دولة الإمارات تعد منذ تأسيسها في الثاني من ديسمبر 1971 نموذجا قائما على "القوة الناعمة" بكل مقوماتها ومواردها ومفرداتها ومعطياتها
كانت قوة الدول والمجتمعات، وستظل، الشغل الشاغل للقادة والزعماء، من رؤساء القبائل حتى قادة الدول، مروراً بالأباطرة والقياصرة والقادة التاريخيين للدول والإمبراطوريات عبر التاريخ البشري.
وقد شهدت العقود الأخيرة نقاشات مكثفة في الأوساط البحثية والعلمية حول مستقبل القوة، ما أنتج العديد من النظريات والمفاهيم البارزة في هذا الإطار، ومنها تقسيم عالم السياسة الأمريكي الشهير جوزيف ناي، في أوائل تسعينيات القرن العشرين، أنماط القوة إلى "قوة ناعمة" و"قوة صلبة" أو خشنة، وما يمكن أن ينتج عن دمج النمطين من "قوة ذكية".
تُعرف القوة الناعمة -باختصار- بأنها القدرة على الاعتماد على قوة الجذب والإقناع بدلا من إجبار الدول على اتباع سياسات معينة، عن طريق استثمار موارد الجذب الثقافية والتنموية والحضارية والاقتصادية والاستثمارية والسياحية لتحقيق أهداف الدول، وقد أسهم تحديد جوزيف ناي أنماط القوة الناعمة في توفير فهم أعمق لقوة الجذب الحضارية التي امتلكتها ثقافات العالم القديم، وكيف كان لها تأثيرات هائلة طيلة قرون دون فرض النموذج بالقوة الصلبة، التي طغت على فترات طويلة من التاريخ، ولكنها لم توفر مطلقاً الديمومة والاستمرارية لنموذج ما.
الإمارات تتصدر مؤشر "جودة الجنسية" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي بالفعل حلم عشرات الملايين للعيش والإقامة والعمل فيها، بحكم عوامل عدة فريدة، منها الأمن والاستقرار والتعايش والانفتاح وقبول الآخر والتقدم والتطور التكنولوجي وكونها ملتقى الحضارات والثقافات.
وتعد دولة الإمارات منذ تأسيسها في الثاني من ديسمبر عام 1971 نموذجاً قائماً على "القوة الناعمة" بكل مقوماتها ومواردها ومفرداتها ومعطياتها، من التجارة والاستثمار والسياحة والفنون والثقافة، فضلاً عن ركيزة مهمة لذلك كله هي القيم والمبادئ التي غرسها القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- في شعب الإمارات، فصارت الدولة في عهده وحتى الآن مرادفاً للخير والعطاء، ورمزاً للتعايش الإنساني الخلاق، وقد عملت الدولة على "مأسسة" هذه الموارد مجتمعة وتأطيرها ضمن "مجلس القوة الناعمة" الذي تأسس عام 2017، بهدف تعزيز سمعة الدولة إقليميا وعالميا وترسيخ احترامها ومحبتها بين شعوب العالم، ويختص برسم السياسة العامة واستراتيجية القوة الناعمة للدولة.
جاءت ترجمة القوة الناعمة الإماراتية عبر آليات شتى، منها اختيارها من جانب الشباب العربي كأفضل دولة للعيش متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وألمانيا، وتصدر الإمارات قائمة البلدان التي يريد الشباب العربي أن تحذو دولهم حذوها للسنة السابعة على التوالي، بنسبة وصلت إلى 36%، نموذج النجاح والتميز والتفوق الإماراتي تعكسه هذه النتائج وغيرها، حيث تحول النجاح إلى نموذج يبهر الآخرين ويدعوهم للاحتذاء به.
هناك نقاشات موسعة أيضاً حول معايير قياس القوة الناعمة للدولة وكفاءة توظيفها في تحقيق المنافع والمصالح، وهنا يمكن الإشارة إلى نقاط عدة منها انعكاسات قوة النموذج على نظرة الآخرين للدولة، وهذا الأمر يتجلى -كما ذكرت على المستوى الشعبي- في نتائج استطلاعات الرأي التي تجريها مؤسسات دولية ذات موثوقية عالية في دول العالم المختلفة، حول موضوعات مثل أفضلية العيش وأفضلية النموذج وغير ذلك.
كما تبرز هذه المعايير أيضاً في نجاحات أخرى للدول مثل قوة جواز السفر الخاص بمواطنيها، وهنا تحديداً تتجلى نجاحات الإمارات التي تتوالى موافقة دول العالم المختلفة وترحيبها بإعفاء مواطني الإمارات من الحصول على تأشيرات السفر المسبقة، وكان أحدث تلك الموافقات قد جاءت من قبل كندا والبرازيل وبربادوس، ليصبح عدد الدول التي يمكن لهؤلاء المواطنين دخولها دون تأشيرة 152 دولة في مختلف أرجاء العالم.
يحتل جواز السفر الإماراتي حالياً المركز الأول عربياً وشرق أوسطياً، والمركز الـرابع عشر عالمياً، ويطمح للوصول إلى الرقم (1) تنفيذاً لمبادرة يرعاها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، وتهدف إلى وضع الجواز ضمن قائمة أقوى خمسة جوازات سفر في العالم بحلول عام 2021.
على المستوى الفعلي اقترب تحقيق الهدف، وعلى المستوى التحليلي فإن الأمر يشير إلى دلالات عدة، أولها تفوق النموذج الإماراتي وجاذبيته، التي تجعل دول العالم المختلفة تقبل على منح الإمارات ومواطنيها تفضيلات تعزز وتدعم العلاقات الثنائية المشتركة، فالإمارات تتصدر مؤشر "جودة الجنسية" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي بالفعل حلم عشرات الملايين للعيش والإقامة والعمل فيها، بحكم عوامل عدة فريدة، منها الأمن والاستقرار والتعايش والانفتاح وقبول الآخر والتقدم والتطور التكنولوجي، وكونها ملتقى الحضارات والثقافات بما يوفر بيئة مثالية لتطوير المهارات والإبداع والابتكار، كما تتعزز هذه العوامل وتكتسب قوة إضافية من مكانة الإمارات وصورتها النمطية الإيجابية الرائعة التي راكمتها على مدار عقود وسنوات مضت كرائد للعمل الإنساني والخير العالمي، وعاصمة له، وعنواناً للعطاء والتضامن الإنساني الفريد، الذي يتعامل مع البشر دون تفرقة بين لون وجنس وعرق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة