الجيوش والجغرافيا.. خارطة القوة والتوازنات في الساحل الأفريقي
القوة العسكرية والموقع والموقف في ساحل أفريقيا، 3 عوامل تستشرف التوازنات في حال انتهى المطاف بدول "إيكواس" للتدخل في النيجر.
ففي حال لم يبقَ باب الدبلوماسية الذي تتركه مجموعة غرب أفريقيا حتى الآن مفتوحا أمام عسكر النيجر للتفاوض من أجل حل يستعيد بموجبه هذا البلد نظامه الدستوري، فإنه لا مناص من ضربة عسكرية.
تدخل ستفرضه الضرورة والمخاوف وحفظا لماء الوجه، لكن في ظل مواقف واضحة وأخرى رافضة وثالثة على الحياد تماما، يبدو من الضروري تعقب خارطة قوة الجيوش والموقع لاستشراف سيناريوهات انقلاب النيجر وتحركات
إيكواس".
"التدخل عسكريا" بالنيجر يقسّم "إيكواس".. 8 دول تحدد موقفها و7 صامتة
في ما يلي، ترصد "العين الإخبارية" توازنات القوة استنادا لترتيب الجيوش والموقع والموقف من انقلاب النيجر والتدخل العسكري فيه.
القوة العسكرية
تضم "إيكواس" 15 دولة، بينها 8 دول تصنف جيوشها ضمن أضخم 145 جيشا في العالم، ويشمل ذلك جيش النيجر نفسه، الذي يصنف في المرتبة الـ4 بين جيوش المجموعة:
أما الجيش النيجيري الذي يعتمد عليه بشكل أساسي حال إقرار التدخل في النيجر، فيصنف بالمرتبة الـ 36 بين أضخم 145 جيشا في العالم، ويحتل المرتبة الـ4 أفريقيا والأولى بين جيوش التكتل.
ويصنف جيش غانا في المرتبة رقم 109 بين أضخم جيوش في العالم ويحتل المرتبة الـ 20 أفريقيا والثالثة بين جيوش "إيكواس"، ويأتي جيش مالي في المرتبة الثالثة بين جيوش المجموعة وفي المرتبة 110على مستوى العالم والمرتبة 21 أفريقيا.
فيما يصنف جيش بوركينا فاسو في المرتبة رقم 121 في العالم، ويحتل المرتبة الـ 26 أفريقيا والخامس بين جيوش التكتل، يليه الجيش السنغالي في المرتبة 125 في العالم، ويحتل المرتبة الـ 30 أفريقيا والـ 6 بين جيوش إيكواس.
ويصنف جيش سيراليون في المرتبة رقم 138 في العالم، ويحتل المرتبة الـ 35 أفريقيا والـ7 بين جيوش "إيكواس"، كما يصنف جيش بنين في المرتبة رقم 144 في العالم ويحتل المرتبة الـ 38 أفريقيا والـ8 بين جيوش المجموعة.
حسابات التدخل
في حال إقرار التدخل في النيجر، فإنه سيتم خصم القوة العسكرية لجيوش مالي وبوركينا فاسو وأيضا غينيا كوناكري من إجمالي هذه القوة، بعدما أعلنت هذه الدول رفضها لسيناريو الحرب.
في المقابل، سيكون جيش نيجيريا رأس حربة في الضربة حال تحققها، ومعه السنغال إضافة إلى غانا وسيراليون، لكن السؤال يظل: هل يمكن للقوات الأخيرة مجتمعة حسم الحرب المفترضة أم أن المنطقة ستكون مقبلة على تحالفات متضادة يحشد عبرها كل معسكر حلفاءه من دول الساحل والعالم؟.
كوت ديفوار التي تخشى سريان عدوى الانقلابات إليها سارعت بالانضمام لقائمة المشاركين، وعلى خطاها أيضا سارت بنين المجاورة للنيجر والتي تحبس أنفاسها خوفا من السيناريو نفسه.
وفي حين لم تقرر غامبيا وليبيريا بعد إرسال قوات للمشاركة، أعربت الرأس الأخضر عن رفضها للخطوة المحتملة.
من خارج التكتل، خبراء يرون أن أفريقيا الوسطى يمكن أن تكون داعمة لـ"إيكواس" في حربها على النيجر من منطلق ولائها لفرنسا، مقابل الجزائر التي أعلنت رفضها للتدخل العسكري.
أما تشاد فتتمسك بحياد يجعل من الصعب أن تقبل بمنح أراضيها لأي تدخل محتمل، فالنظام الحاكم فيها يخشى ثورة المعارضة ضده.
الموقع
بلدان يتقاسمان حدودا برية مع النيجر تمنحهما إمكانية التوغل في الجارة بشكل مباشر: نيجيريا وبنين، وهما أيضا البلدان اللذان يدعمان التدخل وسط رفض ثلاثي من مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري.
وتبعا لذلك، تمنح الجغرافيا البلدين أفضلية، خصوصا أن الجيش النيجيري سيكون أساس القوات حال تدخلها، وهذه نقطة تحسب لصالح المشاركين.
أما السنغال فلا تتقاسم حدودا مباشرة مع النيجر، لكن تحدها مالي شرقا، وغينيا وغينيا بيساو جنوبا، وباماكو وكوناكري تعارضان التدخل، ما يعني أنها ستحتاج لأرض عبور حتى من خارج إيكواس، وهنا تكمن المعضلة.
تشاد التي تتقاسم حدودا غربية مع النيجر، تتوجه إليها الأنظار لتكون أرض عبور، لكن هذا البلد الذي لا ينتمي لمجموعة إيكواس لن يكون قادرا على تلبية الطلب.
فنجامينا تخشى رد فعل سلطات الانقلاب في النيجر، فتقوم بدعم المعارضة المسلحة المتواجدة في شمال البلاد، وهي المنطقة التي سبق وتعرض فيها الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي للقتل.
كما أن عودة التوتر لمناطق الشمال في تشاد على حدود ليبيا يرفع منسوب المخاوف من العودة للمربع الأول، خصوصا أن الحكومة تعتبر عودة الهدوء بعد معارك 2021 مع المتمردين إنجاز لا يمكن أن تفرط فيه.
تسرع؟
اللواء محمد عبد الواحد، الخبير العسكري والأمني المصري يرى أن إيكواس تسرعت في إعلانها الحرب على النيجر في البداية، معتبرا أنها قرارات غير مدروسة وغير منضبطة.
ويقول عبد الواحد في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن هناك تحديات تواجه عملية التدخل العسكري في النيجر تتمثل في تغيير العلاقات الدولية وفق النظام العالمي الجديد، بما خلق استقطابات دولية وإقليمية معلنة بين دول رافضة وموافقة على الحرب.
وأشار إلى وقوف الجزائر وبوكينا فاسو ومالي ضد التدخل العسكري في النيجر، لافتا إلى أن التحدي الثاني يكمن في التصعيد المتعمد من قادة الانقلاب والرفض القاطع لأي حلول، وعدم استقبال وفود الايكواس، بتجميد الدستور وتشكيل حكومة لفرض الأمر الواقع.
وأضاف أن عدم جاهزية دول إيكواس عسكريا يمثل تحديا ثالثا، مؤكدا أن إيكواس ليس لديها القدرة العسكرية لخوض هذه الحرب.
وبالنسبة للخبير، فإن بيان إيكواس الختامي بقمة أبوجا الأخيرة عكس تمسك التكتل بالدبلوماسية وأنه ربما قوبلت إيكواس بضغوط دولية بين الرافضين والمؤيدين للحرب لخطورة التدخل العسكري الذي سيؤدي لمزيد من العمليات الإرهابية في المنطقة.
ولفت إلى أن "إيكواس بدأت تتدارك ببيان يدعو للسلمية والمفاوضات، مع الحفاظ على ماء الوجه بأن كل الاحتمالات مفتوحة للتدخل العسكري في حال فشل الحلول السياسية"، مستبعدا استخدام القوة العسكرية في هذا التوقيت.
تحديات
بحسب عبد الواحد، فإن الوحيدة القادرة في هذه الحرب المحتملة هي نيجيريا والتي تملك جيشا قوامه يقارب 220 ألف جندي، وأجهزة حربية وطائرات، مستدركا في الوقت نفسه أن لديها تحديات داخلية تكمن في مواجهة الإرهاب إضافة إلى محاربة الجريمة المنظمة المتمركزة في شمالها.
وقال إن ذلك سيعرضها لخسائر كبيرة ولذلك تغيرت لهجة الرئيس النيجيري من الحماسة للحرب والتراجع بالحديث عن الحلول الدبلوماسية.
كما أشار الخبير إلى أن رئيس نيجيريا يخشى حدوث انقلاب مماثل عليه في بلاده.
وبخصوص السنغال، يعتبر عبد الواحد أن داكار أيضا لن تستطيع الدخول في الحرب، لضعف جيشها الذي يتشكل من 17 ألف جندي فقط، مضيفا: "صحيح أن الجيش السنغالي هو الذي انتشر في غامبيا من قبل، إلا أنه خسر كثيرا هناك".
وتطرق الخبير إلى تصريح للرئيس الإيفواري الحسن واتارا عقب قمة إيكواس، قال فيه إن التكتل قرر التدخل العسكري بالنيجر "في أقرب وقت"، معتبرا أنه للاستهلاك المحلي والإقليمي.
وأكد أنه ليس لديه قدرة عسكرية لمثل هذا التدخل، لافتا إلى أن النيجر كلها صحراء، وأن السكان بها يتركزون حول نهر النيجر في الجنوب الغربي، وهناك مشكلة في المثلث الحدودي مع بوركينا فاسو والنيجر بوجود الجماعات الإرهابية من داعش والقاعدة وغيرها.
كما استبعد موافقة تشاد للدخول في الحرب لصالح فرنسا، نظرا للبعد القبلي بينها وبين النيجر، مشيرا إلى أصول بازوم التشادية، وأن التركيبة العرقية والقبلية لن تسمح بهذا التدخل، والذي سيؤدي إلى موجات نزوح كبيرة نحو نجامينا تضاف للنازحين من دارفور.
أما الدكتور أمين إسماعيل مجذوب، الخبير الأمني والعسكري في مركز الدراسات الاستراتيجية بالخرطوم، فيرى من جهته أن تدخل إيكواس عسكريا في النيجر يواجه معارضة داخلية من دول المجموعة.
وقال مجذوب لـ"العين الإخبارية"، إن هناك معارضة من مالي وبوركينا فاسو بجانب النيجر، وربما يؤثر ذلك في التدخل العسكري بصورة مباشرة.
ولفت إلى أن الأوضاع بالمنطقة ملتهبة وغير مستقرة، وأنه لا يمكن أن يكون هناك تدخل عسكري مباشر وفي حال حدث فسيشعل منطقة الساحل التي تعاني اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.
اجتماع الحسم
وكان من المنتظر أن تعقد مجموعة "إيكواس" اليوم السبت اجتماعا جديدا يجمع رؤساء أركان دول غرب أفريقيا في العاصمة الغانية أكرا، لنقاش "أفضل الخيارات" فيما يتعلق بقرار تفعيل ونشر "القوة الاحتياطية" في النيجر، لكن مصادر عسكرية إقليمية أفادت بتأجيله.
aXA6IDE4LjExNi4xNC4xMiA= جزيرة ام اند امز