استطاعت طهران تثبيت حكمها في إمارة الأحواز العربية، وإخماد جميع الثورات ضدها بخيانتها وغدرها ومكائدها التي لن ينساها التاريخ.
في بداية القرن العشرين حدثت في منطقة الخليج العربي إحدى أخطر مكائد التزييف التي سعت لتغيير تاريخ المنطقة، وأغرب قصة غدر بـقائد عربي شجاع وشعبه، راحوا ضحية الأطماع الفارسية القديمة المتجددة، بفعل جشع وطمع وتآمر جار متنمر لا يحب أن يرى المنطقة في أمان واطمئنان وتنمية واستقرار. وأحداث القصة تعود للعقد الثاني من القرن الماضي حينما ظهر خزعل بن جابر، في إمارة الأحواز الذي يتمتع بعلاقات طيبة مع جيرانه، ويمتلك خيرات واسعة في بلاده التي ظهرت فيها الاكتشافات النفطية، هذا زيادة على ثروة المياه ووفرة الأراضي الصالحة للزراعة بمختلف الأصناف، إلا أن محور الشر لم يرضَ بالخير لعرب الأحواز، الأمر الذي دفع بالإيرانيين لشن حرب واسعة غير متكافئة على هذه الإمارة، الأمر الذي دفع بالقائد العربي للتراجع في البصرة تمهيداً لحشد القبائل العربية.
وكانت طهران وقتها تدرك حجم الخسائر التي ستتعرض لها في حال رجوع ذلك القائد مع المدد مدججاً بالسلاح، وما لبثت أن أعلنت انسحاب القوات الإيرانية، ورغبة الآمر تلك القوات في أن يكون له وداع مشرف يليق بمكانة إيران قبل الانسحاب، ووافق القائد العربي على مطلبهم بعد الوعود البريطانية بالحماية اللازمة خلال حفل الوداع! وبالفعل حضر إلى إمارته لإقامة حفل الوداع الأخير، ومن دون مقدمات، تم اعتقاله غدراً هو وأحد أبنائه الذي كان يرافقه، وتم نقله ليلًا على ظهر بغال إلى طهران، وظل أسيراً أكثر من 10 سنوات يُعذّب في سجون الفرس إلى أن قُتل عام 1936.
على رغم تعاقب الأجيال على هذه الإمارة العربية (الأحواز) وهي تحت الاحتلال الإيراني إلا إنه لم يستطع أن يمحو معالم عروبتها وآثار ثقافتها الأصلية، وهو ماحيّر القادة الإيرانيين في عدم استطاعة الثقافة الفارسية أن تطغي على الثقافة العربية في إقليم الأحواز
وبذلك استطاعت طهران تثبيت حكمها في إمارة الأحواز العربية، وإخماد جميع الثورات ضدها بخيانتها وغدرها ومكائدها التي لن ينساها التاريخ.
وقد مرت منذ ذلك التاريخ تسعة عقود من الاحتلال الإيراني المتواصل لإمارة الأحواز العربية التي تعد أطول فترة احتلال سجلها التاريخ المعاصر، ويليها الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية الفلسطينية. فلا فرق بين الحالتين، فكلتاهما سعت لطمس الهوية العربية، وتغيير الديمغرافيا، وتزوير التاريخ، ووأد ثقافة السكان العرب الأصليين.
فـ الأحواز بدأت قصتها حينما بدأت ملامح تلك الإمارة العربية تظهر بقوة في مطلع القرن الماضي، وتجابه القوى الإقليمية، واعتبارها امتداداً طبيعياً للأراضي العربية، الواقعة جنوب شرق العراق، وتطل على رأس الخليج وشط العرب، وتحدّها من الغرب محافظتا البصرة وميسان العراقيتان، أما من الشمال فتحدها جبال زاغروس، الحاجز الجغرافي الطبيعي الذي يفصل الأحواز عن إيران، ويجعل منهما منطقتين مختلفتين تماماً، في الطبيعة والجغرافيا وطبيعة الثقافة والبشر.
فشعب الأحواز عربي أصيل، وينتسب لقبائل عربية في المنطقة. وتتسع مساحتها الحقيقية إلى 375 ألف كيلومتر مربع، ولكن السلطات الإيرانية المتعاقبة عمدت إلى قضم أراضيها لصالح محافظات إيرانية أخرى مجاورة مثل: فارس وأصفهان ولرستان وكرمنشاه، بحيث لم يتبقَ من أراضيها حالياً سوى 66 ألف كيلومتر مربع. ولاشك أن مما زاد الأطماع الفارسية في تلك الإمارة العربية ثرواتها الطائلة من النفط والغاز الطبيعي، فحوالي 90% من النفط والغاز الإيرانيين تنتجها الأحواز، ففي سنة 1908م، تم اكتشاف النفط في مدينة مسجد سليمان، وفي السنوات اللاحقة تم إنشاء مصفاة للنفط في مدينة عبدان، تعتبر هي ثاني أكبر مصافي النفط في العالم. هذا بالإضافة إلى وفرة المياه، حيث تمر في أراضي الأحواز ستة أنهار كبيرة، هي، الكارون والكرخة وشاووروالدز والجراحي والزهرة، إضافة إلى أنهار فرعية أو موسمية أخرى، وكذلك تتسم بخصوبة أراضيها وصلاحيتها للزراعة.
وموقع الأحواز الاستراتيجي كان مطمعاً أيضاً لدى الإيرانيين لتكون حدودهم مطلة على رأس الخليج العربي، وكذلك مجاورتها للعراق والكويت، وقربها من حقول النفط وخطوط الملاحة. وسجل التاريخ أن رضا بهلوي، أحد ملوك الفرس، خرج على رأس حملة عسكرية لاحتلال الأحواز عام 1924م وقال عبارته الشهيرة «إنني ذاهب لاحتلال الأحواز، فإن وُفقت وإلا فسأواري جسدي في مقابر المحمرة، ولا أرجع إلى طهران بالفشل»! وما حصل في الأحواز من احتلال نموذج متكرر للسياسة الإيرانية التي طالت العديد من الأراضي العربية، وتدخلاتها في الشأن العراقي والسوري واللبناني وأخيراً في الشأن اليمني، ودعمها للحركات والمليشيات الإرهابية لإثارة الفوضى في هذه الدول. ولكن وبلا أدنى شك فإيران مُنيت بفشل ذريع في إمارة الإحواز، كونها تحتلها منذ 90 سنة ولم تستطع طمس عروبتها أو تغيير هويتها، فجميع سكان الأحواز سواء كانوا سنة أم شيعة ما زالوا يتمسكون بعروبتهم وملابسهم وهويتهم، فهم لا يمتون لإيران بصلة ثقافية أو وجدانية. وعلى رغم تعاقب الأجيال على هذه الإمارة العربية (الأحواز) وهي تحت الاحتلال الإيراني إلا إنه لم يستطع أن يمحو معالم عروبتها وآثار ثقافتها الأصلية، وهو ماحيّر القادة الإيرانيين في عدم استطاعة الثقافة الفارسية أن تطغي على الثقافة العربية في إقليم الأحواز. والآن يواصل سكان الأحواز احتجاجاتهم على السياسة التعسفية الإيرانية، وعلى الاضطهاد الذي يعاني منه الشعب الأحوازي، والتطهير العرقي الذي دام لقرن ما بين القتل والتنكيل والتشريد والإعدامات التي مُورست بحق أبناء الشعب الأحوازي، ولكن كل محاولاتهم وإرهابهم باءت بالفشل والخذلان رغم الممارسات القاسية المرتكبة بحق أبناء الأحواز. ولم تتأخر مقاومة الأحوازيين للاحتلال الإيراني، وقاموا بعدة ثورات سُجلت على مر التاريخ ضد الاحتلال الإيراني الذي اغتصب أرضهم ونهب خيراتهم. ولم يكتفوا بهذا الحد بل قاموا بتأسيس منظمات للمقاومة مثل جبهة تحرير عربستان، والمنظمة العربية لتحرير الأحواز، والمنظمة الوطنية لتحرير الأحواز، وغير ذلك من المنظمات التي تجاوزت العشرين من توجهات مختلفة، تجمع كلها على مطلب استقلال الأحواز عن إيران كما كانت قبل عام 1925م.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة