"القوة الناعمة للإمارات" في محاضرة خلال فعاليات "القيادات الشابة"

سعيد العطر يشير إلى أن مصطلح "القوة الناعمة" ظهر لأول مرة بشكل ممنهج في تسعينيات القرن الماضي على يد الأمريكي هارفارد جوزيف ناي

"القوة الناعمة" كانت محور محاضرة مُلهمة، ألقاها سعيد العطر، المدير العام لمكتب الدبلوماسية العامة بوزارة شؤون مجلس الوزراء الإماراتي والمستقبل، خلال فعاليات اليوم الأول من برنامج القيادات الإعلامية العربية الشابة، الذي انطلق، الأحد، في إمارة دبي بحضور ١٠٠ شاب وشابة. 

وقال العطر، الذي يشغل أيضا مركز أمين عام مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات، إن "المصطلح ظهر لأول مرة بشكل ممنهج في تسعينيات القرن الماضي على يد الأكاديمي والدبلوماسي الأمريكي والأستاذ في جامعة هارفارد جوزيف ناي، وتلخص المفهوم آنذاك بقدرة الحكومات على التواصل مع شعوب الدول الأخرى".

وأشار العطر إلى أن "الاهتمام بالقوة الناعمة بدأ يزداد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ومن ثم مع تنامي العولمة، حيث كان التواصل بين الدول يقتصر على البعثات الدبلوماسية والسفارات فقط وكان العالم التقليدي يعتمد على قوتين هما العسكرية، وتتمثل في عمليات الغزو أو الحماية، ومثال على ذلك الحماية التي توفرها الولايات المتحدة لليابان وألمانيا مقابل أفضلية في بعض النواحي الاقتصادية، بينما القوة الأخرى هي الاقتصادية وقد تأخذ شكل العقوبات الاقتصادية أو الحوافز المادية والخدمية في مقابل أفضلية لأجندة الدولة المانحة في الدول الأخرى". 

وأضاف: "في حقبة التسعينيات، ومع نهاية الحرب الباردة علا صوت جوزيف ناي منبها إلى وجود قوة ثالثة أعظم وأهم من القوى العسكرية والاقتصادية، ألا وهي القوة الناعمة، مشجعا الولايات المتحدة على الاستثمار فيها. فبدأت دول أخرى تحذو حذو الولايات المتحدة متيقّظةً لمدى قدرة القوة الناعمة على تحقيق سمعة مُشرقة وراسخة للدول، فضلا عن جاذبيتها في استمالة الشعوب الأخرى، حيث أيقنت الدول أن الأهم من التواصل مع الحكومات هو التواصل مع الشعوب وتسهيل عملية البناء الحضاري".

وعن كيفية تكون السمعة الجيدة باستخدام "القوة الناعمة" قال سعيد العطر: "هناك دراسة منهجية أثبتت أن الشعوب بصفة عامة تهتم بـ3 دول هي الدولة التي تنتمي إليها، والولايات المتحدة الأمريكية، والدول التي تربطها بها علاقة ما، كالدراسة أو العمل أو غير ذلك".

وأوضح أن "عناصر القوة الناعمة التي تحقق سمعة جيدة للدول تتمثل في (دبلوماسية القيادات) وسمعتهم الجيدة والبراعة في إيصال صورة ذهنية إيجابية وتشكيل انطباعات حسنة لدى الدول الأخرى"، مضيفا: "القادة عادة لا يتصرفون إلا وفق منهج واضح، وهم يتحملون حُكم مسؤوليات كبيرة كالالتزام بالقيم والمثل العليا، حتى من يدخّن السجائر منهم لا يجب أن يظهر عبر الإعلام وهو يدخّن، وأبرز مثال على الاستخدام الناجع للقوة الناعمة السمعة الطيبة التي استحقها المغفور له الشيخ زايد عربيا وعالميا، والتي انعكست على سمعة الإمارات، حيث كان يمثل صورة نموذجية للقوة الناعمة التي لا تزال مستمرة إلى اليوم". 

وأشار العطر إلى أن "(المشاريع الإنسانية) تلعب دورا مهما في القوة الناعمة، فالولايات المتحدة مثلا تنفق ٢٧ مليار دولار سنويا في المشاريع الإنسانية، فيما تنفق بريطانيا ١٧ مليار جنيه إسترليني، وألمانيا ١٧ مليار يورو، وتعتمد على ٦ آلاف موظف في مؤسساتها الإنسانية". 

وشدد على أن "الثقافة تعتبر من العناصر البارزة للقوة الناعمة، والثقافة ليست الكتّاب والشعراء فقط، فالطعام أيضا يُعتبر جزءا من الثقافة، وله أهميته في القوة الناعمة، ويمكن برهان ذلك عبر قيام إسرائيل بسرقة أكلات فلسطينية ونسبها لها، ومن ثَمّ ترويجها في الخارج تحت اسمها".

واستعرض "العطر" نماذج على اهتمام بعض الدول باللغات في الترويج لنفسها قائلا: "اللغة هي الأخرى من القوة الناعمة، فمثلا هناك ٧٠٠ مركز صيني لتعليم اللغة الصينية حول العالم تسمّى (مراكز كونفوشيوس)، وتبلغ ميزانية المركز الواحد مليون دولار سنويا، كما تستخدم الدول (الإعلام) كقوة ناعمة، إذ يعتبر من أبرز الأدوات لتشكيل الصورة الذهنية لدى الشعوب الأخرى، ومن الأمثلة الواضحة إذاعة صوت أمريكا التي تُبثّ بـ ٥٩ لغة حول العالم".

ولفت العطر إلى أن أكثر قناة مشاهدة على يوتيوب هي (آر تي) الروسية، ووصلت مشاهداتها إلى ٤ مليار، كما تعتبر الصين كذلك من الدول التي تهتم بالإعلام بشكل كبير، وتُعَدّ أكبر المشترين للصحف والإذاعات في قارة أفريقيا، ويمكن تفسير رغبتها باستمالة الشعوب الأفريقية من خلال وجود مشروعات واستثمارات صينية هائلة في القارة السمراء".

وأشار العطر إلى أهمية الدراما كجزء من الإعلام والقوة الناعمة، وضربَ مثالا من خلال قيام تركيا ببث ١٢ ألف ساعة دراما سنويا إلى العالم.

وفي ختام محاضرته التي شهدت تفاعلا وحماسا كبيرا، أكّد سعيد العطر أن أغلب الدول تضع خططا استراتيجية للقوة الناعمة؛ لإدراكها مدى أهميتها وقدرتها على تحقيق مكاسب لا يمكن أن تُحقَّق بوسائل أخرى.