ثورة خضراء جديدة بمحاصيل تتحدى الملوحة.. هل تضمن مستقبلنا الغذائي؟
رغم الأبحاث الكثيرة والمتنوعة، إلا أنه تم إطلاق عدد قليل جدًا من المحاصيل التي تتحمل الملوحة للاستخدام التجاري.
ومازالت هناك حاجة للمزيد من الجهود لتقديم محاصيل تتحمل الملوحة للمزارعين.
في مراجعة شاملة لتحسين تحمل الملح لدى النباتات، تجادل "فانيسا ميلينو" وزميلها "مارك تيستر" الباحثان في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية السعودية بأن السبب الرئيسي وراء عدم ترجمة التقدم البحثي إلى أصناف محاصيل تجارية تتحمل الملوحة وتقديمها للمزارعين هو أن ذلك لم يكن أولوية بالنسبة للمزارعين ومُربي النباتات.
ولكن مع تزايد تأثيرات تغير المناخ بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، والعواصف العاتية التي تجبر مياه البحر على إغراق الأراضي الساحلية، أصبحت الحاجة لزيادة تحمل المحاصيل للملوحة أكثر إلحاحًا، وبالتالي ستتغير الأولويات.
يقول الباحثان إن هناك حاجة إلى مزيد من الجهود لتقديم إنجازات بحثية لتحسين أداء المحاصيل في المناطق المتأثرة بالملوحة. ويقول "تيستر" الذي شارك بعد سنوات من البحث عن النباتات التي تتحمل الملوحة في تأسيس شركة "ردسي" (RedSea)، وهي شركة تنتج المحاصيل باستخدام المياه المالحة في بيئات شحيحة المياه: "نحن بحاجة إلى إعادة تقييم التقنيات القديمة، مثل تطعيم المحاصيل الحالية بجذور هجينة تتحمل الملوحة."
وأضاف: "ويمكن إنتاج المحاصيل المستقبلية من خلال تدجين الأنواع البرية التي تتحمل الملوحة - وهو نهج ممكن في حياتنا".
زيادة الملوحة في مياه الري هو تهديد آخر، فمع نضوب المياه الجوفية، تنخفض جودة التربة وتزداد ملوحتها.
ويقول "تيستر": "أي شيء يمكننا القيام به لتقليل استخدام المياه الجوفية لإنتاج الغذاء، بما في ذلك استخدام المياه قليلة الملوحة بدلاً من المياه العذبة في النظم الزراعية، سيزيد من استدامة إنتاج الغذاء".
وفي حين ركزت الكثير من أبحاث تحمل الملوحة على الحبوب، يشجع الباحثان على استهداف مجموعة واسعة من النباتات - خاصة المحاصيل ذات القيمة الغذائية العالية، مثل الفاكهة والخضروات.
وقال الباحثان إن هناك حاجة لبذل مزيد من الجهود لتقديم إنجازات الأبحاث لتحسين أداء المحاصيل في المناطق المتأثرة بالملوحة.
سد الفجوة
يعتقد الباحثان أن عدم إحراز تقدم في تطوير الأصناف المقاومة للملوحة يرجع إلى تركيز مربي النباتات على زيادة الغلات إلى الحد الأقصى، مما يعني أنهم يستهدفون زيادة النسبة المئوية في البيئات عالية الإنتاجية.
وعلى الرغم من أن البيئات ذات الإنتاجية المنخفضة يمكن أن تغطي مساحات كبيرة من الأرض، فإن الزيادات المئوية في هذه البيئات تؤدي إلى زيادة النسبة المئوية في الناتج القومي.
ويشير الباحثان إلى أن المزارعين الذين يعيشون في الأراضي الفقيرة لا يزالون بحاجة إلى الحفاظ على غلات جيدة، وفي هذه العملية، فإنهم يقدمون مساهمات كبيرة في الأمن الغذائي الوطني والعالمي.
وخلص الباحثان إلى أنه "حتى لو كانت الزيادات في الغلات متواضعة، فإن فرصة تقليل الضغط على احتياطيات المياه العذبة من خلال القدرة على استخدام المياه قليلة الملوحة يمكن أن تسهم بشكل كبير في تقليل الأثر البيئي للإنتاج الزراعي".
استخدام النباتات البرية
بالنسبة لبعض المحاصيل، فإن استخدام أقاربها من الأنواع البرية التي يمكنها التهجين مع تلك المحاصيل سيكون خيار ا واعدا. وستستفيد محاصيل مثل القمح، التي لها تباين طبيعي محدود نسبيًا في تحمل الملوحة، من تلك التهجينات الواسعة.
ويمكن للمحاصيل الأخرى، مثل الطماطم، التي تتمتع بقدرات جيدة على التهجين مع الأقارب البرية، استغلال هذه الفرص أيضًا.
وتقدم الأدوات الجينية الحديثة وسيلة لجلب صفات تحمل الملوحة من الأقارب البرية للمحاصيل البعيدة، أو حتى لتدجين الأنواع البرية التي تتحمل الملوحة.
ولكن ضعف تباين المحاصيل في قدرتها على تحمل الملوحة يُصَعب التعامل مع هذه المشكلة. ومن المعروف أن علم الوراثة الجزيئي لعب دوراً كبيراً في فهم كيفية حدوث تحمل الملوحة عند النباتات، ولكن كان هناك تركيز ضئيل على تطبيق تلك المعرفة لصالح مشكلة زيادة الملوحة بالتربة.
ويجب استخدام استراتيجيات متعددة لتطوير محاصيل تتحمل الملوحة، بما في ذلك: التهجين بين الأنواع القريبة، وتدجين أنواع برية تتحمل الملح، واستعمال أدوات الهندسة الوراثية الحديثة وأدوات التحرير الجينومي.
ولكن يتطلب الأمر دمج إنجازات علم النبات والوراثة والهندسة الزراعية وإدارة التربة للتصدي بنجاح لتغير المناخ وارتفاع مستوى مياه البحر.
وسيساعد تطوير المحاصيل التي تتحمل الملوحة المزارعين في المناطق المتأثرة بالملوحة، ولكن ستكون له فوائد إيجابية أكبر من حيث توفير المياه العذبة وضمان الأمن الغذائي في المستقبل. وقالت "ميلينو"، التي تقود الأبحاث في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في مجال مقاومة الملوحة "سيتطلب هذا تحولًا نموذجيًا بعيدًا عن المحاصيل التي نعرفها لتطوير محاصيل جديدة من النباتات البرية القادرة على الازدهار في البيئات القاسية".
التحديات الرئيسية
يتمثل أحد التحديات الرئيسية لتدجين المحاصيل الجديدة في الحاجة إلى التغلب على الضغوط الانتقائية المتعارضة في كثير من الأحيان على النباتات والمحاصيل البرية. ويجب أن تكون النباتات البرية شديدة الاستجابة للتغيرات في بيئتها المحلية لأنها تتنافس مع الأنواع النباتية الأخرى، وترعى الحيوانات وتتأثر بالأمراض.
وتوضح "ميلينو"، أن "الخطوة الأولى لاختيار أي محصول بري بالنسبة للتدجين هي خطوة حاسمة وتتضمن التقاط أكبر قدر ممكن من التنوع الجيني". ويجب بعد ذلك فحص هذه المدخلات لمعرفة المحصول وخصائص الجودة وغيرها من الاتجاهات الهامة للتدجين في البيئات المالحة.
توصيات
تظهر نتائج هذه الدراسة أنه يجب على الحكومات والمنظمات ومربي النباتات وضع تطوير المحاصيل التي تتحمل الملوحة كأولوية رئيسية. ويجب إيلاء اهتمام أكبر لتطوير المحاصيل الغذائية عالية القيمة الغذائية مثل الفواكه والخضار لتتحمل الملوحة.
ويجب إجراء المزيد من الأبحاث حول الطرق المتعددة لتطوير محاصيل تتحمل الملوحة، مثل الهندسة الوراثية وتدجين النباتات البرية. كما يجب زيادة التمويل لمشاريع البحوث الرامية لتطوير محاصيل تتحمل الملوحة باستخدام أحدث التقنيات.
كما يجب على المنظمات الدولية والإقليمية العمل على نقل المعرفة والتكنولوجيا لتطوير محاصيل جديدة تتحمل الملوحة بين البلدان. ويجب أن تتعاون البلدان لتقاسم أحدث التقدم في تطوير المحاصيل التي تتحمل الملوحة وكذلك بذور المحاصيل الجديدة.