يشهد القرن الأفريقي مرحلة جديدة من التوترات الجيوسياسية بين إثيوبيا من جهة، ومصر والصومال من جهة أخرى في تصعيد له جذوره التاريخيّة في المصالح الاستراتيجية التي تتقاطع بين الدول الثلاث.
الخلاف لا يتجاوز المناكفات السياسية، وتطوره قد يؤزم الموقف ويستنزف جهود وموارد أطراف الصراع دون جدوى.
لنلقي نظرة موضوعية على مستجدات الصراع وأبعاده الاستراتيجية، ومحاولة استشراف مستقبل العلاقات بين الدول الثلاث، لما تمثله كل من إثيوبيا، ومصر، والصومال، من أهمية جيوسياسية في منطقة نفوذ القرن الأفريقي وشمال شرق أفريقيا.
تعتبر إثيوبيا دولة محورية في القرن الأفريقي بثقلها السكاني الذي يتجاوز 115 مليون نسمة، فهي أكبر دولة غير ساحلية في العالم من حيث عدد السكان، والعاشرة أفريقياً من حيث المساحة، فهي أكبر من مساحة ألمانيا وفرنسا مجتمعتين.
ولهذا، تعتمد على المنافذ البحرية الخارجية لاستيراد وتصدير البضائع مثل ميناء جيبوتي، وتبحث عن منافذ بحرية مستقرة ومستدامة، ما يفسر علاقتها مع أرض الصومال، في إطار مساعيها لتأمين منفذ بحري استراتيجي.
وتتمتع مصر بموقع مركزي مكنها من لعب دور مؤثر في صياغة السياسات الدولية والإقليمية، لكونها أحد أعمدة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن مكانتها العالمية المستندة إلى قواعد الحضارة التاريخية، والموقع الجغرافي، والقوة البشرية، والإمكانات العسكرية، والثروات الاقتصادية، خصوصاً قناة السويس في البحر الأحمر، لكونها الطريق الأسرع والأقصر لربط الشرق بالغرب، ويمر بها نحو 12% من التجارة الدولية، ما يجعلها شريانا رئيسيا للتجارة العالمية.
وتولي مصر الأولوية لأمنها المائي، لاعتمادها على النيل بنسبة 97%، ما جعلها في خلاف مع إثيوبيا حول مشروع سد النهضة، بسبب عدم التفاهم على تفاصيل تقاسم مياه النيل.
وعليه، تُفسر التحركات المصرية في دعمها للصومال على المستوى السياسي والعسكري في إطار تكثيف حضورها في القرن الأفريقي، وتشكيل ضغط على أديس أبابا.
ويعتبر الصومال بوابة القرن الأفريقي الرئيسية، وملتقى طرق التجارة البحرية الممتدة من آسيا إلى أفريقيا وأوروبا، ما جعله لعقود عرضة للاختراق من الجماعات المسلحة مثل حركة الشباب الإرهابية، فضلاً عن كون ذلك البلد ساحة للتجاذبات والاستقطابات، إلا أنه ما زال يعاني من آثار الحروب الأهلية، والصراع مع الجماعات الإرهابية.
وتحاول مقديشو تسوية نزاعاتها المختلفة مع أرض الصومال وكينيا وإثيوبيا، عبر بناء تحالفات إقليمية تعزز من تأثيرها، ولهذا، وقعت اتفاقيات دفاعية مع كل من تركيا ومصر.
انطلقت حالة المناكفات بين الدول الثلاث، مع الإعلان الإثيوبي عن الانتهاء من بناء سد النهضة وانتقاله إلى مرحلة التشغيل، وتزامن الإعلان مع التعاون العسكري بين مصر والصومال، ما أثار قلق أديس أبابا التي بدورها عينت سفيراً إلى أرض الصومال، في خطوة اعتبرتها مقديشو تصعيدًا مباشرًا.
من جهة أخرى، رفعت مصر شكوى إلى مجلس الأمن الدولي حول ملء إثيوبيا خزان سد النهضة، معتبرة أن ذلك يشكل انتهاكًا للاتفاقيات السابقة.
رؤى الدول الثلاث تتلخص في أن أثيوبيا تسعى إلى تأمين احتياجاتها المائية وتطوير بنيتها التحتية من خلال سد النهضة، وتدرك أن تعزيز علاقاتها مع أرض الصومال يوفر لها منفذًا بحريًا، ما يضعها في مواجهة مع الصومال.
أما مصر، فتعتبر أن أي تهديد لمياه النيل يمثل خطرًا وجوديًا، ولهذا تسعى إلى تعزيز نفوذها في القرن الأفريقي من خلال تعاونها الدفاعي مع الصومال في مواجهة إثيوبيا.
الصومال بدوره، يواجه اضطرابات داخلية ويسعى لبناء دور محوري على البحر الأحمر، وبناء تحالفات إقليمية تحمي مصالحه من النفوذ الإثيوبي.
سيستمر الاحتقان بين أطراف الصراع من غير التطور إلى مواجهات عسكرية، فكل طرف يدرك تداعيات الانجراف إلى الحروب في ظل الأزمات الإقليمية الراهنة، والحل الأمثل في التهدئة والحوار، خصوصاً مع وجود دول تملك مصالح اقتصادية في القرن الأفريقي، وتستطيع لعب دور الوساطة مثل الصين وتركيا.
وقد تكون الوساطة الإماراتية هي الأكثر تأثيراً وجاذبية لحل الأزمة بشكل واقعي، فدبلوماسية الإمارات الفاعلة وعلاقتها المميزة مع أديس أبابا والقاهرة ستعزز من فرص النجاح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة