الاجماع على شخصية رئيس الوزراء الجديد يدل على وعي القوى السياسية بالخطر الداهم حول مصير العميلة السياسية التي وصلت إلى طريق مسدود
بعد يومين من تسلمه مقاليد رئاسة الوزراء، بادر مصطفى الكاظمي إلى تشريع قرارات خامة، تعكس رغيته في التصالح مع الشارع العراقي، وتجاوز الأزمات التي أدت إلى استقالة سلفه عادل عبد المهدي الذي عجز عن الاستجابة إلى مطالب الشارع الملحة.
ولعل تغريدته على حسابه تويتر، أراد بها أن يبرهن على أنه تجاوز سلفه من خلال استعداده لمواجهة الأزمات الحادة التي تعصف بالمجتمع العراقي، ومنها نزاهة فريق العمل والحوار الإيجابي مع القوى السياسية، والتوازنات الأقليمية والدولية.
أمام رئيس الوزراء الجديد ملفات شائكة عديدة، والجميع يرغب في نجاحه في مهمته العسيرة محلياً وأقليمياً ودولياً بعد اليأس الذي أصاب مفاصل الدولة العراقية وعجزها عن تأدية واجباتها ومهامها إزاء مطالب الشارع.
والخطوة الأهم التي بعثت التفاؤل في نفوس العراقيين هي إطلاق سراح المتظاهرين السلميين، مما خفف من حدة المطالبين بالتظاهر في ساحة التحرير وساحات واسط، بابل، البصرة، وكربلاء الذين خرجوا لتجديد مطالبهم رغم تفشي وباء الكورونا.
وينتظر العراقيون جملة من المطالب منذ عام 2003 والتي عجرت عن تلبيتها الحكومات المتعاقبة، وآخرها حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة. كما بشّر رئيس الوزراء الجديد بحّل المشاكل الأقتصادية التي ظهرت إلى السطح في انخفاض أسعار البترول، واحتواء تداعيات فيروس كورونا، وإجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن. وهو جزء من مطالب المحتجين وليس كلها.
أمام رئيس الوزراء الجديد ملفات شائكة عديدة، والجميع يرغب في نجاحه في مهمته العسيرة محلياً وأقليمياً ودولياً بعد اليأس الذي أصاب مفاصل الدولة العراقية وعجزها عن تادية واجباتها ومهامها إزاء مطالب الشارع. والكل يعلق آماله على هذه الشخصية التي أثبتت جدراتها في اقتاع الأحزاب والكتل السياسية بعيداً عن الضّجة الاعلامية التي رافت المرشحين اللذان سبقاه. وبات واضحاً أن العقبة الكأداء أمام الكاظمي هي منظومة الفساد والمحاصصة التي تعمل في الكواليس، ولا يمكن ايقافها عند حدها بسهولة لأنها انتشرت في جميع الوزرات والدوائر الحكومية.
استقبل العراقيون خطاب مصطفى الكاظمي بروح ايجابية، لأنهم تواقون إلى رؤية دولة مدنية عصرية مستقلة لا تتحكم فيها الأحزاب الدينية والمليشيات، وهذا ما يُعد به رئيس الوزراء الجديد، ويحظى بتأييد كبير من القوى السياسية الشيعية والسنيّة، بما فيهم الأكراد، المعادلة الهامة في الحكم العراقي.
وهذا يمنحه دفعة قوية في تطوير كابينته الوزارية التي يريدها كما صرح بأن تكون خدمية ومهنية في الدرجة الأولى. وهو ما يحلم به العراقيون أي التغيير الجذري لآليات العمل السياسي التي تتأسس على المواطنة والهوية العراقية بعيداً عن الطائفية، وهذا ما جاء في خطاب الكاظمي إلا أن تشكيل الحكومة العراقية رغم كل الجهود، يأتي في ظروف صعبة للغاية في ظل أزمة عراقية في غاية التعقيد، أهمها اسعار البترول المتدنية، وخطر كورونا، وتوازن الصراع الأمريكي الايراني وتداعياته على العراق.
إن الاجماع على شخصية رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي يدل على وعي القوى السياسية بالخطر الداهم حول مصير العميلة السياسية التي وصلت إلى طريق مسدود.
لذا من المنطقي أن يقوم مصطفى الكاظمي بنوع من القطيعة مع آليات العمل السياسي الماضية، لأنها أثبتت فشلها على أرض الواقع، خاصة أن الاحتجاجات الشعبية التي توقفت بسبب وباء كورونا، عازمةٌ على اطلاق تظاهراتها الجديدة التي تطالب بإصلاح العملية السياسية وإجراء الانتخابات المبكرة.
ولا تزال شروط الاحتجاجات الشعبية بحاجة إلى تطبيق من أجل تخفيف التوتر الحاصل في البلاد، من خلال اصلاح العملية السياسية برمّتها، وهذا ما وعد به رئيس الوزراء الجديد. وهناك قوى سياسية تطالب الكاظمي بدعم مطالب المتظاهرين السلميين كمقدمة لصدق النوايا مثل تقديم القتلة إلى المحاكمة، باعتباه كان يشغل منصب رئيس المخابرات ويعرف كواليس القضية. لذلك لا بد من مّد الجسور مع المتظاهرين والمحتجين من أجل بناء قاعدة جماهيرية واسعة تكون سندا له في الانتخابات المبكرة التي وعد بها. إن إحالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي واعضاء وزارته على التقاعد هو خطوة نحو القطيعة مع الماضي وملبساته.
ويبقى التحدي الأبرز أمامه هو حصر السلاح بيد الدولة وفرض هيبة القانون، وإنهاء دور الفصائل المسلحة في الحياة العامة العراقية وخاصة قضية المخطوفين والسجون السرية. إن طريق مصطفى الكاظمي مليء بالمعوقات وخاصة في مواجهة الأحزاب والكتل السياسية التي تمتلك من الحنكة والتخطيط ما يكفي لإسقاط أي رئيس وزراء لا يتماشى مع رؤيتها السياسية. وهنا تتجلى المهمة العسيرة أمامه، وفي ظروف عدم توفر السلم الأهلي، لا يمكن لأية قرارات أو مشاريع أن تجد طريق النجاح.
ويبقى التحدي الخارجي أي التوازن بين الولايات المتحدة وإيران، قائماً وسيكون الامتحان الأكبر لأن عدم استقرار الأوضاع لا يشجع على الاستثمار أو التطوير أو الخروج من نفق الأزمة. خطاب الكاظمي طمئّن العراقيين بأنه يرفض أن يتحول العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية وعدم ربط القرار العراقي بالخارج.
والسؤآل الذي يطرح نفسه: هل تستطيع حكومة مصطفى الكاظمي أن تحقق حلم العراقيين في الحياة الكريمة؟ يبقى هذا الحلم، مرتبطاً بولادة مفهوم الدولة المدنية المعاصرة القائمة على المواطنة والهوية العراقية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة