طرح أي تصور أو مقاربة لعلاج متلازمة الهجرة واللجوء في أفريقيا لا بد وأن تبنى على تشخيص حقيقي
لا شك أن الاجتماع الأخير لقمة الاتحاد الأفريقي، والذي حظي باهتمام إعلامي كبير سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، يعد من اللقاءات المهمة التي أصبحت تعقد بصفة دورية ومنتظمة، وكأن الدول الأفريقية تحاول أن تكون أكثر انضباطا والتزاما بالعمل الأفريقي المشترك من خلال الاتحاد الأفريقي وآلياته، غير أن الملاحظ وما ارتبط بهذا اللقاء هو استمرار البحث عن إجابات فعلية حول هاجس السلام في أفريقيا وسؤال التنمية المؤجل، خصوصا وأن تعقيدات ملف الهجرة واللجوء وإشكاليات الهجرة غير الشرعية ما تزال تخيم على الحوارات الأفريقية وترهن إيجابية الرؤية الغربية، باعتباره أحد الملفات الخلافية بين دول الاتحاد الأفريقي وباقي شركائها من الدول الأوروبية التي تلقي بمسؤولية تفاقم الظاهرة على عاتق حكومات الدول الأفريقية.
لقد شهد ملف الهجرة واللجوء في أفريقيا تجاذبات ما تزال تعصف برهانات التعاون التنموي، سواء داخل القارة نفسها أو في نجاح نموذج تعاون إقليمي، وهو الأمر الذي تصنعه سلبية الأجندات الغربية المبنية على الرؤية العمودية والتي ما تزال تعتبر أفريقيا سوقا استهلاكيا فقط
اعتقد أنه لا يمكن إخضاع هذا الملف لمبدأ المسؤولية قبل تقديم إجابات كافية حول الواقع الأفريقي، فكما نعرف جميعا فإن المنطق يقول إما أن ترحل الثروة حيث يوجد البشر أو يرحل البشر حيث توجد الثروة، لكن المفارقة تكمن في أن أفريقيا الغنية بالثروات تعد مصدراً للمهاجرين غير الشرعيين، في صورة سلبية عبر عنها العديد من التقارير الدولية والمنظمات التي تعنى بقضايا الهجرة واللجوء، وتصنف فيها بعض الدول في أفريقيا على أنها من أسوأ مناطق العيش بالنظر لغياب متطلبات الحياة الآمنة.
لقد شهد ملف الهجرة واللجوء في أفريقيا تجاذبات ما تزال تعصف برهانات التعاون التنموي، سواء داخل القارة نفسها أو في نجاح نموذج تعاون إقليمي، وهو الأمر الذي تصنعه سلبية الأجندات الغربية المبنية على الرؤية العمودية والتي ما تزال تعتبر أفريقيا سوقا استهلاكيا فقط، وهي الرؤية التي يرجعها الكثير من المهتمين إلى استمرارية الاعتبارات الاستعمارية وغياب نموذج تنموي عالمي عادل.
من أجل ذلك فإن طرح أي تصور أو مقاربة لعلاج متلازمة الهجرة واللجوء في أفريقيا لا بد وأن تبنى على تشخيص حقيقي، لأن أفريقيا ليست فقيرة من جهة، ومن جهة أخرى فإن الأحكام الأوروبية خصوصا والتي تعتبر تفاقم أزمة الهجرة في أفريقيا سببها غياب التنمية، تعد أحكاما قاصرة، لأنه لا يمكن بناء تنمية بدون أمن واستقرار، خصوصا وأن واقع الأزمة يحدثنا عن المسعى الهادف إلى عسكرة المنطقة، عبر تشجيع الحلول العسكرية في إدارة الأزمات والتي أثبتت التجربة أنها تساهم في تعقيد الأوضاع وإنتاج سلام هش غير مستدام يبين أن الهدف هو التواجد وليس إيجاد الحلول، وهو ما تخبرنا عنه الأرقام ففرنسا مثلا ومنذ نزعها ثوب المستعمر تدخلت عسكريا ما يفوق 50 مرة في أفريقيا زيادة على تواجدها عبر عدد من القواعد العسكرية هي والولايات المتحدة الأمريكية، وطبعا هذا يضاف إلى مختلف أشكال التهديد والجريمة المنظمة أهمها ازدهار تجارة المخدرات في منطقة الساحل الأفريقي باعتبارها مصدر تمويل للجماعات الإرهابية.
إن هذا الواقع السلبي يجعل من مسألة تغليب الحلول السلمية على الحلول العسكرية بديلا مهما وضرورة تساهم في التقليل من الآثار الوخيمة لضعف اقتصادات الدول الأفريقية وهشاشة بنيتها التحتية، ومن أجل ذلك نقول بأنه إذا كانت الدول الغربية تفكر وتسعى للتقليل من أعداد المهاجرين إليها، فالملاحظ أن العوامل المسؤولة عن تفاقم الهجرة والهجرة غير الشرعية لم تتراجع بعد في أفريقيا.
هذا وإن مستقبل العمل الأفريقي يبدأ من التصدي الفعلي للتيارات والجماعات الدينية المتطرفة، والذي ترافقه ضرورة الانفتاح وقبول الآخر والعمل وفق منطلقات الوسطية والتسامح والحوار كدعامة للاستقرار، كما أن إعادة انتخاب الجزائر على رأس مفوضية السلم والأمن الأفريقي وتسلم مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي تعد فرصة ذهبية لدعم العمل الأفريقي المشترك، والعمل العربي الأفريقي كبديل من أجل التنمية، واعتماد الابتكار كنهج تنموي يدعم بناء القدرات في القارة الأفريقية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة