من فرنسا إلى روسيا.. بوصلة ساحل أفريقيا تتجه شرقا

خطوة جديدة تعكس نية دول الساحل الأفريقي في الاتجاه شرقًا بعد تخليها عن العلاقات مع فرنسا مؤخرًا.
ويصل وفد من كونفدرالية الساحل، يضم وزراء خارجية مالي وبوركينا فاسو والنيجر، إلى موسكو غدًا الخميس للمشاركة في أول مشاورات بين اتحادهم الكونفدرالي وروسيا، في وقت تسعى فيه روسيا إلى استقطاب هذه الدول عسكريًا واقتصاديًا بهدف تعزيز نفوذها في الساحل الأفريقي، مستفيدة من الفراغ الذي خلّفه الانسحاب الفرنسي من المنطقة.
وتأتي هذه الزيارة، التي تستمر يومين، بدعوة من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وبحسب بيان نشرته وزارة خارجية مالي، التي تتولى رئاسة الاتحاد، على صفحتها بموقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، فإن الزيارة تهدف إلى المشاركة في الدورة الأولى من المشاورات بين بلدان تحالف دول الساحل وروسيا.
وتأتي زيارة وفد دول الساحل في وقت ينظر فيه الغرب بقلق بالغ إلى تنامي نفوذ موسكو في منطقة كانت فرنسا صاحبة النفوذ الأكبر فيها، لكن جيشها طُرد منها في نهاية المطاف في إطار تقارب مع روسيا، التي وقّعت اتفاقات دفاعية مع الدول الثلاث وزودتها بمعدات عسكرية، كما وفّرت التدريب لعناصر قواتها، في إطار استراتيجية تهدف إلى تقوية الحضور الروسي في المنطقة.
وكذلك، تساعد روسيا ومجموعة "فاغنر"، التي يجري دمجها حاليًا في "فيلق أفريقيا"، دول تحالف الساحل في محاربة الجماعات الإرهابية التي قتلت عشرات الآلاف من الأشخاص في معظم أنحاء المنطقة.
وتفرض الزيارة العديد من الأسئلة حول الرسائل التي قد يحملها الوفد إلى موسكو، والدور المتوقع لموسكو في تعزيز قدرات دول التحالف لمواجهة التحديات الأمنية، وكيف يمكن أن تؤثر هذه الشراكة على موازين القوى في منطقة الساحل؟ وكيف سيؤثر هذا التعاون على وحدة التحالف واستمراريته؟ وهل من الممكن توسيع التحالف ليشمل دولًا ذات مواقف مماثلة؟
رسائل الوفد
من جانبه، قال الدكتور عبد المهيمن محمد الأمين، مدير جامعة المغلي الأهلية الدولية بالنيجر، إن الرسائل التي سيحملها الوفد تتلخص في التأكيد على أن هذه الفيدرالية حقيقية، لها وجودها وأهميتها.
وأضاف الأمين لـ"العين الإخبارية" أن هناك رسالة أخرى موجّهة إلى المجموعة الأفريقية التي كانت تضم هذه الدول وغادرتها، مفادها أن هذه الدول لا تفكر في العودة، وأنها تسعى إلى تقوية هذا التحالف ومحاولة كسب دول أخرى غير فرنسا.
واعتبر أن هناك رسالة للعالم الغربي وأمريكا مفادها أنه من أجل العيش في أمن وسلام، لا بد من إيجاد تحالفات جديدة وقوى أخرى لا تدور في الفلك الغربي، لإحداث نوع من التوازن.
حليف موثوق
ولفت الخبير النيجري إلى أن هناك رسالة أخرى موجهة إلى روسيا، الحليف الجديد لهذه الدول، وهي أن انعقاد الاجتماع في موسكو يعكس ثقة تلك الدول في روسيا، بالإضافة إلى تقديم الشكر لها على ما قدمته لهم.
وقال: "ينبغي على روسيا أن تستخلص العبرة من علاقة هذه الدول بفرنسا وأمريكا، بعد أن اعتمدت على المعسكر الغربي في تحقيق الأمن ومحاربة الإرهاب، لكن هذا التعاون لم يؤتِ ثماره".
وتوقع أن تستوعب روسيا هذا الدرس، وأن تسعى إلى مساعدة دول الساحل في مكافحة الإرهاب عبر تدريب جيوشها، وتقديم التكنولوجيا والمعلومات، والقيام بعمليات مشتركة.
توسيع التحالف
وبحسب الخبير النيجري، فإن روسيا لن تتوقف عند الجوانب الأمنية فقط، بل ستحاول التوسع في مجالات أخرى، مثل البحث عن المعادن وتطوير قدرات هذه الدول في استخراج مقدراتها الاقتصادية.
واعتبر أن هناك رغبة لدى هذه الدول، ورأيًا عامًا شعبيًا يساند هذا الاتجاه، مما سيجعل تأثير هذا التحالف كبيرًا على موازين القوى في المنطقة.
ولم يستبعد انضمام مزيد من دول منطقة الساحل أو أفريقيا بشكل عام إلى هذا التحالف، سواء على المدى القريب أو البعيد.
وتوقع أن اجتماع روسيا سيضخ دماء جديدة في التحالف، وسيخرج باستراتيجية تتماشى مع الاستراتيجيات الحديثة في العالم للتعامل مع الدول المختلفة.
وقال: "هذا التحالف سيكبر، لا سيما أن هناك دولًا كثيرة في المنطقة معجبة به وتتمنى له النجاح"، معربًا عن أمله في أن تتجاوز دول الساحل المشكلات الأمنية وتركّز على التنمية.
خط بديل
في المقابل، يرى الكاتب الصحفي الموريتاني عبد الله امباتي، المتخصص في غرب أفريقيا، أن روسيا ترسم حاليًا خطًا بديلاً نتيجة التطورات الأخيرة على الساحة الأوكرانية وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
واعتبر امباتي أن الخط الروسي الجديد يبدأ من السودان إلى دول الساحل، مضيفًا أنه رغم تنصيب حكومات صديقة لروسيا في مالي والنيجر وبوركينا فاسو خلال السنوات الأربع الماضية، فإنها لم تستطع فرض السيطرة على الأرض، مشيرًا إلى أن نحو 50% من أراضي تلك الدول تقع تحت سيطرة جماعات إرهابية وحركات مسلحة، وهي مناطق غنية بالذهب واليورانيوم والنفط والغاز.
أوراق متناثرة
ورأى الخبير الموريتاني أن فرض روسيا سيطرتها على منطقة الساحل يتطلب منها نقل جيوش ضخمة إلى هناك، وهو أمر لا يمكن لروسيا القيام به في الوقت الحالي.
وأعرب عن اعتقاده بأن زيارة وفد دول الساحل إلى موسكو لن تسفر عن جديد، لأن الوضع يتطلب عملًا ميدانيًا وليس مجرد اجتماعات.
واستبعد امباتي توسّع كونفدرالية دول الساحل، وقال: "سبق أن صرّحت دولة توغو بأنها تدرس إمكانية الانضمام إلى تحالف دول الساحل، لكني أستبعد ذلك"، معتبرًا أن فرنسا أعادت إحكام قبضتها على المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وانتهجت سياسة جديدة تمثلت في سحب قواتها من هذه الدول.
وقال: "فرنسا انتبهت لأخطائها، واستجابت لمتطلبات المرحلة، ولن يكون من السهل خروج دولة أخرى من إيكواس".
علاقات جيدة
أما الخبير الروسي في الشؤون الأفريقية نزار بوش، فأكد أن موسكو لن تتدخل في الشؤون الأفريقية كما تدخلت الدول الغربية والولايات المتحدة.
وقال بوش لـ"العين الإخبارية": "الدول الأفريقية عانت الأمرَّين من الاستعمار الغربي، الذي لم يجلب لها سوى الويلات والفقر ونهب الثروات دون أي مردود عليها".
وأضاف: "العلاقات الروسية الأفريقية جيدة الآن، وروسيا تحترم سيادة هذه الدول، ولديها علاقات قوية مع مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وتساعدها في محاربة الإرهاب على أراضيها".
وأشار إلى أن لقاء موسكو قد يشهد انضمام دول أفريقية أخرى صديقة لروسيا، لبحث تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية.
aXA6IDMuMTM3LjIxNS4yMzQg جزيرة ام اند امز