قبل تمرّد الطوراق بعامين، كانت كل الجماعات المسلحة الناشطة شمال مالي تعتمد من حيث التمويل والدعم اللوجستي على عائدات تهريب المخدرات
كانت علاقة الجماعات الإرهابية بمهربي المخدرات في أفغانستان معروفةً للرأي العام، لكنها لم تكن كذلك في أفريقيا الغربية حتى شهر ديسمبر سنة 2009. وكانت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية قد أطلقت عملية ضد حركة فارك الكولومبية، انتهت باعتقال ثلاثة ماليين بغانا لتتم محاكمتهم بالولايات المتحدة بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، فرع الجزائر وتهريب المخدرات.
أكد مكتب مكافحة المخدرات الأمريكي سنة 2008 أن القاعدة في المغرب الإسلامي تجني 4200 دولار مقابل كل كيلوجرام من الكوكايين يتم نقله من غانا إلى إسبانيا مروراً بشمال أفريقيا. أما عن القنب الهندي فقد كانت القاعدة في المغرب الإسلامي تفرض ضريبة 50 ألف دولار للحماية والسماح بعبور الأراضي التي تسيطر عليها.
لم يستطيعوا اعتقالهم في مالي بتهمة الإرهاب، لكن تم إلقاء القبض عليهم في غانا بسبب تورطهم في الإتجار بالمخدرات. كانوا يُرسلون الكوكايين من أفريقيا إلى أوروبا، حيث يتم تمويلهم من طرف "جماعة الأندلس"، أمير عزيزي المعروف بإلياس عثمان الأندلس (إسبانيا) وكذا مصطفى ست مريم ناصر. كان لهم حضور في أوروبا وغرب أفريقيا والشرق الأوسط وتتمثل مهمتهم الأساسية في تهريب المخدرات وسرقة السيارات بين أوروبا وأفريقيا بغرض تمويل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
ويعد أمير عزيزي وست مريم مدبّراً هجمات 11 مارس بمدريد. وكان عزيزي يشغل منصب أمير لدى الزرقاوي في مدينة الفلوجة العراقية. وصدرت في إسبانيا مذكرتان دوليتان للقبض عليه لصلاته بتنظيم القاعدة وهجمات 11 سبتمبر و11 مارس.
تزوج عزيزي بامرأة إسبانية تدعى راكيل بورغوس غارثيا، التي عُثِر على جواز سفرها بباكستان سنة 2009 خلال مداهماتٍ نفذها الجيش بمنطقة وزيرستان، إحدى معاقل طالبان. وبتلك المنطقة تتشابك وتترابط مصالح القاعدة وطالبان. كما تم العثور أيضاً على جواز سفر يعود لسعيد بحاجي، المطلوب أيضاً لعلاقته بهجمات 11 سبتمبر.
وكان عزيزي على علاقة برجل الأعمال السوري مأمون دركزنلي، القاطن حينها بمدينة هامبورغ الألمانية. وتم اتهام دركزنلي لاحقاً من طرف إسبانيا والولايات المتحدة لكونه أحد ممولي القاعدة الأساسيين في أوروبا ومساعدة خلية هامبورغ في أحداث 11 سبتمبر. وقد حددت أجهزة الاستخبارات الأوروبية سنة 2005 مكان تواجد كل من مصطفى ست مريم وشريكه أمير عزيزي، مؤكدةً أنهما يتواجدان بمنطقة كردستان الإيرانية التي كانا يديران انطلاقاً منها "جماعة الأندلس" التابعة للقاعدة. ويُرجح أن يكون عزيزي قد لقي مصرعه في السنة نفسها، لكن وفاته لم تجعل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يفقد مصدر تمويله الذي أنشأه ست مريم وعزيزي عن طريق تهريب المخدرات.
في سنة 2010، أي قبل تمرّد الطوراق بعامين، كانت كل الجماعات المسلحة الناشطة شمال مالي تعتمد من حيث التمويل والدعم اللوجستي على عائدات تهريب المخدرات، وهو ما سمح لها باقتناء الأسلحة والعربات. وفي بعض الأحيان يقومون بحماية القوافل بينما يلجأون في مرات أخرى إلى مصادرتها وهو ما أدى في النهاية إلى نشوب نزاعات داخلية بين مختلف التشكيلات الإرهابية.
ومع المعطيات المذكورة، تطفو على السطح بعض الإجابات لفرضية اختيار الجهاديين للساحل كمنطقة عبور للمخدرات ومسرح عمليات. الأمر يتعلق برغبتهم في الحصول على حرية نقل المخدرات إلى شمال أفريقيا. فإلى حد الآن لم تواجههم مصاعب كثيرة لنقلها إلى أوروبا عن طريق المغرب، الجزائر، ليبيا أو مصر.
وأكد مكتب مكافحة المخدرات الأمريكي سنة 2008 أن القاعدة في المغرب الإسلامي تجني 4200 دولار مقابل كل كيلوجرام من الكوكايين يتم نقله من غانا إلى إسبانيا مروراً بشمال أفريقيا. أما عن القنب الهندي فقد كانت القاعدة في المغرب الإسلامي تفرض ضريبة 50 ألف دولار للحماية والسماح بعبور الأراضي التي تسيطر عليها.
وحتى تاريخ تمرّد الطوارق شمال مالي، كان الكوكايين يدخل بسهولةٍ بالغة عن طريق الجو قادماً من أمريكا الجنوبية. ومن بين حالات تفريغ المخدرات ما حدث ببلدة كيتا (منطقة غابوية واقعة بإقليم كياس الذي يبعد 360 كيلومتراً غرب مدينة تمبكتو)، حيث أفرغت طائرة 4 أطنان من الكوكايين. وقد أفرغت طائرة أخرى بذات المواصفات وفي التاريخ نفسه شحنتها في عين انسيري الواقعة على بعد 300 كيلومتر جنوب شرق تينزاواتين في المنطقة الحدودية مع النيجر. ويُرجّح أن أكبر شحنة تم إفراغها هي التي كانت على متن طائرة بوينغ 727 وحطّت في نوفمبر 2009 بمدينة غاو وتجاوزت شحنتها 10 أطنان من الكوكايين.
وتكشف عمليات مكافحة المخدرات حديثاً أن عدد الشحنات لم ينقص، بل حافظ على مستواه مرتفعاً. ففي شهر مايو 2018 تمت مصادرة 701 كيلوجرام بميناء وهران الجزائري، وفي 19 يناير الماضي تم اعتقال مهرب المخدرات الكولومبي دافيد كاردونا، وهو الذي كان يقايض مع القاعدة في المغرب الإسلامي المخدرات بصواريخ أرض – جو وأسلحة أخرى متطورة. وفي فبراير الماضي، تم توقيف سفينة روسية بالرأس الأخضر محمّلة بـ9500 كيلوجرام من الكوكايين كانت متجهة إلى طنجة بالمغرب.. إنها تجارة مربحة جداً. دعهم يقتلون بعضهم بالكوكايين، في حين يقومون بالحصول على التمويل عن طريق الاستهلاك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة