كيف تغلب «أحمد عدوية» على الصعوبات ليصبح «ملك الأغنية الشعبية»؟
توفي أمس الأحد، 29 ديسمبر/كانون الأول، المغني الشعبي الشهير أحمد عدوية، صاحب الصوت الفريد الذي لن يتكرر، بأصالته المصرية وروحه الخفيفة التي كانت قريبة من وجدان الشارع المصري.
"زحمة يا دنيا زحمة.. زحمة وتاهوا الحبايب"، بكلمات بسيطة تلتقطها آذاننا في يوم عادي، أو نرددها في يوم آخر، استطاع أحمد عدوية أن يُنصت إليه الجميع، سواء كان "الغفير أو الوزير". إذ ينطبق عليه التعبير المصري الشائع: "لو قال ريان يا فجل هنتسلطن".
من هو أحمد عدوية؟
أحمد محمد مرسي العدوي، المعروف بـ"أحمد عدوية"، هو مطرب شعبي مصري وُلد في محافظة المنيا. تشير بعض المصادر إلى أن ميلاده كان في 4 يوليو/تموز 1943، بينما يؤرخ البعض الآخر ميلاده إلى 26 يونيو/حزيران 1945. عمل والده كتاجر مواشٍ، وكان أحمد هو الابن الثالث عشر بين أربعة عشر أخاً وأختاً.
على الرغم من انشغال والده، إلا أن موهبة عدوية في الغناء لفتت انتباهه. لم يكن الطفل أحمد يهرب من البيت أو المدرسة للعب كرة القدم أو مشاهدة الأفلام في السينما، بل كان يتسلل إلى الأفراح ليستمع إلى الموسيقى والموال والغناء.
حاولت أسرته أن تصرفه عن الغناء بكافة الأشكال، لكن الوقت كان قد فات، فكما هو شائع في قرى مصر، لكل فرد "نداهة"، وكانت نداهة عدوية هي الغناء. سار وراءها مسحورًا ليبدأ مسيرته الفنية.
كيف بدأت مسيرة أحمد عدوية؟
لم تكن مسيرة عدوية سهلة، إذ يلفظ الناس عادةً كل ما هو غريب، وإن بدا قريبًا من حياتهم اليومية. في عام 1973، فاجأ الجميع بهذا الصوت الذي يخرج من المحال والسيارات والبيوت مرددًا: "السح.. الدح.. إمبو". أذهلت غرابة الكلمات وجمال الصوت الجميع، لتسجل الأغنية مبيعات قياسية وغير متوقعة. لم يكن هذا النجاح مجرد صدفة أو حظ.
بدأ عدوية مسيرته من "قهوة التجارة" أو "الآلاتية" الواقعة بشارع محمد علي في القاهرة. تحول من ابن تاجر مواشٍ إلى صبي قهوة، ثم شيال للفرق الموسيقية، ليقترب أكثر من عالم الموسيقى الشعبية ويدبر معيشته.
بفضل عازف الكمان الشهير عبده داغر، ترقى عدوية سريعًا ليصبح "مزهرجي". بدأ الغناء في كورال موسيقي شعبي، ثم أصبح يعزف الرق. لكن نداهة الغناء لم تتوقف عن مناداته، فبدأ الغناء منفردًا في الأفراح والملاهي الليلية، حيث غنى طوال الليل ليحصل على أجر يومي قدره جنيه مصري فقط.
من مكتشف أحمد عدوية؟
آمن عبده داغر بموهبة عدوية، وساعده في بداياته. لكن كانت المحطة الأكثر أهمية في حياة عدوية حفل زفاف الفنانة "شريفة فاضل"، الذي أقيم عام 1972، ووجد عدوية نفسه يغني في هذا الزفاف، أمام عالم جديد من مشاهير الفن.
لينتبه جميع الحضور لصوت هذا الشاب النحيل، الذي سيصبح صوته فيما بعد نداهة لمنع يسمعه، وبالفعل يوقّع بفضل هذا الزفاف أول عقد مع ملهي "الأريزونا" في حي الهرم بالجيزة، ليبدأ عدوية مرحلة جديدة في حياته.
"يا دنيا عيب اختشي.. طبعك ردي كده ليه؟!" غنى عدوية هذا الموال، الذي كان سببًا في لفت الأنظار إليه. في الوقت الذي كان عاطف منتصر، صاحب شركة "صوت الحب"، قرر إنتاج إسطوانات للموال الشعبي؛ لإنقاذ مبيعات شركته، بعد أن نصحه الكاتب المصري مأمون الشناوي بذلك، والذي التقط وقتها أن الجمهور بحاجة إلى سماع لون شعبي، ليقع الاختيار على عدوية.
دندن عدوية من شدة فرحته "السح الدح إمبو" وتقرر "صوت الحب" إنتاج هذه الأغنية، لتغدوا تلك الأغنية محل خلاف حول من ملحنها، ومن كاتبها، لكن الثابت الوحيد أن الصوت الوحيد الذي غناها وحقق نجاحًا مبهراً هو صوت عدوية.
أهم أعمال عدوية
بفضل "السح الدح إمبو"، و"سيب وأنا أسيب"، "وزحمة يا دنيا زحمة"، انطلق عدوية نحو السينما، وشارك في أكثر من 25 فيلمًا مصريًا، أهمها فيلم "البنات عايزة إيه"، وفيلم "أنا المجنون"، ومن بين أشهر ما غنى:
- بنت السلطان.
- كركشنجي.
- راحو الحبايب.
- حبة فوق.
- كله على كله.
- سيب وأنا أسيب.
- سلامتها أم حسن.
في التسعينيات، ابتعد عدوية عن الساحة الفنية إثر أزمة صحية، لكنه عاد مرة أخرى وقدم أغانيه بتوزيعات جديدة.
زوجة أحمد عدوية وأبناؤه
في عام 1976، تزوج الفنان أحمد عدوية من السيدة ونيسة أحمد عاطف، التي توفيت في مايو/أيار الماضي، وفي لقاء سابق لها، قالت: "أصعب لحظة في حياتي حصلت لأحمد عدوية هي يوم الحادثة. أنا استقبلته يومها في المستشفى وما كنتش عايزة أسيبه وخايفة عليه، وفاكرة في اليوم ده كان فيه ست كبيرة فضلت ترقيه بالقرآن عشان أسيب إيده منه، محدش قادر ياخده مني".
وتابعت: "أنا اتهيألي إنه ميت، لا يمكن يكون حي. وكل تفكيري إنهم هياخدوه مني ويشرحوه ويسلموه لنا جثة متشرحة، لكن مكنتش عارفة إنه عايش".
أنجب عدوية من السيدة ونيسة ابنته وردة، وابنه محمد، المطرب المعروف.
آخر ظهور لأحمد عدوية
بعد غياب طويل، عاد عدوية مرة أخرى وقدم أغانيه بتوزيعات جديدة. في عام 2010، قدم دويتو "الناس الرايقة" مع الفنان اللبناني رامي عياش. لاحقًا، قدم دويتو آخر مع نجله محمد عدوية، كما غنى تتر برنامج الفرنجة في دويتو جمعه بالمغني أبو.
وكان آخر ظهور له، بحسب مصادر محلية، في حفل غنائي أقيم بمحافظة المنوفية. ظهر عدوية خلال الحفل جالسًا على كرسي بسبب معاناته من إصابة في القدم، وحرص على مشاركة ابنه محمد الحفل، مقدمًا العديد من الأغنيات.
وفاة أحمد عدوية ملك الأغنية الشعبية
بالنظر إلى من سبقوه ومن لحقوه ممن تغنوا باللون الشعبي، لن تجد لأحمد عدوية مثيلاً. فهو "ملك الأغنية الشعبية" الذي لن يتكرر. هذا اللقب لم يأتِ من فراغ، ولم يُخلق بين ليلة وضحاها. يقول الأديب نجيب محفوظ عنه:
"كنت معجبًا بأغانيه وصوته، وعندما سمع رأيي فيه، شكرني وأرسل لي مجموعة مسجلة من أغانيه. رأيي أنه امتلك صوتًا جميلًا قويًا. وصحيح أن أغانيه لم تحتوِ على معنى جاد، لكنها تناسبت مع المناخ العام، ولم أعتبره من رواد الموجة الهابطة أبدًا".
رحل أحمد عدوية بعد صراع طويل مع المرض، إذ تدهورت حالته الصحية قبيل وفاته. على الرغم من تكتم أسرته على نبأ رحيل زوجته، إلا أنه سرعان ما لحق بونيسة روحه في 29 ديسمبر/كانون الأول 2024. وكأن العام أصرّ على أن ينتهي بلحن حزين، لتودع الأغنية الشعبية أحد أهم أبطالها.
aXA6IDMuMTcuMTc1LjE2NyA=
جزيرة ام اند امز