هل أصبح الحوثي في محطته الأخيرة قبل أن يستسلم لمفاهيم الحوار والاندماج السياسي مع الشعب اليمني أو مواجهة التصعيد العسكري وتسليم سلاحه لحكومة شرعية؟
لا زلت أتذكر بكل وضوح عبارات الراحل سمو الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي الأسبق، عندما قال: "إن الحوثيين يعتقدون أن اليمن لقمة يسهل ابتلاعها".
وخلال السنوات الماضية بدا واضحا أن الدراما الحوثية المستمدة من الأيديولوجيا الإيرانية لم تنجح، واكتشف الحوثيون أن إيران، التي دفعتهم نحو صنعاء، كانت تدفعهم فقط إلى عملية انتحارية محدودة الزمن ليشارك فيها حجم الجهل السياسي الذي يعانيه قادة الحوثيين.
الإغراء الإيراني للحوثيين ركز على فكرة بناء حزب للحوثيين يماثل في تشكيله العسكري "حزب الله" الإرهابي في لبنان، ولكن الخطأ الاستراتيجي الذي ابتلعه الحوثيون من طهران هو موافقتهم على إحراق أوراقهم بسرعة مع التزام إيران دعمهم حين ينقلبون على الحكومة الشرعية في اليمن.
صحيح أن الفرصة كانت مواتية للدخول إلى صنعاء عندما بدأت الثورة على الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ولكن احتلال صنعاء ليس الخيار الأمثل تاريخيا لابتلاع اليمن، ولو بقي الحوثيون في "صعدة" لكان خطرهم أكبر.
الفارق الزمني بين إنشاء "حزب الله" ودعم الحوثيين من قبل إيران لم يكن بسيطا، فالوعي السياسي في المنطقة مر بمراحل متجددة، ولو استطاع الحوثيون أن يتشكّلوا كجناح سياسي في زمن الثورة على الرئيس السابق لكان الوضع اليوم مختلفا، ولكنهم اختاروا الحل الخطأ بالدخول إلى صنعاء، ما يعنى أن جيرانهم لن يقفوا دون إجراء يعيد الشرعية ويصحح الأوضاع، ولذلك كان التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية صورة مباشرة لرفض سيطرة أذرع إيران على اليمن ومقدراته.
لقد اعتقدت إيران أن اليمن أصبح جاهزا لاستقبالها من خلال الحوثيين بعد مرحلة فوضى الثورات، وتصوّرت أن اليمن أصبح في مرحلة مناسبة لتجاوز فترة علي عبدالله صالح عبر عكس عجلة التاريخ بدخول الحوثيين لصنعاء، ولكن التاريخ تدريجيا يثبت كلمات الأمير سعود الفيصل بأن اليمن "لقمة يصعب ابتلاعها"، فاليمن اليوم وبعد هذه السنوات تضاعفت مشكلاته، التي من المفترض أن الحوثيين قاموا بحلها عند دخولهم صنعاء، لكنهم ضاعفوا المشكلات، التي تنوعت بين إنسانية وسياسية وتفتت اليمن بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
في السياق السياسي، الحوثيون اليوم يدخلون مرحلة نهاية مجموعة طائفية تعتقد أن حكم اليمن يمكن تحقيقه بشعارات سياسية تخدم مصالح إيران البعيدة عن اليمن آلاف الكيلومترات.. الحوثيون الذين تتساقط قياداتهم تدريجيا هذه الأيام هم أيضا يتضاعف رفضهم من قبل الشعب اليمني، والقواعد التاريخية لإدارة الدول تؤكد أنه لا يمكن أن تحكم مليشيا مسلحة بلدا لمجرد أنها تعمل كوكيل لغيرها، وهذا ما يفعله الحوثيون.
الحل العسكري مع الحوثيين كان الخيار الأمثل، فلا يمكن السماح لشجرة سامة أن تنمو في اليمن الشقيق، بينما يتم تغذيتها من مياه طهران.. الحرب على اليمن اليوم مختلفة كليا، ومن الخطأ تاريخيا الصمت على السموم الإيرانية، لأن انتشارها خطر تاريخي يهدد مستقبل المنطقة كلها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة