قصص تدمي القلوب.. أفغان يبيعون كلى أبنائهم من أجل الطعام
لم يجد الأب الأفغاني غول محمد، المحاصر من قبل دائنين أقرضوه ليستطيع شراء الغذاء والدواء، سوى بيع كلية طفله لتوفير الطعام لأسرته.
ولم يخبر الزوجان، ابنهما، خليل أحمد، البالغ من العمر 15 عاما، سبب نقله من منزلهم الطيني في الأكواخ إلى مستشفى قريب.
وهناك، وضع الأطباء الطفل تحت التخدير، ثم أزالوا كليته، بعدما باعها والده مقابل 4500 دولار، وهو مبلغ يكفي لتغطية ما عليه من ديون، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
وأوضحت الصحيفة أنه في ظل وضع بائس، بات الأفغان يلجأون إلى تدابير يائسة بشكل متزايد للنجاة من أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث تضاعفت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق والزيت، مع شلل جزء كبير من الاقتصاد بينما جمد المجتمع الدولي الأصول الأجنبية لأفغانستان، وفرض عقوبات وأوقف معظم المساعدات.
ووفقا للأمم المتحدة، فإن 95 في المائة من السكان لا يحصلون على ما يكفي من الطعام، ويواجه أكثر من نصف سكان البلاد، البالغ عددهم 39 مليون نسمة، حاليا أزمة جوع شديدة.
ورغم أن عمليات نقل الكلى نشاط غير قانوني في أفغانستان، فهناك مستشفيات تجري تلك العمليات وتجذب الأفغان من جميع أنحاء البلاد، حيث تجرى من 15 إلى 20 عملية في الشهر، في حين يغض المسؤولون الطرف عن نشاط شراء وبيع الأعضاء.
وخلال الأشهر الستة الأخيرة "زاد عدد طلبات زرع الكلى بشكل كبير"، بحسب مدير أحد المستشفيات التي تقدم هذه الجراحة في مدينة هيرات، مشيرا إلى أن 12 شخصا موجودون حاليا في المستشفى، قدموا من مقاطعات أخرى، من أجل الخضوع لتلك العملية.
وقال: "الجميع يتلقى المال مقابل الأعضاء، يتقاضى المستشفى نفسه حوالي 4600 دولار للجراحة و1500 دولار للأدوية".
وبات العثور على بائع للكلى أمرا سهلا في أفغانستان، بل يتم لصق إعلانات عن تجارة الأعضاء على الجدران وأعمدة الإنارة في هرات ومدن أخرى، ويوزع وسطاء بطاقات تعرض على المشترين الاتصال بالبائعين.
لكن محمد، وجد مشتريا لكلية ابنه خليل، عبر أحد أقاربه. وعمل محمد لسنوات عاملا للبناء، ولكن مع توقفه عن العمل، راح يشتري الطعام من أصحاب المتاجر بالدين، واقترض نقودا من الجيران لإطعام زوجته وأطفاله الـ12.
كان أصحاب الديون يطرقون بابه يوميا، وذات يوم وضعوه في سيارتهم، وهددوه بأنهم سيأخذون ابنه نهائيا إذا لم يدفع. فكر محمد وزوجته في الحل المؤلم: يمكن بيع عضو بدلا من أن يبيعوا طفلا. فكرا في بيع كليتهما هما أولا، لكنهما كانا غير لائقين صحيا. فالرجل يعاني من حصوات في الكلى وزوجته مصابة بداء السكري.
وكان ابنهما الأكبر يكسب ما يصل إلى ثلاثة دولارات في اليوم من خلال جمع البلاستيك لإعادة التدوير، لذلك لم يريدا أن يفقدا حصيلة عمله، فوقع الاختيار على ابنهما الثاني خليل. ويقول محمد: "بكيت كثيرا في الليلة التي اتخذنا فيها القرار. لا يوجد أب في العالم يريد بيع كلية ابنه".
عرض المشتري ما يقرب من 4500 دولار مقابل كلية خليل. ولم يكن لدى محمد الجرأة ليأخذ ابنه بيديه إلى المستشفى لنزع كليته، فأرسل عم الطفل بدلا منه.
لكن خليل بات، عقب العملية الجراحية، يتألم كثيرا، ولم يعد يستطع اللعب مع أصدقائه كما كان من قبل. يقول الطفل، وهو يجلس على أرضية منزل والديه الطينية، بينما أشقاؤه يلعبون بصخب في الخارج: "بعد العملية أصبحت ضعيفا، لا أستطيع المشي أو الركض مثلما كنت أفعل سابقا".
مأساة خليل تكررت بصورة مختلفة مع عائلة نازانين، وهي أم لخمسة أطفال، في أواخر العشرينيات من عمرها، كانت تكسب أقل من دولار واحد في اليوم من غسيل الملابس للعائلات المحيطة، وزوجها محمد، المدمن على الأفيون، غير قادر على العمل، في حين يكسب ابنهما البالغ من العمر 12 عاما، المصاب بضعف في النطق، حوالي 50 سنتا في اليوم من جمع القمامة.
كان الزوجان مدينان بألف دولار لأصحاب المتاجر المحليين، خاصة بعد أن أصيبت الأسرة بأكملها، بما في ذلك والد محمد المسن، بفيروس كورونا، مما زاد من النفقات، ثم توفي والده، فكان عليهما تحمل تكاليف الجنازة، التي لم يستطيعا توفيرها، فأصبحت دينا عليهم.
وقال محمد، وعيناه غارقتان في الدموع، "كان بيع كلية زوجتي خطيئة، لكن لم يكن لدينا خيار آخر". ولم تكن كلية محمد التي دمرها الأفيون مفيدة للتبرع.
غطت عملية بيع كلية نازانين بالفعل ديون الزوجين وتكاليف الجنازة والنفقات الطبية، لكنها استنزفت صحة الزوجة القائمة على شؤون الأسرة، والتي كانت تعاني أصلا من سوء التغذية.
وقالت نازانين وهي جالسة على الأرض بلا فراش، بينما كان أطفالها يجلبون الماء من بئر في الفناء: "أشعر بدوار في الرأس طوال الوقت، كما أشعر بالغثيان".
واعترف المتحدث باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد، بأن هناك من يبيعون أعضائهم بدافع اليأس: "يعاني شعبنا قدرا هائلا من المشكلات"، لكنه اتهم "المهربين الدوليين" بالوقوف وراء تجارة الكلى في هرات، وقال إن حكومته تبذل قصارى جهدها لمنعها.
لكنه أضاف أن "الحكومة وحدها لا تستطيع أن تتعامل مع كل هذه المشكلات، على المجتمع الدولي أن يساعدنا".
وتقول شارلوت سلينتي، الأمينة العامة للمجلس الدنماركي للاجئين، وهي وكالة إغاثية في العاصمة الأفغانية، كابول، إن "الطبقة الوسطى تختفي يوما بعد يوم، أصبح الكثيرون يسقطون في براثن الفقر ويحتاجون إلى المساعدة كما لم يحتاجونها من قبل".