الذكاء الاصطناعي والزراعة.. غلال المستقبل واستدامة الغذاء
يمكن الاعتماد على عدة طرق يتم من خلالها استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدة البيئة ومواجهة تداعيات تغير المناخ.
ويقول الخبراء إن الذكاء الاصطناعي (AI) يتمتع بحضور متزايد في أتمتة (استخدام التقنية لضمان التنفيذ السليم للتعليمات) الطريقة التي يعيش بها البشر حياتهم - ومن المقرر أن يلعب دورًا محوريًا في الجهود الجبارة للتخفيف من تغير المناخ والحفاظ على البيئة.
وعلى ذلك فإن قدرات الذكاء الاصطناعي توفر فرصا هائلة لاستكشاف التربة وفرص تحسين الكفاءة والاستدامة في الزراعة ومواجهة الصناعة الزراعية لتحديات تغير المناخ، وزيادة الطلب على الغذاء مع زيادة عدد سكان الأرض.
وتقول كارين بانيتا، أستاذة علوم الكمبيوتر وعميد التعليم العالي في كلية الهندسة بجامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية: "يساعدنا الذكاء الاصطناعي على استكشاف وشرح وتوسيع معرفتنا بالكون".
وبالخوض أكثر في استخدامات تقنية الذكاء الاصطناعي تتسع دائرة الاستخدام لتحسين جودة الزراعة وخفض الانبعاثات الكربونية الضارة، في عمليات مثل إدارة الآفات والأمراض وتحسين نوعية ونمو المحاصيل والتنبؤ بالإنتاج.
التربة والمحاصيل
تدعم تقنيات الذكاء الاصطناعي والطائرات بلا طيار عمليات فحص المزروعات واكتشاف التربة وبيئة الإنبات وتطويرها وعلاجها في بعض الأحيان، كما تتداخل الآلات الذكية في التنبؤ بحالة المحاصيل وتوجه عمليات الري والتسميد والحصاد.
وترتبط نتائج استخدام الذكاء الاصطناعي بعمليات ملاءمة لبيئة مستدامة بالمساعدة في توفير الوقت والجهد وخفض تكاليف العمليات التشغيلية وتحسين القرارات المتعلقة بالزراعة والحصاد.
وفيما يتعلق باستكشاف التربة على سبيل المثال، منحت شركة "Google" 5 ملايين دولار لمركز وودويل في الولايات المتحدة لأبحاث المناخ لدعم تطوير مورد مفتوح الوصول يسمح للمقيمين في القطب الشمالي بتتبع ذوبان الجليد الدائم في الوقت الفعلي.
وستجمع أداة التتبع بين تكنولوجيا الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي لتوفير معلومات محتملة منقذة للحياة للسكان الذين قد تكون منازلهم على وشك الانهيار مع الأرض التي تحتها، بحسب آنا ليلجيدال، العالمة المشاركة في مركز وودويل لأبحاث المناخ.
يأتي استكشاف البيئات القاسية مثل القطب الشمالي عبر التقنيات الحديثة لمعالجة عجز طرق الاستشعار عن بعد التقليدية المطبقة على صور الأقمار الصناعية، حيث يتم استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي المشابهة للتعرف على الوجه لرسم خريطة لمضلعات الجليد تحت الأرض - وهي ميزات لن تتمكن الأقمار الصناعية من التقاطها – كما يتم بشكل مشابه استحداث طرق لكيفية اكتشاف الأنهار الجليدية المتدهورة.
استكشاف التربة في القطب الشمالي يأتي في مواجهة تداعيات التغير المناخي بعد أن ارتفعت درجة حرارة القطب الشمالي بمعدل أربع مرات أسرع من بقية أنحاء الأرض منذ عام 1979، وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة "Communications Earth & Environment" في عام 2022.
وفي حين أن كل هذا الانصهار يعرض أنواع القطب الشمالي للخطر ويزيد من احتمالية التلوث والكوارث البيئية مثل الشحن قال باحثون إن الممرات التي كانت تغلق بالجليد تفتح، كما أنها تعرض أرواح البشر للخطر.
وتقول ليلجيدال: "مع التربة الصقيعية، علينا أن ننظر إلى الإشارات غير المباشرة لأنها مخبأة في الأرض"، مشيرة إلى " ذوبان التربة الصقيعية كان شديدًا للغاية في بوينت لاي في شمال غرب ألاسكا، حيث تحولت خطوط المياه الموجودة في الأرض وانكسرت".
ستسمح تلك الأداة (تقنيات الذكاء الاصطناعي" للمجتمعات التي تعيش في التربة الصقيعية القطبية الشمالية بالتخطيط بشكل مناسب لسلامة السكان وتمكين صانعي السياسات من اتخاذ قرارات أفضل بشأن أنواع الأهداف التي يجب على الدول تنفيذها للقضاء على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الانبعاثات التي يتم تتبعها حاليًا من قبل اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة لا تأخذ في الحسبان الانبعاثات التي يتم إطلاقها بسبب سقوط التربة الصقيعية في القطب الشمالي، مما يجعل تتبع الذوبان أكثر أهمية، على حد قول ليلجدال.
الإمداد الغذائي العالمي
تعد الصناعة الزراعية من أكثر الأنظمة كثافة في العمالة - والأكثر أهمية - في العالم، ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
ومن المتوقع أن تتعرض الإمدادات الغذائية في العالم للخطر بسبب زيادة الأحداث المناخية القاسية مثل الفيضانات الشديدة والجفاف المطول وموجات الحرارة وحتى زيادة مسببات الأمراض النباتية التي يمكن أن تؤدي إلى تدمير واسع النطاق للمحاصيل، كما يقول الخبراء.
في المقابل تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي البشر في ترشيد استخدام الموارد كالمياه والأسمدة والطاقة ومراقبة وتحليل البيانات مثل رطوبة التربة ودرجة الحرارة ومستويات الإضاءة لتحسين إنتاج المحاصيل وتقليل النفايات مما يؤدي إلى تحسين الاستدامة، لتحقيق الضمانة والسلامة اللازمتين لإمدادات سلاسل الغذاء العالمية.
وحسب التجارب فإن الأنظمة الزراعة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكنها تحسين استخدام المدخلات الزراعية مثل المياه والأسمدة، مما يساعد على تقليل التلوث وتحسين جودة المياه.
يقول جاك كورنيل، مدير التوريد المستدام لمجلس فول الصويا المتحد (الهيئة الحاكمة لبرنامج فحص السلع الأمريكية لفول الصويا): "إذا كنت تفكر في صناعة هي الأكثر تأثراً بتغير المناخ، فمن المحتمل أن تكون الزراعة هي المكان الرائد".
ويشير إلى أن الذكاء الاصطناعي سيساعد في مكافحة هذه الضغوطات وجعل زراعة الطعام أكثر كفاءة مع تقليل بصمته الكربونية، معتبرا أنه أحد أكبر الطرق التي سيساعد بها الذكاء الاصطناعي في تقليل الآثار الضارة للزراعة على الجماهير هي تحديد متى وأين يتم وضع الأسمدة؟
ويلخص كورنيل تلك الفائدة بمثال في التعاطي مع الأسمدة الزراعية قائلا "سيتمكن المزارعون الذين قادوا جرارات في السابق لمدة أربع ساعات، ووضعوا الأسمدة أثناء ذهابهم، الآن من استخدام تقنية التوجيه التلقائي التي تقودهم إلى المكان المحدد الذي يحتاج إلى السماد بدلاً من ذلك ، مما سيمنع قلة استخدام المادة أو الإفراط في استخدامها."
وتأتي تقنية المعدل المتغير كعملية تعتمد الذكاء الاصطناعي لتحديد مقدار زيادة أو تقليل الأسمدة بناءً على النمذجة الحاسوبية للتربة وخرائط الغلة، كما ستسمح للمزارعين بتحديد مقدار تقليل أو زيادة الأسمدة بناءً على حالة التربة.
ويمكن أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي لبناء النماذج التنبؤية وتحليل بيانات التنبؤات الجوية وعائدات المحاصيل التاريخية للتنبؤ بغلة المحاصيل المستقبلية وتحديد الاستراتيجيات المثلى لمحاصيل ناجحة.
وبخلاف التربة والأسمدة يدعم الذكاء الاصطناعي الأنظمة الذكية للكشف عن الآفات، ومراقبة المحاصيل بحثًا عن علامات الآفات والأمراض، كما تكتشف هذه الأنظمة التغيرات في البيئة، مثل درجة الحرارة والرطوبة ومغذيات التربة، لتوفير البيانات اللازمة لدعم المزارعين وزراعاتهم واتخاذ تدابير وقائية قبل أن تتسبب الآفات في أضرار جسيمة.
كما يتم تطوير الآلات الذكية للكشف عن الآفات والقضاء عليها باستخدام المبيدات الحشرية المستهدفة، تعتبر هذه الطريقة أكثر فعالية من الرش الشامل ويمكن أن تساعد في تقليل كمية المبيدات الحشرية المستخدمة في الحقول.
الأغذية المستدامة
تعهدت رئاسة COP28 بتقديم أغذية مستدامة في مؤتمر المناخ، وأكد الدكتور سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي الرئيس المعيّن لمؤتمر الأطراف COP28، على ضمان توافر خيارات غذائية نباتية ميسورة التكلفة ومغذية.
ويتوافق استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحقيق الزراعة المستدامة مع التوجهات المناخية العالمية الرافضة للاستخدام الكثيف للحوم، ما دفع الأمم المتحدة للإعلان أنها ستقدم في الغالب طعامًا نباتيًا في مؤتمر تغير المناخ (COP28) في دبي.
هذا القرار التاريخي هو الأول من نوعه بالنسبة للهيئة الحكومية الدولية، ويأتي بعد سنوات من الحملات التي قام بها نشطاء نباتيون، بالتزامن مع عام الاستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة، تعد هذه الخطوة بمثابة اعتراف قوي بتأثير صناعة الزراعة الحيوانية على تغير المناخ.
وفي رد على رسالة من نشطاء يطالبون بأن تكون ثلاثة أرباع قائمة هذا العام على الأقل نباتية، أكد رئيس COP28 الدكتور سلطان الجابر قرار المؤتمر بالمضي قدمًا في ذلك.
الرسالة التي تم التوقيع عليها أبريل/نيسان الماضي بالاشتراك مع دائرة الشباب والأطفال التابعة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (يونجو) وأكثر من 140 منظمة من الشباب ومنظمات المجتمع المدني، الذين تعاونوا مع مجموعة المناصرة ""ProVeg International بصرف النظر عن المطالبة بقائمة نباتية في الغالب، دعت الرسالة أيضًا إلى أن تكون من مصادر إقليمية (حيثما أمكن ذلك) وشاملة ثقافيًا.
وقال الجابر في رده: "تركز رئاسة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف بشدة على العمل التحويلي في النظم الغذائية ضمن أجندة تغير المناخ العالمي الأوسع، كجزء من هذا، نعتزم إظهار نظم غذائية مستدامة في العمل في COP28 نفسه، يعمل فريقي على ضمان توافر خيارات غذائية نباتية ميسورة التكلفة ومغذية ومن مصادر محلية وإقليمية، مع وضع ملصقات واضحة للانبعاثات".
وعلى الرغم من الجدل، تم الترحيب بقرار COP28 من قبل نشطاء البيئة ومجموعات الدفاع النباتية، ويتماشى ذلك مع ثقة المستهلك في دولة الإمارات العربية – 44٪ من سكانها منفتحون على استبدال اللحوم ومنتجات الألبان ببدائل نباتية.
ومع تطور الصناعة الزراعية بسرعة مع إدخال تقنيات جديدة، يساهم الذكاء الاصطناعي في نجاح إدارة المحاصيل والغلال بهدف تحسين الاستدامة البيئية، كبديل حيوي لمنتجات الصناعة الحيوانية التي تنتج ضعف الانبعاثات التي تنتجها الصناعة الزراعية.
وخلال السنوات القادمة سيلعب الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في الزراعة الدقيقة ويساعد في جعل الممارسات الزراعية أكثر استدامة.