رسائل الصدر من "المنطقة المحصنة".. لا استسلام ولا شرعية لـ"الإطار "
رسائل عدة بعث بها مقتدى الصدر بعد اعتصام أنصاره داخل البرلمان العراقي، تؤكد عدم تسليمه حتى بعد الانسحاب من المشهد السياسي.
فعلى ما يبدو أن الصدر وأنصاره وأن أبدوا الانسحاب من البرلمان وتقديم الاستقالة، إلا أن ذلك لا يعني التسليم والرضوخ لمعسكر "الثلث المعطل"، وترك المسار سالكاً أمام قوى الإطار التنسيقي بتشكيل حكومة التوافق التي يسعى لتدشينها.
فالصدر وضمن سلسلة مواقف اتخذها خلال الأيام الماضية تصاعدت حدتها خلال الـ72 ساعة الماضية، اقتحم جمهوره المنطقة الرئاسية ودخول مقر البرلمان مجدداً وإعلان الاعتصام في أروقته.
ويأتي ذلك التحرك الثاني من نوعه بعد نحو 3 أيام على دخول المنطقة الخضراء في مظاهرة مفاجئة انتهت بدخول البرلمان ومن ثم الانسحاب بعد أوامر من رئيس التيار الصدري، مقتدى الصدر.
إلا أن تطورات اليوم السبت، باتت تفرض معادلات جديدة وضاغطة تتجاوز أوزان الأرقام ومواقع القوى بما يؤكد قدرة الصدر وأتباعه على فرض الإرادات الوطنية ومنح التعطيل أو تمرير أي حكومة مقبلة.
وكان أتباع التيار الصدري، أعلنوا منذ ليل أمس التحشد لاحتجاجات كبرى بدأت مسيرتها صباح السبت، عند ساحة التحرير ومن ثم التحرك نحو المنطقة الرئاسية التي أحكمت مداخلها وأبوابها بحواجز أمنية خشية الاقتحام المرتقب.
إلا أن خطوط الصد البشري واللوجستي لم تصمد طويلاً أمام غضب الصدريين الناقمين على "الفساد"، والداعين إلى "الإصلاح"، في تحرك يهدف إلى قطع الطريق على جلسة برلمانية متوقعة لتسمية مرشح رئاسة الجمهورية واسم رئيس الوزراء المقبل.
وتمكن المئات من أنصار الصدر من إسقاط الحواجز والدخول إلى المنطقة الخضراء ومن ثم التوجه نحو مبنى البرلمان العراقي ليعلن بعدها بدء اعتصام مفتوح حتى تحقق المطالب.
ورغم أنه حتى الآن لم يفصح الصدر وقيادات الخط الأول في تياره عن تلك المطالب إلا أنها بدت تتناقلها أوساطهم الجماهيرية من خلال الدعوة إلى اجراء انتخابات مبكرة وحل البرلمان والإبقاء على حكومة مصطفى الكاظمي.
وعلى وقع تلك المظاهرات سادت الأوساط السياسة والشعبية مخاوف ومحاذير خشية انزلاق البلاد نحو حالة من الاقتتال الأهلي وزعزعة السلم الأهلي، وخصوصاً بعد موقف للإطار التنسيقي دعا فيه أنصاره إلى النزول و التظاهر المضاد.
هذا دعا أطراف حكومية ودولية عدة إلى التدخل ومتابعة سريان الأحداث بمواقف عاجلة وسريعة تركزت على ضرورة ضبط النفس والتزام الآليات الديمقراطية في التعامل مع المتظاهرين.
ومن بين تلك المواقف، كانت كلمة متلفزة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، تابعتها "العين الإخبارية"، دعا من خلالها إلى "اتباع العقلانية وتجاوز التشنجات السياسية لمنع الانزلاق إلى الهاوية".
وشدد الكاظمي: "على ضرورة أن يتحلى الجميع بالحكمة وأن تتحاور الكتل السياسية من أجل العراق والابتعاد عن لغة التخوين، وأدعو الجميع إلى التحلي بالعقلانية واستبعاد لغة التهديدات لأن نار الفتنة ستحرق الجميع وأن الجميع يتحمل المسؤولية".
وأضاف :"على الجميع التحلي بالحكمة لأن العراق أمانة، وعلينا تقديم التنازلات من أجل العراق والعراقيين ، ونحذر من التشنج السياسي ".
وتزامن مع ذلك، أن دعت بعثة الأمم المتحدة في العراق، إلى التهدئة وعدم التصعيد، مشيرة إلى أن "التصعيد مقلق للغاية".
وقالت البعثة في بيان، إن "التصعيد المستمر مقلق للغاية، وإن أصوات العقل والحكمة ضرورية لمنع المزيد من العنف".
وأضافت: "يتم تشجيع جميع الجهات الفاعلة على وقف التصعيد لصالح جميع العراقيين".
تلك التحركات توازت مع موقف محمد صالح العراقي، الذي يعرف بـ"وزير الصدر "، حيث تبادل و"الإطار التنسيقي "التهم عبر مواقف جاءت من خلال بيانات وتغريدات عاجلة.
إلا ان قادة التنسيقي سرعان ما تداركت الأمر وردت بالدعوة إلى التهدئة والحوار مع الصدر، مؤكدة أن دعوة أنصارها للنزول إلى الشارع لا تمثل سوى طرفا واحدا في الإطار بحسب رئيس "تحالف الفتح" هادي العامري.
وحتى مساء السبت، ومع توارد المواقف من الأطراف السياسية والدولية والقلق الذي ساد الشارع العراقي، أعلن رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، تعليق عقد جلسات مجلس النواب حتى إشعار آخر، داعياً القادة والكتل السياسية إلى عقد "لقاء وطني" عاجل.
وأردف الحلبوسي في بيان، أنه:"من منطلق المسؤولية الوطنية والسياسية والوظيفية، والتزاماً باليمين الدستورية بالمادة 50 من الدستور، التي ألزمتنا حفظ مصالح الشعب، واستناداً إلى المادة 62 من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم 13 لسنة 2018، والمادة 34/ ثامناً من النظام الداخلي لمجلس النواب، تقرَّر، تعليق عقد جلسات مجلس النواب حتى إشعار آخر"
وانتهاءً عند ذلك الموقف، تدخل عملية تشكيل الحكومة في تعقيد ربما سيدفع بمزيد من التعليق والتأجيل والمماطلة إذا ما أصرت قوى الإطار التنسيقي المضي بخياراتها من تسمية للمرشح السوداني والمضي بتشكيل حكومة توافقية.
ويقول المحلل السياسي داود الحلفي: "آن الأوان أن تلتقط القوى السياسية مؤشرات ما جرى بتشخيص أخطائها وتقديم الحلول على طاولة الحوار استجابة لرغبات وإرادة الشارع العراقي الذي سئم الفساد وتطوق بالفقر والبطالة والبؤس في اغنى بلدان العالم".
ويضيف الحلفي لـ"العين الإخبارية"، أن "المرحلة الحالية وتطورات المشهد بما تمتلك الجماهيري من وعي وطني كبير تراكمي، تفرض على صناع القرار المضي بتغيير بعض فقرات الدستور بما يحقق قانون انتخابات جديد يمنع الرجوع إلى تقاسم السلطة ويغلق الباب أمام أي اجتهاد يعود بالعراق إلى المربع الأول".