخفيفة والاسمنت والتعدين والصناعات البتروكيماوية والأدوات الكهربائية والنسج والسجاد والحرف التقليدية والفواكه بمختلف أنواعها، وكانت كما وصفها القدماء "جنة" رابضة بين الجبال.
حيوية خبت على مر السنين وطوتها الحروب والويلات، وها هي اليوم تفرض حالة طوارئ على مختلف المستويات، وسط توقعات بسقوط المدينة بيد طالبان، في طرح يظل مفتوحا على جميع السيناريوهات، لكن المؤكد أن أكثرها تفاؤلا لن يعيد لـ"الجنة" ثغرها المبتسم.