العزل الزراعي.. حل فعّال وغير مكلف لإزالة الكربون من الغلاف الجوي
يُعد التخلص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، الذي يوجد في الغلاف الجوي، تحديًا حقيقيًا يواجه العلماء والمسؤولين حول العالم في سعيهم للتصدي لتغير المناخ والحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
ويتطلب هذا الأمر جهودًا مكثفة واستراتيجيات متكاملة تستهدف الحد من الانبعاثات وتعزيز استخدام مصادر الطاقة المستدامة والبدائل النظيفة.
وتعتبر هذه المهمة التي تتطلب التعاون الدولي والتنسيق العالمي بين الجهات المختلفة، من أهم التحديات التي تواجه المجتمع الدولي في الوقت الحالي، حيث يتعين على الجميع العمل بجد وتكثيف الجهود للحد من الانبعاثات الضارة والحفاظ على كوكب الأرض وبيئته للأجيال الحالية والمستقبلية.
وتوصل الخبراء إلى عدد من الحلول، التي يمكن من خلالها امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، والذي يمثل وجود انبعاثاته تهديدًا لا يمكن النجاة من مخاطره حال الوصول إلى "نقطة اللاعودة" بحلول عام 2030.
لكن بعض الوسائل التي توصلت إليها دراسات سابقة تكلف المنفذين مبالغ طائلة، إلى جانب افتقاد عدد منها للفعالية المطلوبة لتجاوز الأزمة، بما يعني استمرار المخاوف المناخية وتزايدها بمرور الوقت.
حل غير مكلف
ما سبق، وضعه علماء قسم الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر في جامعة كاليفورنيا في اعتبارهم، حتى خرجوا بحل فعال وغير مكلف، يمكن من خلاله خفض انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي.
أعد خبراء جامعة كاليفورنيا دراسة نشرتها مؤخرًا دورية "Proceedings of the National Academy of Sciences"، توصلوا فيها إلى أسلوب يخلّص الغلاف الجوي من انبعاثات الكربون.
وأطلق الخبراء على هذا النهج اسم "العزل الزراعي"، وفيه يعتمدون على زراعة محاصيل الكتلة الحيوية، تليها دفن النباتات المحصودة في مدافن بيولوجية جافة، حسب ما نقله موقع "SciTech Daily".
لاحقًا، يجري الاحتفاظ بالكتلة الحيوية المدفونة جافة، عن طريق استخدام الملح لتثبيط النشاط الجرثومي ومنع التحلل، مما يسمح بعزل الكربون في الكتلة الحيوية، بما يمهد للوصول إلى نسبة صفرية له في الغلاف الجوي.
ويتضمن هذا النهج المتكامل استخدام تقنيات زراعة الكتلة الحيوية البيولوجية، التي تعتمد على النباتات ذات القيمة الغذائية والاقتصادية والبيئية العالية، مع تبني مدافن بيولوجية جافة تُعد بيئة مثالية لتحويل النباتات المحصودة إلى تربة عضوية غنية وتخزين الكربون بشكل فعال.
ويُعتبر هذا النهج الزراعي الذكي والمستدام واحدًا من الحلول البيئية الواعدة للتصدي للتحديات البيئية الحالية والمستقبلية والعمل على تحسين جودة الأراضي الزراعية والحفاظ على التنوع البيولوجي والاستدامة الزراعية.
في هذا الصدد، صرح إيلي يابلونوفيتش ، المؤلف الرئيسي والأستاذ في كلية الدراسات العليا في قسم الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر بجامعة كاليفورنيا: "نحن نؤكد أن الهندسة المناسبة يمكن أن تحل 100% من أزمة المناخ بتكلفة معقولة".
وأضاف: "في حال تنفيذ النهج الجديد على نطاق عالمي، فإن العزل السلبي للكربون سيتحقق، بما يزيل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الحالية في الغلاف الجوي، بالإضافة إلى انبعاثات السنوات السابقة".
وشدد على أن النهج الجديد يسعى إلى تحقيق "سلبية صافية للكربون" لا الاكتفاء بـ"الحياد الصافي للكربون" فقط، مشيرًا إلى أن كل طن متري من الكتلة الحيوية الجافة، يقابله عزل ما يقرب من 2 طن من ثاني أكسيد الكربون.
تحديات
تمثل عملية ضمان استقرار الكتلة الحيوية المدفونة تحديًا، يسعى علماء جامعة كاليفورنيا إلى تجاوزه بأمان، فرغم أن بيئة التخزين تكون خالية من الأكسجين، إلا أن بعض الكائنات الحية الدقيقة اللاهوائية تكون قادرة على البقاء في الداخل، بما ينتهي إلى تحلل الكتلة الحيوية إلى غازي ثاني أكسيد الكربون والميثان.
ومن ثم، قال هاري ديكمان، المؤلف المشارك في الدراسة: "نهجنا يمكنه عزل الكربون بشكل ثابت في الكتلة الحيوية المملحة المجففة لآلاف السنين، بكفاءة كربونية أعلى من تقنيات احتجاز الهواء الأخرى".
فيما اعتبر هيو هيلفرتي، رئيس منظمة مساءلة المنتجين عن انبعاثات الكربون (PACE)، أن النهج الجديد قادر على تحويل الحلول المؤقتة القائمة على أرض الواقع إلى طريقة دائمة لتخزين ثاني أكسيد الكربون.
في السياق، أعدّ الباحثون قائمة مكونة من 50 نباتًا عالية الإنتاجية، وقادرة على امتصاص الكربون، بحيث يمكن زراعتها في مناخات متنوعة في جميع أنحاء العالم، بما يضمن إنتاجًا من الكتلة الحيوية الجافة في نطاق من 4 إلى أكثر من 45 طنًا جافًا للهكتار الواحد.
أكد "يابلونوفيتش" أن زراعة هذه النباتات لا يعني التعدي على الأراضي الزراعية المستخدمة في زراعة الغذاء، فيمكن زراعتها على أراضي المراعي، والغابات الهامشية، وحتى الأراضي الزراعية البور.
كما أشار الباحثون إلى أن تكلفة الزراعة والمركبات البيولوجية تصل مجتمعة إلى 60 دولارًا أمريكيًا للطن الواحد من ثاني أكسيد الكربون المحفوظ، مع العلم أن التقنيات المشابهة السابقة، والتي تعتمد على "احتجاز الهواء"، تبلغ تكلفتها 600 دولار للطن.
aXA6IDEzLjU5LjczLjI0OCA= جزيرة ام اند امز