ظاهرة جديدة في عالم النشر: روايات أدبية بأسماء نجوم السينما
العنوان والغلاف يلعبان الدور الرئيسي في تسويق الكتاب، واتخاذ عناوين بأسماء نجوم على أغلفة الروايات قد يشكل ظاهرة تمتد لخارج مصر.
اعتادت دور النشر المصرية مع بداية العام الجديد إعلان عناوينها الجديدة قبل انطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي تأتي فعالياته عادة خلال شهر يناير/كانون الثاني، وبدا واضحاً هذا العام أن بعض دور النشر اختارت الترويج لمنشوراتها باختيار عناوين تعتمد على أسماء فنانين، وربما تظهر صورهم على أغلفتها، رغم كونها أعمالاً أدبية وليست فنية، وهو ما شكّل ظاهرة في عالم النشر.
وظهرت رواية "جنازة جديدة لعماد حمدي" للروائي وحيد الطويلة، وتظهر هذا الأسبوع 3 أعمال لمؤلفين آخرين منها "رجال غسان كنفاني" لعمرو العادلي، و"زيارة أخيرة لأم كلثوم" لعلي عطا، وأخيراً "صورة مع أنور وجدي" للكاتب أحمد عبدالمنعم رمضان، كما سبق ونشرت رواية "بليغ" عن الملحن بليغ حمدي العام الماضي.
"العين الإخبارية" سألت مؤلفي هذه الأعمال وبعض الناشرين لتفسير هذه الظاهرة الجديدة ودوافعها التسويقية، وما إذا كان لها أبعاد أخرى.
يؤكد الروائي وحيد الطويلة أنه بدأ هذه الموجة مع روايته السابقة "حذاء فلليني" التي ظهرت عن "دار المتوسط" قبل 3 أعوام.
وعن سبب اختيار هذا الاسم قال: "لا يوجد تفسير واضح لدي الآن، وقد يكون السؤال الذي واجهته لماذا عماد حمدي وليس رشدي أباظة أو أحمد زكي؟ لكن قد يكون للفت نظر القارئ ولتباع أكثر. لقد ظهر العنوان وحده وأنا أكتب المشهد الثاني من الرواية".
ويتابع: "حضرت بالمصادفة جنازة عماد حمدي، كانت فقيرة وهو مات فقيراً، شعرت بالأسى لحظتها لأن أسعد الناس لم يحصد حتى تلويحة وداع لائقة".
ويدافع "الطويلة" عن العنوان قائلاً: "عماد حمدي كان حاضراً لسنوات طويلة أياً كانت الزاوية التي أطل منها علينا، أسعدنا ومات مكلوماً بحسرته، لا عن فقر في الأموال بل عن فقر في النفوس".
ويضيف: "قد تكون الرواية نوعاً من نعي السعادة، أو ربما تكون نوعاً من محاولة التحسر على القيمة وما عشنا عمرنا لأجله وما أحببناه، أو محاولة لإيقاظ المحبة من ركودها، كلنا نحتاج إلى تلويحة محبة من أحد ولو كانت تلويحة وداع ونحن نائمون في النعش".
أما الكاتب الشاب أحمد عبدالمنعم رمضان فيقول عن كتابه الذي يصدر خلال أيام: "بدأ الكتاب بالنسبة لي كسيرة لأنور وجدي وحياته الصاخبة المليئة بالأحداث، سواء الفنية أو الشخصية، ولكني في نقطة ما شعرت أنه تحول من كونه سيرة شخصية إلى صورة لعصر يسدل ستائره، صورة لزمن ينسحب بأكمله ليحل محله مجتمع مختلف بأبطال وساسة وصراعات وتركيبات ومفردات مغايرة".
ويضيف: "شعرت أنني تسللت إلى هذا العالم حتى أصبحت فى جانب منه بينما يقف أنور وجدي في قلبه، وكان هذا ضمن أسباب تغييري لاسم الكتاب من عنوانه الأول (نجم مصر الأول) إلى (صورة مع أنور وجدى)".
ويتابع رمضان الذي نالت روايته السابقة "رسائل سبتمبر" نجاحاً لافتاً: "ليست هذه المرة الأولى التي استخدم فيها اسم ممثل تحديداً كعنوان لأحد كتبي، سبق ونشرت مجموعة قصصية باسم (في مواجهة شون كونري)، ولا أمانع من تكرار الأمر إن سمحت الأفكار بذلك".
ويشرح: "هذه الأسماء تنتمي إلى فنون أثرت فيّ وأصبحت جزءاً من خيالي وعوالم كتابتي بشكل غير مباشر فى أغلب الأحيان، لذا فهي دالة بالنسبة لي ولقارئ يشبهني".
في حين يؤكد الشاعر والروائي علي عطا أن عنوان روايته الجديدة "زيارة أخيرة لأم كلثوم" جاء من اختيار الدار المصرية اللبنانية التي نشرت العمل، لأن العنوان الذي اختاره كان "عزبة عقل"، موضحاً أنه تمسك به حتى قبل أن يكتب حرفاً في العمل الذي يعتبره امتداداً لعمله الروائي الأول "حافة الكوثر".
يتابع: "بعد الدفع بالعمل للنشر أبلغتني الناشرة بأن التسويق يرغب في تغيير العنوان، ففكرت واقترحت عنوان (زيارة أخيرة لأم كلثوم) ولاقى هذا الاقتراح استحسان الدار، ووجدتني متحمساً له".
ويشير عطا إلى أن "أم كلثوم" في العنوان ليست هي سيدة الغناء العربي وإنما خالة بطل العمل التي اتكأ على خبر وفاتها ليستدعى علاقته بها منذ طفولته حتى وفاتها.
يقول: "ليس مستبعداً أن يكون الجد توفيق ريحان اختار لها هذا الاسم لشغفه بغناء كوكب الشرق أم كلثوم التي تحضر أيضاً في هذا العمل بحكم انتمائها إلى ريف قريب من مدينة المنصورة التي تدور فيها كثير من أحداث الرواية".
ويشير الروائي عمرو العادلي إلى أنه اختار اسم روايته الجديدة "رجال غسان كنفاني" نتيجة ارتباط الاسم ببنية العمل، موضحاً أنه اختار الاشتباك مع مشروع غسان كنفاني كله، وعلى رأسه روايته المؤثرة البديعة "رجال في الشمس".
ويتابع: "اخترت الاسم الأول من هذه الرواية ثم أكملت باسم غسان كنفاني لأنه صاحب المشروع الذي اتكأت عليه في روايتي الجديدة كنوع مختلف من التناص، وهو ارتكاز كان على بنية مشروع غسان وتصور استكماله".
ويوضح العادلي الذي نال جائزة الدولة في مصر: "أخذت الرواية الجديدة أبطال الرواية الأصلية ولكنها صنعت لهم مسارات أوسع، كما اقتنصت روح الكاتب، وفي بعض مواضع السرد ارتدت عباءته، وكأنها استلهام من حنين مضى، أو إعادة لحالة الشجن فيما يخص قضية يحاول الجميع إزاحتها، وهي القضية الفلسطينية، لذا جاءت الفكرة في اختيار العنوان بصيغته الحالية (رجال غسان كنفاني)".
ومن جهتها تقول الناشرة نورا رشاد من الدار المصرية اللبنانية إنها اعتادت اقتراح عناوين الأعمال التي تنشرها بالتشاور مع مؤلفيها ومع إدارة التسويق بالدار، وتعتبر العنوان حقاً أصيلاً للدار لأنها تتعامل مع الكتاب بوصفه سلعة ينبغي الترويج لها وتسويقها.
وترى "نورا" أن اختيار عناوين بأسماء نجوم مثل عماد حمدي وأنور وجدي وأم كلثوم جزء من الاستجابة للمزاج العام في مصر؛ حيث تلعب "النوستالجيا" دوراً كبيراً في حفز الناس على المشاركة والشراء، كما أن هذه النوعية من العناوين تستفز القارئ العادي.
وبالمثل يرى الناشر شريف بكر، عضو اتحاد الناشرين الدولي، أن العنوان الجذاب يساعد في الترويج، مؤكداً وجود كتب نجحت بفضل عناوينها ومنها كتاب "الموت على طريقة تارانتينو" الذي لعب على جمهورين؛ الأول المحب للأدب والثاني المحب للسينما، معتبراً أن هذه حيلة من حيل ترويج منتجات الثقافة الجماهيرية والشعبية التي تزيد من شغف الناس.
ويوضح بكر: "العنوان والغلاف يلعبان الدور الرئيسي في تسويق الكتاب"، معتقداً أن اتخاذ عناوين بأسماء نجوم على أغلفة الروايات قد يشكل ظاهرة أو موضة تمتد لخارج مصر، لأن الروائيين كانوا في الماضي يختارون عناوين بلاغية ما يحصر أعمالهم في جمهور نخبوي، ولكن الناشرين يرغبون في اتساع رقعة القراءة، لذا فالعنوان حق أصيل للناشر لأنه مرتبط بالتسويق والبيع، وهذا تقليد معمول به في الغرب.