خبراء لـ«العين الإخبارية»: الزراعة الذكية بالمغرب حل لمواجهة الجفاف
العين الإخبارية - فاطمة علي
لمواجهة الجفاف في المغرب لا بد من اعتماد زراعة ذكية تهدف إلى الحفاظ على الأمن الغذائي والمائي.
تعاني المناطق الزراعية بالمغرب من قلة التساقطات المطرية وشح في مياه الري، بسبب توالي سنوات الجفاف وآثار تغير المناخ، الشيء الذي أثر سلباً على بعض المزروعات.
ومن أجل إيجاد حلول بديلة لمواجهة شح المياه والحفاظ على الأمن الغذائي، قرر عدد من الزراعيين المغاربة البحث عن زراعات بديلة تسهم في ترشيد مياه الري، من ضمنها الزراعة الذكية الصديقة للبيئة. وحسب خبراء في الزراعة، أكدوا أن "الفلاحة 4.0" تعتمد على تقنيات وحلول ذكية تستهدف تطوير الأمن الغذائي ومواجهة التقلبات المناخية، وتعمل هذه التقنيات بواسطة أجهزة بشبكة الإنترنت.
ويُعد محمد عابيد، فلاح بمحافظة الغرب، وهي منطقة شهيرة بزراعة التوت الأحمر "الفراولة"، من الفلاحين التقليديين الذين استطاعوا أن يتأقلموا مع التقلبات المناخية باعتماد الزراعة الذكية.
ويقول عابيد في حديث مع "العين الإخبارية"، إنه بسبب قلة التساقطات المطرية الناجمة عن الاحتباس الحراري، أصبحت المحاصيل الزراعية شبه منعدمة، خاصة التوت البري حيث يحتاج إلى كميات من المياه.
وأضاف الفلاح ذاته، أنه من أجل الحفاظ على الماء والأمن الغذائي ببلدنا لا بد من الابتعاد عن الزراعات الأكثر استهلاكا للماء، من خلال استخدام تكنولوجية الزراعة الحديثة.
ومن أجل ضمان إنتاج زراعي جيد وغير مكلف من ناحية استعمال الماء أو المال، اعتمد عابيد "تطبيقات الهاتف الذكي" حيث يتحكم من خلالها في عملية السقي عن بعد بشكل منتظم، ثم مساعدته على تشخيص أمراض النباتات وضبط كمية استعمال المبيدات في مختلف المراحل من الزرع إلى الإنتاج.
زراعة المستقبل
أما عبدالكريم نعمان، خبير زراعي ورئيس مؤسسة نالسيا للتنمية والبيئة والعمل الاجتماعي، فقال في حديث مع "العين الإخبارية"، إن العالم يشهد موجة جفاف وعطش حادة نتيجة تقلبات المناخ جراء الاحتباس الحراري، مستدلا بما يحدث في شمال أفريقيا وشمال البحر الأبيض المتوسط، وكذلك بعض دول الشرق الأوسط. وأضاف نعمان، أن شح المياه الجوفية والسطحية بات يتطلب اعتماد حلول منها، حلول تقنية أو استعمال التكنولوجيا الحديثة في ميدان الزراعة من أجل الحفاظ على الأمن الغذائي وإنقاذ حياة السكان، لأنه بحلول 2040 و2050 يجب على العالم القضاء على المجاعة باعتماد التكنولوجيا كوسيلة للزراعة الذكية التي يعتبرها زراعة المستقبل.
وأفاد نعمان بأنه بصفته خبيرا زراعيا بمنطقة الغرب قام بعدة تجارب وحلول ذكية من أجل الحفاظ على الماء وضمان الأمن الغذائي، مشيرا إلى أن الزراعة الذكية هي "الزراعة المستقبلية" التي ستساعد في استدامة قطاع الفلاحة.
وأوضح الخبير الزراعي، أن الزراعة الذكية تعتمد على اقتصاد الماء، ما يسهم في الحفاظ على البيئة ومواجهة تغير المناخ، مشيراً إلى أن الغرض من الفلاحة الذكية زيادة الإنتاج، عن طريق ترشيد الماء وبجودة عالية.
وأشار المتحدث إلى أن هناك عددا من الضيعات تعتمد على استعمال المياه بواسطة أجهزة ذكية منها الطائرات المسيرة التي تستعمل في مراقبة الضيعات واستشعار الأخطار البيئية من أجل معالجتها في الحين.
وفيما يتعلق بطرق الزراعة الذكية، يقول نعمان: هناك طريقة استعمال قياس الرطوبة من أجل معرفة عدد النباتات والجدور والأشجار كم تتطلب من كميات الماء دون إفراط.
وفي هذا الصدد، يؤكد أن طريقة استعمال "نقطة نقطة" يلوث الفرشة المائية، والري الكثير يفسد الأرض واستعمال الأسمدة بشكل مفرط يلوث التربة، وضبط مقياس الملوحة والمواد بيولوجية.
وأضاف: "خبراء بالمعهد الوطني للحبوب أنجزوا أبحاثاً وتوصلوا إلى أصناف من البذور تقاوم العطش، وذلك باعتماد تقنيات ذكية".
الحرث المباشر حل ناجع
ويرى الخبير ذاته، أن الزرع المباشر دون عملية الحرث أفضل حل، بدعوى أنه خلال عملية الحرث تتبخر الأرض، وتضيع كميات من الماء، لهذا يجب أن نستعمل الزرع المباشر باعتباره طريقة ناجعة في الزراعة الذكية.
وأكد نعمان، أن الفلاحة الذكية تلعب دوراً هاماً في الاقتصاد والتحكم في مصاريف الإنتاج، من خلال وضع تخطيط دقيق لكافة مراحل الإنتاج الزراعي بدءاً من الحرث مروراً بالزرع إلى الحصاد.
ومن جهة أخرى، تحدث نعمان عن تجارب الزراعة الذكية في الخضروات، خاصة الباذنجان والطماطم والبطاطس، باستعمال أصناف تقاوم العطش والأمراض الفطرية، وحياتها العمرية قصيرة لا تتجاوز 90 يوماً، بينما التي تتعدى 12O و150 يوما تستهلك كميات الماء بنسبة بأكبر.
ولم يفت نعمان، أن يشدد في هذا السياق على ضرورة تشجيع البحث العلمي في مجال إنتاج البذور، التي تكون مدتها 70 يوما لا تستهلك الماء والأسمدة، وتوعية الفلاحين من أجل استعمال أصناف زراعية مقاومة للعطش، بهدف تشجيعهم على زراعة ذكية مستدامة.
وذهب نعمان إلى أن الزراعة الذكية تساعد لا محالة على ضمان المائي والغذائي، وتبقى أنجع حل لأزمات الأمن الغذائي ومواجهة تحديات تغير المناح..
ومن جهتها، قالت نرمين زغودة، خبيرة تقنية متخصصة في إنتاج الشتلات المعتمدة، في اتصال مع "العين الإخبارية"، إن الفلاحة الذكية اليوم أصبحت تكتسح المجال الفلاحي، وذلك بالانتقال من الزراعة القديمة التقليدية إلى العصرية والذكية.
خفض الكلفة المالية
وأوضخت زغودة، أن خير دليل على أهمية الزراعة الذكية، هو أنه في السنوات السابقة، كان المزارعون يستعملون خلال وقت الحصاد وسائل بدائية تستزف الطاقة وتهدر الوقت والجهد.
وأضافت: "اليوم نستعمل آلات عصرية مثل الجرار الذكي، ويحرث عامل زراعي واحد هكتارات، وبالتالي نختصر الطاقة والجهد والمدة الزمنية تتقلص، والكلفة المالية تنخفض".
وتابعت: "أصبحنا اليوم نعتمد على زراعة ذكية لمواجهة تحديات تعير المناخ، كما نستعمل تقنية التنقيط حسب احتياجات النباتات من أجل الحفاظ على الماء.
وأما مصطفى بنرامل، الخبير في تغير المناخ، فأكد في اتصال مع "العين الإخبارية"، أن الزراعة الذكية اليوم توفر مزايا محددة لمختلف القطاعات الزراعية، حيث تمكن من استخدام أنظمة متصلة لمراقبة المزروعات منذ الزرع حتى الجني، كما أنها تحافظ على خصوبة التربة، وتحسين إدارة المستغلات الزراعية بشكل دائم سواء حضوريا بالمزرعة وحتى عن بعد حيث المزارع في بيته أو يقوم ببعض أغراض الحياة.
وأضاف بنرامل، أنه يمكن للمزارعين استخدام جزء من بيانات الأرصاد الجوية في الوقت الحقيقي لضبط تواريخ نصف النهائي والمسجلة، وتحسين استخدام الموارد، كما يمكن لمنتجي الفواكه والبقوليات التحكم في نضج المحصول ومنع الأمراض التي تصيب المزروعات وتحليل البيانات المتعلقة بها للاستخدام الأمثل لنوع المبيدات الكيماوية والكميات اللازمة.
جهود الحكومة
تبذل وزارة الفلاحة المغربية مجهودات كبيرة من أجل الانتقال من زراعة تقليدية تستزف المياه وتعطي محصولا ضعيفا، إلى فلاحة ذكية تعتمد ترشيد الماء وخفض الكلفة.
في هذا الصدد قال محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بمناسبة افتتاح النسخة الثالثة لأيام تكنولوجيا المعلومات في الفلاحة بمدينة مكناس، خلال السنة الجارية تحت شعار "التحول الرقمي في صلب تنزيل استراتيجية الجيل الأخضر"، إن الوزارة تبذل مجهوداً كبيراً لإنجاح استراتيجية التحول الرقمي في القطاع الفلاحي".
وشدد الوزير المغربي على ضرورة التحول الرقمي بالنسبة لجميع فاعلي سلسلة القيمة الفلاحية، علما بأن ورش الرقمنة في المغرب، تهدف إلى ربط مليوني فلاح بالخدمات الإلكترونية الفلاحية بحلول 2030.
وتابع: "مشروع الرقمنة يندرج ضمن المشاريع الأفقية لاستراتيجية الجيل الأخضر التي تهدف إلى جعل الفلاحة المغربية أكثر إنتاجية ومرونة وتنافسية في السوق الدولية، إلى جانب أنها مبتكرة وجذابة لمهنيي القطاع بشكل عام وللشباب والأجيال الناشئة من الفلاحين ورواد الأعمال على وجه الخصوص".