المحاصيل المعدلة وراثياً.. معالجة مزدوجة لتحدي "الغذاء والمناخ" في أفريقيا
محاصيل التكنولوجيا الحيوية منعت 23.6 مليار كيلوغرام من الكربون في 2020
الجوع ونقص التغذية ينتشران في الكثير من أنحاء العالم، إلا أن دول أفريقيا من أكثر المناطق معاناة.
أكثر من 340 مليون أفريقي يعانون من نقص التغذية وانعدام الأمن الغذائي الشديد بين عامي 2014 و2020، حسب منظمة الصحة العالمية، وأهم عوامل هذا النقص في الجفاف وندرة المياه وانخفاض الإنتاجية للمحاصيل الزراعية وهو ما دفع البعض إلى أن يعتبر المحاصيل المعدلة وراثيًا حل جيد لهذه المعضلة في القارة السمراء، خاصة وأن العلماء أكدوا أن التكنولوجيا المعدلة وراثيًا تزيد الغلة، وتوفر أنواعا مقاومة للأمراض، وتخلق أصنافًا يمكنها تحمل الجفاف وموجات تغير المناخ.
وهذه التكنولوجيا التي يرفضها أنصار البيئة وتؤيدها شركات التكنولوجيا الحيوية، يعتبرها العلماء أحد الحلول القوية لمعالجة قضية مزدوجة" الغذاء والمناخ" !
ووفقا لبحث لـ" كريستوفر ج. م. ويتي" نشًر في مجلة nature، "فخلال الخمسين عامًا الماضية، أسهمت أصناف المحاصيل المحسَّنة في زيادة بنسبة 1 % سنويًّا في الإنتاجية الزراعية عالميًا، وبشر بأن أصناف المحاصيل الجديدة سيكون لها دور كبير ـ في الدول النامية بصفة خاصة ـ في مواجهة تحدي إطعام أعداد السكان المتنامية، وفي مواجهة التغير المناخي، بجانب الاستخدام الأمثل للمياه والأسمدة، وتحسين إدارة التربة والمحاصيل، وكذلك تحسين البنية التحتية للتخزين والنقل".
يعمل البشر على تحسين جودة المحاصيل منذ آلاف السنين، لكن في الغالب من خلال التربية التقليدية، حيث يتم تشجيع السمات المهمة واختيارها وانتقالها من جيل إلى آخر، وفي 2003، كان سبعة ملايين مزارع يستخدمون محاصيل التكنولوجيا الحيوية، أكثر من 85 % كانوا ينحدرون من البلدان النامية.
عادة ما يستغرق التكاثر التقليدي من 10 إلى 15 عامًا، عادة ما يكون التحول في مجال الهندسة الوراثية أقل من خمس سنوات، ولكن نظرًا للوائح الصارمة الخاصة بالتسويق خاصة في الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لأفريقيا، كانت معظم المحاصيل المعدلة وراثيًا في طور الإعداد منذ عقود.
تجارب أفريقية
لكن التكنولوجيا مثيرة للجدل، في أفريقيا، فقط نيجيريا، وإسواتيني، وإثيوبيا، وملاوي، والسودان، وجنوب أفريقيا وكينيا، تسمح بالإنتاج التجاري واستيراد المنتجات المعدلة وراثيًا، بينما هناك دول أفريقية أخرى تعارض هذه التكنولوجيا الجديدة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى موقف الاتحاد الأوروبي بشأن المنتجات المعدلة وراثيًا، والقدرة العلمية المحدودة، والتكلفة العالية للتنظيم.
في مصر، كشف رئيس اللجنة الزراعية بمجلس النواب، هشام الحصري، في وقت سابق من العام الحالي، دراسة البذور المعدلة وراثيًا لزيادة إنتاجية الحبوب وتقليل الواردات؛ حيث تعاني مصر من أزمة إمدادات القمح بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، باعتبارها من أكبر مستوردي القمح في المنطقة، ويتم تنفيذ تجارب للمحاصيل المعدلة وراثيا كالقمح والأرز على نطاق محدود للغاية للحصول على سلالات محسنة أكثر إنتاجية.
وتحظر مصر استيراد وزراعة بذور الكائنات المعدلة وراثياً، ولكنها تسمح باستيراد فول الصويا والذرة المعدلة وراثيًا والتي تمت الموافقة عليها من بلد المنشأ، وخاصة من الولايات المتحدة.
وفي كينيا فقد تم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رفع الحظر عن زراعة واستيراد المحاصيل المعدلة وراثيًا وسط أسوأ جفاف منذ 40 عاماً وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهذا يشمل الذرة البيضاء، السلعة الرئيسية في البلاد.
بينما تراجعت كل من مصر وبوركينا فاسو، اللتين قامتا بتسويق الذرة والقطن المعدلين وراثياً في عام 2008، بتراجعهما عن المعدل وراثيًا بسبب علاقتهما التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
في عام 2013، قاد Ademola Adenle، أستاذ زائر لعلوم الاستدامة، بجامعة الدنمارك التقنية، أكبر دراسة في تاريخ الزراعة المعدلة وراثيًا في أفريقيا، وقدم منظورات جديدة بشأن حالة المحاصيل المعدلة وراثيا وتطويرها وتنظيمها، من خلال آراء 305 ممن لهم علاقة بهذا المجال في ستة بلدان أفريقية.
في الدراسة، قام Adenle وهو من أصل إفريقي، وفريقه بتطوير إطار عمل لتبني المحاصيل المعدلة وراثيًا والتي أطلقوا عليه اسم "الألياف الغذائية" (F-3)، حيث يعتمد إطار F-3 على القطن المعدل وراثيًا (الألياف) أولاً، يليه الأعلاف المعدلة وراثيًا للماشية، ثم الأغذية المعدلة وراثيًا.
تجارب ميدانية في 30 دولة أفريقية
ساعد إطار العمل أكثر من 30 دولة أفريقية على إجراء تجارب ميدانية على المحاصيل المعدلة وراثياً، تشمل المنتجات المعدلة وراثيًا التي تخضع للبحث والتطوير الكسافا والبطاطا المدعمة بفيتامين أ، والموز البكتيري المقاوم للذبول والذرة الموفرة للمياه ، من بين منتجات أخرى.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أرسلتا الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) بذورا إلى الفضاء لتطوير محاصيل جديدة قادرة على التكيّف مع ويلات تغيّر المناخ ، وعلق شو دونيو، مدير عام منظمة الفاو: "يحتاج ملايين المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة في العالم بشكل عاجل إلى بذور قادرة على الصمود وعالية الجودة تتكيف مع ظروف الزراعة الصعبة بشكل متزايد."
حتى الآن، فقد تم إطلاق أكثر من 3,400 نوع متحور من أكثر من 210 أنواع من النباتات رسميا للاستخدام التجاري في 70 دولة، وهي نباتات تم تطويرها باستخدام التباين الجيني المستحث والتكاثر الفطري – بما في ذلك العديد من المحاصيل الغذائية ونباتات الزينة والأشجار.
وعد المحاصيل المعدلة وراثياً
تساهم التكنولوجيا بالفعل في الأمن الغذائي العالمي، وحسب تقرير صادر عن الخدمة الدولية لاقتناء تطبيقات التكنولوجيا الحيوية الزراعية يعزو الفضل في استخدام التكنولوجيا المعدلة وراثيًا للإنتاج العالمي لـ 330 مليون طن من فول الصويا و595 مليون طن من الذرة على مدى السنوات الـ 25 الماضية.
أدى اعتماد التكنولوجيا المعدلة وراثياً بين الأسر المنتجة للقطن في الهند إلى تقليل انعدام الأمن الغذائي بنسبة 15% -20% بين عامي 2004 و 2008.
أظهرت الأبحاث في القيمة المكتسبة من زراعة المحاصيل المعدلة وراثيًا أن 65% من المكاسب جاءت من زيادة الغلة والإنتاج و35% من انخفاض التكاليف.
وحسب مجلة " نيتشر"، فلم يكن ممكنـًا إنتاج "الأرز الذهبي" ـ وهو صنف معدَّل وراثيًّا، غني بفيتامين (أ) ـ دون استخدام تكنولوجيا تحوير الجينات، فتناول 150 جرامًا من الأرز المطهو يوفر للصينيين 60% من النسبة الصحية المطلوبة من فيتامين (أ) للأطفال من 6 إلى 8 سنوات5، إلا أنه لم يتم حتى الآن اعتماد الأرز الذهبي لزراعته على نطاق واسع في أي دولة غير الصين والفلبين، ولهذا، لم يتم بعد اختبار التأثير على الصحة البشرية".
ويتمتع المزارعون في البلدان النامية بأكثر من نصف مكاسب القيمة العالمية البالغة 186.1 مليار دولار منذ منتصف التسعينيات، في 2019، كانت البرازيل والأرجنتين والهند وباراجواي والصين من بين الدول العشر التي زرعت معظم المحاصيل المعدلة وراثيًا في العالم.
تقدم التكنولوجيا المعدلة وراثياً أيضاً محتوى مغذيات أعلى في المحاصيل، على سبيل المثال، نجحت تجربة البطاطا الحلوة المدعمة بيولوجيًا ببروفيتامين أ في موزمبيق، وتم قبول المنتج من قبل الأطفال الصغار، يحتمل أن يحسن صحة الطفل.
وقد أوصت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في 2005، بأن أي انتشار رشيد للمحاصيل المعدلة وراثيا يتطلب أن يشمل عملية التنمية التكنولوجية برمتها، وصولا لمراقبة ما بعد الانتشار.
فوائد بيئية
وكما يقول د.نبيل صبحي فرج، الأستاذ بمعهد بحوث امراض النباتات، في مركز البحوث الزراعية بمصر، إن التعديل الوراثي لا غنى عنها في مجال الزراعة التطبيقية، في ظل التغيرات المناخية المشهودة في الوقت الحالي وآثارها السلبية المتوقعة على الإنتاج الزراعى مستقبلًا، مما يستدعى سرعة البحث عن البدائل العلمية سريعة النتائج تماشيًا مع تغير الظروف البيئية، إلا أن ذلك لا يعنى غض النظر كليًّا عن الطرق التقليدية الأولى".
وقد أظهرت المحاصيل المعدلة وراثيًا فوائد بيئية من خلال تقليل غازات الاحتباس الحراري واستخدام مبيدات الآفات في البلدان المتقدمة، على سبيل المثال، اقترحت دراسة أجريت عام 2020 أن التكنولوجيا المعدلة وراثيًا في جميع أنحاء العالم منعت انبعاث 23.6 مليار كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون، هذا يعني أن التكنولوجيا يمكن أن تساعد في معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري.
وعن دور هذه المحاصيل في مواجهة تغير المناخ، يؤكد د.رفعت جبر، رئيس قسم التقنية الحيوية بجامعة القاهرة، أنها مقاومة للآفات والحشرات، ولا تحتاج إلى المبيدات، مما يقلل من انبعاث غازات الاحتباس الحراري الناتج من آلات الرش المستخدمة، كما أن الهندسة الوراثية للمحاصيل تساهم في تحقيق الأمن الغذائي عن طريق مجموعة من العمليات والتطبيقات الحيوية لتحسين الصفات الوراثية وزيادة الإنتاجية بما يحقق الكفاية الإنتاجية، ونتيجة لذلك يزيد المعروض ويقل سعر المحاصيل ويتحقق الأمن الغذائي.
معوقات المحاصيل المعدلة وراثيا في أفريقيا
على الرغم من هذه الفوائد، لم يتم تبني المحاصيل المعدلة وراثيًا على نطاق واسع في أفريقيا، لا تزال الجهود المبذولة لإنشاء وتسويق المنتجات المعدلة وراثيًا تواجه معارضة شديدة، أوغندا ونيجيريا، على سبيل المثال، تواجهان أنظمة صارمة، وقدرة بحثية محدودة ومخاوف تتعلق بالسلامة، وأدت المخاطر المحتملة للمحاصيل المعدلة وراثيًا إلى مراجعة وتعديل القوانين المعدلة وراثيًا.
إلا أن الموقف القانوني عالميًا لهذه التكنولوجيا حسب رأي جبر بجامعة القاهرة، لا زال يواجه انقساما كبيرا بين أصحاب بتني مبدا التكافؤ الجوهري كنقطة انطلاق عند تقييم السلامة، أو زراعة الكائنات المحورة وراثيا على أساس دراسة كل حالة على حدة.
aXA6IDMuMTM4LjEyMS43OSA=
جزيرة ام اند امز