قصة صفقة.. تخوف برشلونة يصنع أسطورة دي ستيفانو
حكايات انتقال اللاعبين بين الأندية تمتلئ بالعديد من القصص المثيرة، علما بأن سوق التعاقدات أصبح من العلامات الرئيسية في كرة القدم
تعج حكايات صفقات انتقال اللاعبين بين الأندية بالعديد من القصص الغريبة والمثيرة، علما أن سوق التعاقدات، أصبح من العلامات الرئيسية في كرة القدم الحديثة.
"العين الرياضية" تستعرض في التقرير التالي، قصة واحدة من الصفقات التي زادت من حالة الكراهية والعداء بين قطبي الكرة الإسبانية، ريال مدريد وبرشلونة، وهنا الحديث عن النجم الأرجنتيني الراحل ألفريدو دي ستيفانو، وانتقاله للفريق الملكي.
اتفاق كتالوني
بدأ دي ستيفانو مسيرته الاحترافية عام 1945 بنادي ريفر بليت الأرجنتيني، لكن تمت إعارته سريعا لفريق هوراكان، ثم عاد لليفر في 1946 واستمر معه حتى 1949.
خلال فترته مع ريفر بليت، ساهم دي ستيفانو في تتويج الفريق بثلاث ألقاب منهم لقبين للدوري الأرجنتيني، فضلا بطولة كأس محلية، لكنه قرر في العام 1949 المغادرة بعد قيام العديد من اللاعبين في الأرجنتين بإضراب عام اعتراضا على أوضاعهم التي يروها صعبة وغير احترافية.
قرر دي ستيفانو مثل الكثير من اللاعبين الأرجنتينيين اللعب في الدوري الكولومبي، كونه لم يكن حينها معترف به من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، ومن ثم، ليست عليه أي مشاكل بخصوص تعاقده مع ريفر بليت.
وصلت دي ستيفانو عروضا من عدة أندية كولومبية، لكنه قرر الانتقال إلى ميلوناريوس الذي تألق معه بشكل واضح للغاية، حيث قاده للفوز بالدوري المحلي 4 مرات وأحرز 267 هدفا خلال الفترة من 1949 إلى 1953.
تألق دي ستيفانو، جعله محط أنظار كبار الأندية الأوروبية وعلى رأسهم ريال مدريد وبرشلونة، ليقرر الأخير بدء مفاوضات لجلب الموهبة الأرجنتينية.
وبحسب وثائق نشرتها صحيفة "آل بايس" الإسبانية، قرر برشلونة في 2 مايو/ أيار 1953، منح رجل الأعمال الكتالوني دومينجو فالس تابيرنر، مهمة تمثيل البارسا في المفاوضات الخاصة بضم دي ستيفانو، على أن تكون تلك المحادثات مع ريفر بليت وليس ميلوناريوس، كون النادي الأرجنتيني هو من يمتلك عقد اللاعب، بحسب قواعد الفيفا، على اعتبار أن ميلوناريوس يلعب في دوري لم يعترف به من قبل الاتحاد الدولي.
في بداية المفاوضات، طلب ريفر بليت الحصول على 108 آلاف دولار نظير بيع اللاعب، ولكن بعد عدة محادثات، نجح برشلونة في الاتفاق على ضم دي ستيفانو مقابل 87 ألف دولار، يدفع القسط الأول منها في أغسطس/ آب 1953، على أن تكون هناك 3 أقساط أخرى تسدد مع نهاية نفس العام.
تم توقيع عقود الصفقة بين كلا الطرفين، وبدأ ستيفانو يتأهب لرحلته الأولى خارج أمريكا الجنوبية مع برشلونة، حيث أن العقود نصت على وجوب وصول اللاعب للنادي الكتالوني يوم 26 يوليو/ تموز.
دخول ريال مدريد
ومع استعداد دي ستيفانو لبدء مسيرته مع برشلونة، ظهر ريال مدريد في المشهد، وقام باتصالات على أعلى مستوى بقيادة الرئيس سانتياجو برنابيو، وذلك مع ميلوناريوس وريفر بليت.
وبعد عدة أيام من أول اتصال والذي ترجح الوثائق أنه حدث يوم 24 مايو/ أيار، بعث ميلوناريوس بخطاب إلى ريفر بليت، يبلغه فيه بتوصله إلى اتفاق مع ريال مدريد بشأن دي ستيفانو.
رد ريفر بليت على رسالة النادي الكولومبي، وأبلغه أن هذا الاتفاق لا يعد مقبولا، كونه النادي الذي يفترض أنه يملك عقود دي ستيفانو بحسب الفيفا.
إذا ذلك الأمر، حاول ريال مدريد تأمين كافة أمور الصفقة، وتواصل مع ريفر بليت، واتفق معه على أنه إذا لم يسدد برشلونة أول دفعة من قيمة بيع دي ستيفانو بحلول 11 أغسطس 1953 ، فإن النادي الأرجنتيني سيقوم بنقل اللاعب إلى النادي الملكي.
ولكن، برشلونة قام بالوفاء بالقسط الأول من قيمة الصفقة يوم 7 أغسطس أي قبل 4 أيام من نهاية المهلة، ليقوم ريفر بليت بإرسال أوراق اللاعب للنادي الكتالوني، مبلغا ريال مدريد أن اتفاقه معه لم يعد صالحا.
علم برشلونة بمحاولات ريال مدريد، فقرر مخاطبة ميلوناريوس، لتأمين الصفقة أيضا من الجانب الكولومبي، رغم اتفاقه مع النادي الأرجنتيني على كافة الأمور.
وفي سبيل ذلك، استعانت إدارة برشلونة بوسيط كتالوني يعيش في كولومبيا وهو المحامي خوان بوسكيتس، وقد كان ذلك بمثابة خطأ فادحا من جانب البارسا، إذ أن بوسكيتس بعد تواصله ميلوناريوس، تم تعيينه في منصب إداري بنادي "سانتا في" وهو الغريم الأكبر لميلوناريوس.
تواجد بوسكيتس كوسيط بعد تعيينه في النادي المنافس لميلوناريوس، إلى جانب ضعف الترضية المالية المقدمة للنادي الكولومبي، هي أمور جعلت الأخير يقرر إنهاء المفاوضات ورفض أي تواصل مع "البلوجرانا".
بدوره، فإن برشلونة لم يشعر بقلق كبير بعد فشل محاولات ترضية ميلوناريوس، طالما أنه يمتلك اتفاقا قانونيا مع ريفر بليت، النادي الذي يملك عقد دي ستيفانو، ليبدأ ميلوناريوس محاولات إفساد الصفقة، برفضه سفر اللاعب وعائلته إلى إسبانيا.
حسم النزاع
قرر ريال مدريد وضع الموضوع كله في أيدي الاتحاد الإسباني لكرة القدم، والذي بحسب وثائق نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، قرر رفض إتمام عملية انتقال دي ستيفانو إلى برشلونة، طالما أن النادي الذي يلعب له وهو ميلوناريوس يرفض ذلك الأمر.
رفض الاتحاد الإسباني للعبة، الشكاوي التي تقدم بها برشلونة طعنا على قرار إيقاف الصفقة، رغم تقديم النادي الكتالوني أوراق تثبت أن ميلوناريوس لا علاقة له بالصفقة بشكل قانوني، كونه لا يمتلك عقد اللاعب مثل ريفر بليت.
علم الفيفا بالأزمة، وحاول التدخل لإنهائها، وفي سبيل ذلك، قام بتعيين وسيط لحل تلك المشكلة، وهنا الحديث عن أرماندو مونيوز كاليرو، والذي سبق وأن شغل منصب رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم.
كاليرو معروف بعلاقته القوية بفرانشيسكو فرانكو دكتاتور إسبانيا في الفترة من 1939 إلى 1975، واشتهر باضطهاده لإقليم كتالونيا طوال مدة حكمه.
سار الشك في نفوس إدارة برشلونة نتيجة تعيين وسيط مقرب من فرانكو، ومع ذلك، حاول كاليرو إنهاء الأزمة، وقدم حل وسط يلعب بمقتضاه دي ستيفانو في ريال مدريد موسمي 1953-1954 و1955-1956، ثم يخوض موسمين مع برشلونة، وهما 1954-1955 و1956-1957.
تمت الموافقة على هذا الاقتراح من قبل اتحاد كرة القدم الإسباني ورئيسا ريال مدريد وبرشلونة، وهو ما أثار غضب الأعضاء العاملين بالنادي الكتالوني، وفتحوا النار على الرئيس مارتي كاريتو لقبوله بهذا الأمر، في وقت يشعرون أنهم يمتلكون كافة الحقوق القانونية التي تجعل دي ستيفانو من حق برشلونة.
وأمام هذا الهجوم الكاسح، اضطر كاريتو إلى تقديم استقالته في سبتمبر/ أيلول 1953، ليكون ذلك بمثابة منعطفا حاسما في وجهة دي ستيفانو بعد أشهر من المناوشات.
بعد تلك الاستقالة بأيام، بدأ دي ستيفانو موسمه الأول في إسبانيا مع ريال مدريد، بناء على الاتفاقية التي تم التوصل إليها، لكنه لم يقدم مستويات قوية في مبارياته الأولى.
المستوى الهزيل لدي ستيفانو، جعل إدارة برشلونة، تخشى عدم الاستفادة منه، لتقرر انهاء الاتفاقية، ومن ثم، تبيع حصتها في اللاعب لصالح ريال مدريد مقابل مبلغ مالي سيدفع للنادي الكتالوني، فضلا عن رسوم سنوية يحصل عليها ميلوناريوس، طوال مدة تواجده مع "الميرينجي".
وقع دي ستيفانو على عقد مدته 4 سنوات مع ريال مدريد، لتبدأ مرحلة ذهبية في تاريخ النادي الملكي، الذي كان قبل وصول اللاعب الأرجنتيني، لم يكن النادي الأكبر في إسبانيا أو حتى في العاصمة "مدريد"، إذ أن التفوق محليا بذلك الوقت كان للجار أتلتيكو مدريد والغريم برشلونة.
استطاع دي ستيفانو خلال الفترة من 1953 إلى 1964، حين رحل إلى إسبانيول، قيادة ريال مدريد رفقة نجوم أخرين أبرزهم المجري فيرينك بوشكاش، لتحقيق المجد على الصعيد المحلي والقاري والدولي.
حقق ريال مدريد بقيادة دي ستيفانو 18 لقبا، أبرزهم 8 بطولات للدوري الإسباني و5 ألقاب متتالية لدوري أبطال أوروبا في إنجاز استثنائي لم يكرره أي نادٍ في القارة العجوز حتى الآن.
أهداف دي ستيفانو المؤثرة لعبت دورا مهما في تلك الألقاب، وهي التي جعلته يتصدر ترتيب الهدافين التاريخيين لريال مدريد برصيد 308 أهداف في كل المسابقات، حتى جاء راؤول جونزاليس وانتزع منه الصدارة بـ323 هدفا، ثم تصدر الترتيب الحالي، البرتغالي كريستيانو رونالدو نجم الفريق السابق والحالي ليوفنتوس الإيطالي بـ450 هدفا.
تناثرت أقوايل كثيرة حول دور الدكتاتور فرانكو في استقدام دي ستيفانو للريال بدلا من البارسا، كونه مناصرا لفريق العاصمة الإسبانية ضد نادي إقليم الكتالونيا الرافض لحكمه وسياساته.
تلك الروايات، ذكر العديد من المؤرخين المطلعين بكرة القدم أنها مبالغ فيها، لكن الأكيد هو أن صفقة دي ستيفانو جعلت ميزان القوة في الكرة الإسبانية يذهب لريال مدريد على حساب برشلونة، بشكل زاد من عداء أنصار النادي الكتالوني للفريق العاصمي، كونهم يعتقدون إلى الآن، أنهم تعرضوا لما يسمونه بـ"السرقة" فيما يخص تلك الصفقة.
aXA6IDMuMTM5LjIzOS4xNTcg جزيرة ام اند امز