"حزام الانقلابات".. هل الأفارقة "سجناء للجغرافيا"؟
في عالم السياسة نسميه "انقلابًا"، وهو ضربة تطيح بالدولة أو الحكومة، هو اختصار مفيد لكنه قد لا ينطبق على الدول الأفريقية في حزام الانقلابات.
هذا ما رآه الكاتب البريطاني تيم مارشال، الذي يقول إنه في بعض تلك الدول لا تكاد توجد دولة يمكن الإطاحة بها، فقط جهاز حكومي يمكن استخدامه لكسب المال.
- الانقلابات العسكرية في أفريقيا.. "سجل أسود" للقارة السمراء
- "ليس بلدا ديمقراطيا".. أوروبا تبرر انقلاب الغابون
وأرجع الكاتب في مقال لصحيفة "التايمز" البريطانية، أسباب هذا الحال في أجزاء من أفريقيا، إلى عدة اسباب بينها "تضافر إرث الاستعمار، والتنافسات العرقية، والفساد، والتدخل الخارجي المستمر، والجغرافيا التي خلقت دولاً ليس لديها سوى القليل الذي يربطها ببعضها البعض والكثير مما يمزقها".
وقد أظهر الانقلاب العسكري الذي حدث الأسبوع الماضي في الغابون ضد الرئيس بونغو بعضاً من هذه الأسباب، بحسب الكاتب.
وواجهت عدة بلدان أفريقية انقلابات أو محاولة انقلاب بينها مالي، وغينيا، وتشاد، والغابون، وبوركينا فاسو، والنيجر.
رقم قياسي
ورغم وجود الفساد وسوء الإدارة في أجزاء كثيرة من العالم، لكن بسبب العوامل المتفاقمة المذكورة سابقا، فإن أفريقيا أكثر عرضة للخطر من المناطق الأخرى.
فمنذ عام 1950، كان هناك أكثر من 480 محاولة انقلاب على مستوى العالم، نصفها تقريبًا كان في أفريقيا، نجح أكثر من 100 منها، وفقًا للبيانات التي جمعها الباحثان الأمريكيان جوناثان باول وكلايتون ثاين.
وقد شهدت 45 دولة من أصل 54 دولة عبر القارة الأفريقية محاولة انقلاب واحدة على الأقل في نفس الإطار الزمني.
17 انقلابًا من أصل 18 انقلابًا في جميع أنحاء العالم منذ عام 2017 كانت في أفريقيا، وأغلبها كان في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل.
وبعد كل انقلاب عسكري تكون هناك دعوات من بلدان أخرى من أجل "العودة إلى الديمقراطية"، ولكن نادرا ما يكون هناك اعتراف بأن ما تمت الإطاحة به كان عادة بعيدا عن الديمقراطية، وغالبًا ما يتم رفض مظاهر الدعم للانقلاب من قبل قطاعات من الجمهور.
نموذج الغابون ومالي
وفي حالة الغابون، فقد حكمت عائلة الرئيس المخلوع البلاد منذ عام 1967 عبر سلسلة من الانتخابات التي اعتبر الكاتب أن التزوير شابها، وأعقبها قمع للمعارضين.
وأضاف: "تولى المئات من أفراد عشيرة بونغو مناصب عليا في الحكومة والشركات الكبرى وتم منحهم الحصانة من الملاحقة القضائية".
واستطرد: "لقد نهبوا البلاد لمدة 55 عامًا، ورغم أن احتياطيات البلاد النفطية تدر مليارات الدولارات كل عام، فإن الفقر منتشر على نطاق واسع".
وتابع: "لا عجب أن يكون هناك رقص في الشارع عند سماع أنباء الانقلاب".
ورغم أن سكان الغابون يتكونون من أكثر من 50 مجموعة عرقية، فقد نجحوا في تكوين شعور بالهوية الوطنية، وهي صفة تفتقر إليها مالي.
وكما هو الحال في بلدان الساحل الأفريقي الأخرى، تنتهي صلاحيات الحكومة عندما تنتهي الخرسانة، ولا تتلقى المناطق الريفية سوى القليل من المساعدة من الحكومة المركزية أو لا تتلقى أي مساعدة على الإطلاق.
وكان هذا من بين العوامل المساهمة في الانقلابات المالية عامي 2020 و2021.
عامل الجغرافيا
ومنطقة الساحل معرضة بشكل خاص للانقلابات بسبب موقعها الجغرافي. فالمنطقة شبه قاحلة وتعاني من ضعف نمو المحاصيل، ونقص المياه والغذاء.
كما يؤدي تغير المناخ إلى زيادة التصحر في المناطق الشمالية، التي تمتزج الآن بالصحراء الكبرى، وتشتمل جميعها على مساحات ضخمة غير خاضعة للرقابة وتعداد سكاني يتزايد بشكل كبير، مع فرص قليلة للشباب.
كما أن بعض البلدان غير ساحلية، وجميعها تعاني من الفساد، ورغم أنها غنية بالموارد، فإن سكانها فقراء.. إنها وصفة للاحتراق، بحسب الكاتب البريطاني.
ولفت الكاتب إلى أن "أي حكومة لا تستطيع التصدي للمخاطر الأمنية تتم الإطاحة بها من قبل كبار ضباط الجيش".
وبين أن "العديد من المسؤولين منشغلون في أعمال الفساد ويدركون أنهم يمكن أن يحصلوا على المزيد من المال إذا كانوا مسؤولين".
عامل التاريخ
منذ عام 1960، ومع انسحاب الاستعمار الفرنسي من أفريقيا، كانت الخطوط المستقيمة التي رسموها في الرمال تشمل العشرات من العرقيات، التي لم يكن لدى الكثير منها ولاء يذكر للدول الجديدة.
هذه "الخطيئة الأصلية" المتمثلة في الحدود الاستعمارية أورثت الدول المستقلة حديثا درجات من عدم الاستقرار لم تتمكن بعد من التغلب عليها.
ففي مالي على سبيل المثال استمرت أعمال العنف المتفرقة على مدى العقود الماضية، لكنها بلغت ذروتها بعد الإطاحة بالعقيد الليبي القذافي بدعم من الغرب في عام 2011.
وكان القذافي قد استأجر آلاف المرتزقة، والعديد منهم من مالي والنيجر وتشاد.
وقد دفعهم مقتله إلى نهب قواعدهم والعودة إلى ديارهم حاملين أسلحة ثقيلة، وبعد مرور عام، اندلع تمرد في مالي، بمشاركة تنظيم القاعدة وتنظيم داعش وتم الاستيلاء على تمبكتو، وهي مركز تاريخي مهم في شمال البلاد، ولذلك تم دعوة القوات الفرنسية لمساعدة القوات الحكومية.
وتمت هزيمة التمرد لكن عدم الاستقرار تزايد وانتشر العنف الطائفي عبر الحدود بين مالي والنيجر وصولا إلى بوركينا فاسو، التي شهدت انقلابا خاصا بها العام الماضي.
وأدى عجز الحكومة المالية عن حماية شعبها إلى قيام المجتمعات المحلية بتشكيل مليشيات، مما ساعد على تهيئة الظروف لانقلاب عام 2020.
وبعد الاستيلاء على السلطة في كل دولة أفريقية، يكون من السهل على المجلس العسكري الجديد أن يذيع للشعب كيف تدخل لوضع حد للفساد الوقح.
ومع أن السكان قد لا يصدقون ذلك، لكن هذا لا يعني أنهم سيكونون سعداء برؤية من يسمونهم "الأوغاد السابقين" يعودون.
ويمكن للقيادة العسكرية بعد ذلك أن تتجاهل نموذج الإدانات الصادر عن الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس".
أشكال مختلفة للانقلابات
وللانقلابات أشكال مختلفة فبعضها لا يتضمن كلها محاصرة القصر الرئاسي واعتقال الزعيم.
ففي عام 2021، شهدت تشاد "انقلابًا على مستوى الأسرة الحاكمة، وبعد وفاة الرئيس ديبي، أعلن الجيش ببساطة أن ابنه "رئيس مؤقت".
وقالت فرنسا، التي تدرك أن تشاد تستضيف قوات فرنسية، إن "الانقلاب العسكري كان مبررا لأسباب أمنية".
كيف حافظت فرنسا على وجودها؟
ربما تسببت موجة الانقلابات في إنزال علم فرنسا من عدة دول، لكن باريس صممت طرقًا للحفاظ على نفوذها الهائل.
وكان المفتاح لذلك هو الفرنك الأفريقي، وهي العملة التي حرمت البلدان من السيادة النقدية، وطُلب من الحكومات إيداع نصف احتياطياتها الأجنبية في باريس، في حين تم تنفيذ الصفقات التجارية لصالح الصادرات الفرنسية.
وعلى الصعيد العسكري كان لفرنسا قرابة 5000 جندي منتشرين بدعوة من 5 حكومات في منطقة الساحل، ولكن بعد الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو، طُلب منهم المغادرة وأصبح وضعهم في النيجر الآن غير مؤكد.
ومنذ عام 2012، أنفقت فرنسا ما يقرب من مليار يورو سنويًا على هذه العملية، وكانت التكلفة البشرية مرتفعة أيضًا حيث قُتل 59 جنديًا فرنسيًا، 52 منهم في مالي.
والأسبوع الماضي، وصف الرئيس ماكرون العملية بأنها كانت ناجحة، وقال لصحيفة "لو بوان": "لقد منعوا إنشاء خلافة داعشية على بعد بضعة آلاف من الكيلومترات من حدودنا".
وجادل بأنه "دون تدخل فرنسا، فإنه قد لا تكون مالي وبوركينا فاسو والنيجر موجودة".
وفي كلتا الحالتين، تعرضت السياسة الفرنسية الآن لأضرار بالغة، كما تحول الرأي العام في الداخل ضد المزيد من التدخل العسكري.
وهذا التاريخ هو السبب الذي يجعل قادة الانقلاب قادرين بسهولة على تصوير الرئيس المخلوع على أنه دمية في يد فرنسا، كما حدث في يوليو/تموز في النيجر، حيث أعقب الانقلاب بسرعة هجوم على السفارة الفرنسية.
وقد يطرد القادة الجدد القوات الفرنسية والأمريكية، وقد لا يطردونها، ويدعون الروس، في شكل مجموعة من المرتزقة على غرار مجموعة فاغنر، ويعتمد ذلك على من يقدم العرض الأفضل.
هل تتحسن الأحوال؟
وفي كلتا الحالتين، من غير المرجح أن تتحسن الحياة بعد الانقلاب بالنسبة للناس العاديين سواء في مالي أو في أي مكان آخر، فلن تصل إلى الناس الثروات التي سيتم الحصول عليها من اليورانيوم وخام الحديد والبوكسيت.
وبحسب الكاتب فإن "القوات الفرنسية المنتشرة في عدة دول لم تكن كافية لقمع الانقلابات، وإذا حل الروس محلهم، فسيكون ذلك فقط لحماية العاصمة وحراسة الديكتاتور الأخير في القصر الرئاسي من محاولة الانقلاب القادمة أو الهجوم من قبل الجماعات الإرهابية".
وقال تقرير للأمم المتحدة هذا الأسبوع إن "تنظيم داعش ضاعف الأراضي التي يسيطر عليها في مالي في أقل من عام"، واستدرك الكاتب: "السلطات الجديدة في الدولة لن تحمي الشعب، فلماذا يبايعونها؟".
ورغم أن معظم الدول الأفريقية، خاصة ذات الاقتصادات النامية، لا تعاني من انقلابات متكررة، إلا أن المنطقة الشاسعة الممتدة من السودان إلى المحيط الأطلسي أصبحت استثناءً، وهي الآن معرضة لخطر التحول إلى "بحر من الديكتاتوريات العسكرية غير المستقرة".
وتتعرض مجموعة كبيرة من البلدان الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي لخطر الإصابة بخطر الانقلابات.
لكن الكاتب اختتم تحليله بالتأكيد على أنه رغم وقوف الإرث الاستعماري والتدخل الأجنبي المستمر الآن في قفص الاتهام، إلا أن الطبقات السياسية والعسكرية في منطقة الساحل وأماكن أخرى يجب أن تتحمل أيضا المسؤولية عن إخفاقاتها وجشعها.
aXA6IDE4LjIyMS4xODMuMzQg
جزيرة ام اند امز