أحمد تيمور باشا.. حافظ تراث العرب
أدوار الأسرة التيمورية تعود إلى لحظة تاريخية فاصلة في تاريخ مصر الحديث، ارتبطت بمشروع النهضة الذي أراده محمد علي باشا
تحل، الخميس 6 فبراير/شباط، ذكرى ميلاد العلامة أحمد بن إسماعيل بن محمد تنكور، الشهير بأحمد تيمور باشا، إذ ولد في مثل هذا اليوم من عام 1871.
ولولا الدور الذي لعبه "تيمور" وعائلته، لظلت معرفتنا بالتراث العربي قاصرة، فرغم أصول العائلة الكردية، فإنها أظهرت عناية فائقة بالتراث العربي، وقدمت وجوهاً ناصعة في مسيرة نهضة الثقافة العربية بين نهاية القرن 19، وأوائل القرن 20.
وتعود أدوار الأسرة التيمورية إلى لحظة تاريخية فاصلة في تاريخ مصر الحديث، ارتبطت بمشروع النهضة الذي أراده محمد علي باشا، حين اعتمد في إدارة دولته على عناصر من الأرمن والأكراد الذين وفدوا لمصر، بعدما شهدت منطقة الأناضول صراعات عرقية ومذابح ارتكتبها الدولة العثمانية.
وضم محمد علي الكبير إلى جيشه عناصر كردية موالية له، منها محمد الكاشف بن علي الكردي الأصل، برتبة كاشف، الذي لُقب بتيمور، وهو لفظ تركي بمعنى الحديد، وذلك لصلابته وشدته.
وجاء "الكاشف" وهو يحمل معرفة فائقة بعدة لغات، منها الكردية والفارسية، والتركية، وشارك في حروب محمد علي باشا التوسعية، واعتلى مناصب إدراية عليا، وعين محافظاً لعدة أقاليم كانت تابعة للإدارة المصرية.
وتقلد "الكاشف" بعد ذلك رئاسة دائرة الأمير محمد توفيق، ولي العهد، فأنعم عليه برتبة ميرميران، ولقب الباشا، وأصبح أبناء هذا الرجل فيما بعد هم أعمدة للأدب العربي في العصر الحديث،؛ ومنهم عائشة عصمت التيمورية، وأحمد تيمور.
وتلقى أفراد العائلة تعليماً استثنائياً، حتى بمقاييس العصر، فقد تعلموا اللغة الفارسية والعربية، إلى جانب الكردية، وأتقن أفراد العائلة علوم الصرف والنحو والعروض.
وبرعت عائشة، التي كانت من رائدات الحركة النسائية، في الشعر، وكتبت ديوانها الشهير "حلية الطراز"، ومجموعة قصصية هي نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال، ورواية بعنوان "اللقا بعد الشتات"، وكانت نصوصها السردية محاولة لتلمس بدايات فن السرد القصصي العربي بمعناه الحديث.
وبعد وفاة والدها، تحملت عائشة مسؤولية تعليم أخيها أحمد تيمور، وتعلم بفضل رعايتها اللغات ومبادئ العلوم في مدرسة مارسيل الفرنسية، ودرس العلوم العربية والإسلامية على يد الشيخ حسن الطويل.
وتزوج عام 1889 بخديجة بنت أحمد رشيد باشا، ناظر الداخلية، الذي كان صديقاً حميماً لوالده، ورزق منها بأولاده الـ3؛ إسماعيل ومحمد ومحمود، ثم توفيت عام 1899، ولم يتزوج تيمور بعدها.
وبفضل عمق معرفته بالتراث العربي، انتخب عضواً بالمجمع العلمي العربي بدمشق، وعضواً بالمجلس الأعلى لدار الكتب المصرية.
وتوقف الإنتاج الأدبي لـ"تيمور" بعد فقد ابنه محمد، فمرض ولازمته نوبات قلبية، انتهت بوفاته عام 1930.
ولا تزال مؤلفات تيمور واحدة من أهم مصادر التعرف على التراث العربي بعد أكثر من قرن على كتابتها، ومنها "الخزانة التيمورية"، التي وصلت إلينا بفضل لجنة نشر مؤلفاته، التي تشكلت عقب وفاته، وعُرفت بـ"لجنة نشر المؤلفات التيمورية".
وطوال حياته، جمع أحمد تيمور باشا مكتبة قيّمة غنيّة بالمخطوطات النادرة، ونوادر المطبوعات (نحو 19527 مجلداً و8673 مخطوطاً)، أهديت إلى دار الكتب بعد وفاته.
وأهم ما ميز تيمور أنه كتب بخطه على أغلب مخطوطات مكتبته، وكان يعد لكل مخطوط قرأه فهرساً بموضوعاته ومصادره، ولا تزال هذه الفهارس موجودة في قاعة المخطوطات بمبنى دار الكتب القديم بباب الخلق متاحة للباحثين وهي من كنوز الدار.
ومن بين كتبه التي تكررت طباعتها: "أعلام المهندسين في الإسلام"، "الآثار النبوية"، "ضبط الأعلام"، "لعب العرب"، "الأمثال العامية"، "الحب عند العرب"، "التصوير عند العرب".
كذلك من بين أعماله: "نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الأربعة"، "تصحيح لسان العرب"، "تصحيح القاموس المحيط"، "المنتخبات في الشعر العربي"، "تاريخ الأسرة التيمورية"، "ذيل تاريخ الجبرتي"، "الألفاظ العامية المصرية"، "قاموس الكلمات العامية"، ولا يزال الأخير أهم مصادر دراسة تطور العامية المصرية.