متخاري التيطراوي.. أول شهيد مصري على أرض الجزائر قبل 170 عاما
السلطات الجزائرية أقامت مراسم استقبال ودفن مهيبة لرفات 24 من شهداء المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي بينهم شهيد مصري الأصل
"شهيد من دمياط المصرية إلى الأغواط الجزائرية".. قد يكون العنوان المناسب لحقيقة تاريخية يفتخر بها الجزائريون عن دعم أشقائهم المصريين لهم في ضرائهم قبل قرابة القرنين من الزمن.
- الجزائر تسترجع "الجماجم" وتنهي "أزمة الذاكرة" مع فرنسا
- بحرس شرف وطائرات.. الجزائر تستقبل رفات 24 مقاتلا ضد الاستعمار
دعم مصر للجزائر لم يكن فقط في ثورتها التحريرية ضد الاحتلال الفرنسي (1954 – 1962) في عهد الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، بل بدأ قبل ذلك التاريخ بنحو 100 عام، عندما اختلط الدم المصري بالدم الجزائري في واحدة من أكبر المعارك الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي في بداياته وسط الجزائر.
سماه الجزائريون "الشهيد المصري الجزائري" بعد أن استعادت بلادهم رفات 24 من قادة المقاومات الشعبية قبل 170 عاماً للمرة الأولى منذ استقلالها، كان من بينهم الشهيد "متخاري التيطراوي" الذي كان أول مصري يتبنى قضية تحرير الجزائر من استعمار يوصف بـ"الغاشم".
والأحد، دفن الشهيد التيطراوي مع رفات الشهداء الـ23 في مربع الشهداء بمقبرة العالية في الجزائر العاصمة، بعد أن أقامت السلطات الجزائرية السياسية والعسكرية مراسم استقبال ودفن كبيرة ومهيبة تليق بـ"أبطال قطع الاحتلال رؤوسهم واعتبر جماجمهم غنيمة حرب وضعها شاهداً على جرائمه في متحف الإنسان بباريس" كما يقول الباحثون والمؤرخون.
من هو شهيد الجزائر المصري؟
نادرة هي المعلومات الدقيقة عن الشهيد المتخاري التيطراوي، إلا أن ما تيسر منها يذكر أن اسمه الحقيقي "موسى بن الحسن الدرقاوي"، قدم من محافظة دمياط المصرية إلى الجزائر مع بدايات الاحتلال الفرنسي في 1830.
استقر الشهيد التيطراوي في محافظة الأغواط الواقعة جنوب العاصمة، لكنه لم يكن يعلم أن أرض الجزائر ستكتب له "أجمل النهايات وهي الشهادة في سبيل تحرير وطن جديد له".
كانت للشهيد علاقات صداقة قوية مع أعيان القبائل، من بينهم الشهيد أحمد بوزيان قائد أكبر مقاومة شعبية ضد الاحتلال الفرنسي جنوب شرق الجزائر وهي "ثورة الزعاطشة" في محافظة بسكرة.
كان الشهيد متخاري التيطراوي واحداً من أقوى المقاومين ضد جنود الاحتلال الفرنسي غداة تقدمهم باتجاه مدينة الأغواط، بعد أن اختار المشاركة مع أبنائها في دحر العدو المستعمر آنذاك.
وكُتب له أن يكون المصري الوحيد الذي استشهد على أرض الجزائر بعد معركة طاحنة بين مقاومي الأغواط وجنود الاحتلال الفرنسي دامت 15 يوماً، وانتهت بـ"حرق وقتل أكثر من نصف سكان المدينة".
لكن الاحتلال وضع الجثث الطاهرة لقادة تلك المعركة، ليجعل "منها عبرة" لكل من يحاول أن يقف في طريقه، فقام بـ"فصل رؤوسهم عن أجسادهم"، ونهبها بعد خروجه من الجزائر في 5 يوليو/تموز 1962، لتكون "غنيمة حرب يمكن أن يساوم بها الجزائر بعد استقلالها".
وبعد 58 عاماً، عادت الجماجم الطاهرة لـ24 من شهداء المقاومات الشعبية إلى الأرض التي استشهدوا من أجلها، كان من بينهم أول مصري يستشهد على أرض الجزائر وهو "متخاري التيطراوي".
معركة الأغواط
لخصت معركة الأغواط كفاح الشعب الجزائري منذ بدايات الاحتلال الفرنسي سنة 1830، وكرست واحدة من أبشع المجازر الجماعية التي ارتكبها ذلك الاحتلال بحق شعب أعزل.
لم يصل الاحتلال الفرنسي إلى مدينة الأغواط إلا بعد 12 سنة من دخوله الجزائر العاصمة، فوجد جيشاً من مقاومي المدينة ينتظره بما توفر له من سلاح وعزيمة ربما تردعه أو تدفعه للتراجع، لكنه ردع أهلها بـ"السلاح الكيميائي".
ووفق ما ذكرته أبحاث جزائرية ودراسات فرنسية، فقد كانت معركة الأغواط من بين أشرس المعارك التي خاضها جنود الاحتلال الفرنسي بالجزائر، والتي بدأت في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1852 بقيادة الجنرال "جوسيف برسنانتي".
واستمرت الاشتباكات لمدة أسبوعين كاملين، لم يستطع معها الاحتلال الفرنسي من احتلال المدينة، فلم يكن أمامه إلا قصفهم بـ"غاز الكلوروفورم الكيميائي"، وسجلت معها مدينة الأغواط الجزائرية أول هجوم كيميائي في التاريخ.
وأسفر ذلك الهجوم عن إبادة جماعية بعد أن استشهد من المقاومين 2300 شخص من أصل 3600 وفق إحصائيات رسمية فرنسية، لتنتهي المعركة في 4 ديسمبر/كانون الأول 1852.
وأكدت أبحاث تاريخية جزائرية أن لجوء الاحتلال الفرنسي لذلك السلاح الكيميائي يعد دليلا على "القوة الكبرى التي تحلى بها المحاربون وبسالتهم في الدفاع عن مدينة الأغواط"، و"ووجهاً حقيقياً لمحتل يصر الجزائريون على تسميته بالمستدمر الذي عمّر أرض بلادهم بملايين الشهداء وبرك الدماء والدمار".