السوق الأفريقية.. ملاذ الجزائر الجديد من "ألغام الربح المتبادل"
الرئيس الجزائري يأمر حكومته بالتحضير للدخول في منطقة التجارة الحرة مع أفريقيا وسط آمال برفع الصادرات خارج المحروقات إلى 5 مليار دولار.
وضعت الجزائر الخطوات الأولى نحو اقتحام السوق الأفريقية تجارياً عبر بوابة "السوق الحرة" في محاولة لتنويع صادراتها والبحث عن ملاذ قد يكون آمناً من "ألغام الربح المتبادل".
ووضعت الحكومة الجزائرية خارطة طريق جديدة للرفع من قيمة صادراتها خارج المحروقات اعتباراً من العام المقبل تصل إلى نحو 5 مليارات دولار، معولة في ذلك على الأسواق الأفريقية.
- "العين الإخبارية" تنفرد بنشر ملامح اتفاق الشراكة بين الجزائر وأوروبا
- كورونا يعصف بالدينار الجزائري.. وإجراءات إنقاذ عاجلة
وصادقت الجزائر في ديسمبر/كانون الأول الماضي على اتفاقية منطقة التبادل الحر القارية الأفريقية ضمن الدول الـ30 المصادقة على الاتفاقية، على أن يدخل تنفيذ الاتفاقية حيز التنفيذ في الأول يناير/كانون الثاني 2021.
وأنشأت منطقة التجارة الحرة الأفريقية في 30 مايو/أيار 2019، وحددت أهدافها في إنشاء سوق موحدة للسلع والخدمات داخل القارة ترتكز على حرية الاستثمارات ونقل البضائع دون قيود حول نقل السلع بين الدول الأعضاء في الاتفاقية.
وأعطى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الأحد، تعليمات لحكومته عقب اجتماع لمجلس الوزراء للاستفادة من تجارب التبادل الحر التي عرفتها الجزائر مع المجموعات الإقليمية الأخرى.
وذكر بيان عن الرئاسة الجزائرية اطلعت "العين الإخبارية" على تفاصيله، بأن تبون طالب حكومته والوزراء المختصين (التجارة والصناعة والمالية) بالتأكد من المنشأ الأصلي الأفريقي للسلع والبضائع المتداولة في منطقة التبادل الحر، والتي لا يجب أن تقل نسبة إدماجها عن 50% "حتى لا تُسرب إلى السوق الوطنية مواد مصنوعة خارج القارة الأفريقية على حساب الإنتاج المحلي".
في سياق متصل، دعا وزير التجارة الجزائري كمال رزيق التجار والمصدرين بالمحافظات الجنوبية للاستعداد لاقتحام السوق الأفريقية عبر منطقة التبادل الحر بمنتجات محلية أو عن طريق المقايضة في إطار سياسة "رابح – رابح".
واعتبر الوزير أن عملية المقايضة لن تكون إلا "بداية لتحريك عجلة التصدير نحو أفريقيا"، مشدداً على أن ذلك يعد "رهاناً كبير لإعطاء ديناميكية للتجارة الخارجية".
السوق القريبة البعيدة
وتكشف الإحصائيات المقدمة من مديرية الجمارك الجزائرية بأن السوق الأفريقية رغم قربها جغرافياً من الجزائر إلا أنها تذيلت قائمة شركاء الجزائر التجاريين بين القارات الخمس.
واحتلت السوق الأفريقية المرتبة الأخيرة من حيث المبادلات التجارية مع نهاية 2019، وظهرت الأضعف بنسبة 3 % في حجم التجارة الخارجية الجزائرية، بواقع 3.51 مليار دولار.
وحافظ الاتحاد الأوروبي على صدارة شركاء الجزائر التجاريين مع نهاية العام الماضي، إذ بلغت نسبة المبادلات التجارية بينهما 58.14 %، ما يمثل قيمة 45.21 مليار دولار، بينها 22.81 صادرات جزائرية و22.39 وارادت من الاتحاد الأوروبي.
وكشفت الإحصائيات عن أن 63.69 % من صادرات الجزائر و53.40 % من وارادتها تمت مع دول الاتحاد الأوروبي الـ27.
وحلت دول آسيا في المركز الثاني من حيث حجم المبادلات التجارية للجزائر بحصة قدرها 23.92 % من القيمة الإجمالية، وبلغت قيمتها 18.60 مليار دولار مع نهاية 2019، بينها 6.42 مليار دولار صادرات جزائرية، غالبيتها مع الصين والهند والسعودية وكوريا الجنوبية.
وجاءت الأمريكيتان في المرتبة الثالثة بنسبة 26.51 % من القيمة الإجمالية للمبادلات التجارية الجزائرية بقيمة 9.52 مليار دولار، بينها 3.88 مليار دولار صادرات جزائرية، والتي تتم غالبيتها مع الأرجنتين والولايات المتحدة والبرازيل وكوبا.
3 شركاء أساسيين
وتظهر البيانات الرسمية الجزائرية، تصدر 4 دول من شمال أفريقيا حجم التبادل التجاري مع الجزائر، ويتعلق الأمر بكل من تونس ومصر والمغرب، فيما تبقى ضعيفة مع دول الساحل.
وحلت تونس في صدارة الدول الأفريقية في قائمة شركاء الجزائر التجاريين نهاية 2019، بواقه 1.7 مليار دولار، بينها 1 مليار و350 مليون دولار صادرات جزائرية و400 مليون دولار واردات من تونس.
وتأتي مصر المركز الثاني حيث بلغت قيمة المبادلات التجارية بين البلدين مع نهاية العام الماضي 799 مليون دولار، بينها 583 مليون دولار صادرات جزائرية، و218 مليون دولار واردات من مصر.
ووفق دراسة إحصائية تفصيلية لمديرية الدراسات والاستشراف التابعة لوزارة المالية الجزائرية لعام 2019 حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منها، فقد بلغت صادرات الجزائر نحو المغرب 437 مليون دولار، فيما بلغت وارداتها من دول المغرب الأربع 553 مليون دولار.
بينما وصلت قيمة الصادرات الجزائرية من دول الساحل الثلاث وهي موريتانيا ومالي والنيجر نحو 5 ملايين دولار مع نهاية 2019.
وتعول الجزائر لزيادة تدفق صادراتها إلى السوق الأفريقية بتحديث شبكة السكك الحديدية واستئناف مشروع بناء ميناء الحمدانية الواقع وسط البلاد بشراكة صينية، وكذا طريق الوحدة الأفريقية الذي يربط الجزائر العاصمة بالعاصمة النيجيرية لاغوس، ويعد أكبر خط بري للتجارة البينية في أفريقيا.
وأعلنت الجزائر انتهاء الأشغال به على أراضيها أوائل 2017، والذي يمتد على مسافة 3400 كيلومتر بالجزائر، ويمتد إلى تونس بطول 900 كلم، ومالي بـ1974 كلم، والنيجر بـ1635 كلم، وتشاد بطول 900 كلم، على أن يبقى الشطر الأخير في أراضي النيجر بطول 1131 كلم.
تنويع الشركاء
واعتبر خبراء أن توجه الجزائر الاقتصادي الجديد نحو اقتحام السوق الأفريقية تجارياً يتزامن مع الأزمة الحاصلة مع الاتحاد الأوروبي على خلفية اتفاق الشراكة الذي تعده الجزائر "مجحفاً في حقها".
فيما استعبد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن مبتول في تصريح لـ"العين الإخبارية" أي علاقة بين اتفاق الشراكة الأوروبي ومنطقة التبادل التجاري الحر مع أفريقيا.، مشيرا إلى أن ذلك يندرج في إطار سعي الجزائر لتنويع شركائها الاقتصاديين والبحث عن ملاذ آمن وجديد لصادراتها خصوصاً خارج المحروقات.
لكنه اعتبر في المقابل أن تصدير الجزائر لأفريقيا يتطلب "توفر مؤسسات تتماشى مع المنافسة العالمية"، مشيرا إلى أن الأرقام الرسمية تتحدث عن أن 190 % من صادرات ومداخيلها من العملة الصعبة من المحروقات مع نهاية 2019.
بالإضافة إلى أن 97 % من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا تتماشى مع المنافسة العالمية، منوها في الوقت ذاته إلى أن صادرات المحروقات "تلقى منافسة قوى كبرى أيضا في أفريقيا خصوصاً من نيجيريا والغابون والموزمبيق الذي يتجه لأن يحتل المركز الـ5 عالمياً في الغاز الطبيعي باحتياطات تقدر بنحو 450 مليار متر مكعب، وكذا ليبيا التي تملك احتياطات تقارب 44 مليار برميل من النفط والغاز 1500 مليار متر مكعب".
ويرى بأن "الأمر يتطلب تصوراً واقعياً، وهناك دراسات كنت من بين من شاركوا فيها مع 36 خبيراً تؤكد بأن ولوج السوق الأفريقي لا يمكن أن يتحقق إلا بوحدة اقتصادية مغاربية يمكنها المنافسة في القارتين الأفريقية والأوروبية".
مضيفاً أن "دخول السوق الأفريقية يتطلب نظرة استراتيجية لاسيما أن حجم التبادل التجاري للجزائر مع أفريقيا لا يتعدى 2.7 مليار دولار، والجزائر منذ استقلالها تبنت سياسة عاطفية اقتصادية أكثر منها براغماتية مع الدول الأفريقية".
وحدد بعضاً من شروط نجاح المنافسة في أفريقيا ذكر من بينها "ضرورة إنشاء بنوك جزائرية في الدول الأفريقية وكذا ضرورة توفر هياكل النقل".
واستبعد في المقابل أن تكون خارطة الطريق الجزائرية لاقتحام السوق الأفريقية "بديلاً عن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي"، مشيراً إلى أن 60 % من صادرات الجزائر نحو القارة الأوروبية، كما ترتبط الجزائر بـ3 أنابيب لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر إسبانيا وإيطاليا.
وكشف عن وجود دراسات أمريكية تتحدث أن القارة الأفريقية "ستتحول إلى منطقة جيواستراتيجية وأن تنتقل القوة الاقتصادية من آسيا إلى أفريقيا بين 2030 و2040 وتصبح معها أفريقيا تمثل ربع سكان العالم، وهناك استراتيجية غربية للتحكم في السوق الأفريقية".