ميركل في الجزائر.. وخبيران لـ"العين الإخبارية": زيارة غير عادية
ملفات الهجرة والساحل والاقتصاد في الصدارة
المستشارة الألمانية تصل إلى الجزائر، وخبيران يعتبران في حديثهما لـ"العين الإخبارية" أنها زيارة استباقية، وغير عادية في ظروفها وتوقيتها.
وصلت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل, إلى الجزائر، مساء الإثنين، على رأس وفد يضم عددا كبيرا من الوزراء ورجال الأعمال، حيث التقت رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى.
وكان بيان لرئاسة الجمهورية في الجزائر وصف زيارة المستشارة الألمانية "بالمهمة"، وذكر بأنها "تندرج في إطار التشاور الثنائي رفيع المستوى؛ لتعزيز علاقات الصداقة والتعاون القائمة بين الجزائر وجمهورية ألمانيا الفدرالية".
- بوتفليقة يجري تعديلات في الجيش ويقيل قائدي القوات البرية والجوية
- انطلاق الدورة 14 لأعمال اللجنة الإماراتية الجزائرية
يُشار إلى أن زيارة ميركل إلى الجزائر التي كانت مقررة في 20 فبراير/شباط 2017، تأجلت في آخر لحظة بسبب الوضع الصحي للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة.
وتأتي الزيارة الحالية لميركل في سياق تطورات داخلية وإقليمية تشهدها الجزائر والمنطقة الأفريقية والمتوسطية؛ ما جعل مراقبين يصفان الزيارة في معرض حديثهما لـ"العين الإخبارية" بـ"الاستباقية وغير العادية".
وقد ذكرا أن أجندة ميركل ستكون محملة بـ"ملفات ثقيلة"، وستكون من بينها ملفات الهجرة والوضع في ليبيا ومنطقة الساحل، إضافة إلى العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
الوضع السياسي في الجزائر
يرى المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، الدكتور سليم قلالة، في اتصال مع "العين الإخبارية" "أن زيارة ميركل إلى الجزائر هي زيارة استباقية لما سيحدث في الجزائر في العام المقبل بعد الانتخابات الرئاسية "حتى توفر لنفسها ضمانات لمصالحها الاقتصادية والسياسية في الجزائر، والهدف من الزيارة سياسي واقتصادي وأمني".
الطرح نفسه وجدته "العين الإخبارية" عند المحلل السياسي الدكتور ناصر جابي، الذي رأى أن "ميركل جاءت إلى الجزائر لتعرف الوضع عن قرب، وكيف ستكون الأوضاع في الجزائر وهل هي مقبلة على مرحلة استقرار أم لا، والدليل على ذلك إصرارها على الزيارة"، حسب قوله.
الهجرة.. معضلة مشتركة بين البلدين
من بين أهم الملفات التي ستطغى على محادثات المستشارة الألمانية مع المسؤولين الجزائريين ملف الهجرة غير الشرعية، حيث سبق وأن دعت ميركل إلى ضرورة تسوية الملف مع دول شمال أفريقيا والعمل معها لإعادتهم إلى بلدانهم.
- ميركل وبوتين يؤكدان ضرورة إعمار سوريا وإعادة اللاجئين
- أكثر من 700 مهاجر سري جزائري ماتوا في أوروبا منذ 1994
كما تسعى ألمانيا ومعها الاتحاد الأوروبي للبحث عن شركاء موثوقين في الضفة الجنوبية للمتوسط لمواجهة مشكلة الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب، في وقت تصرُّ الجزائر على رفض "فكرة شرطي المنطقة"، وفق تصريحات سابقة لرئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى.
وتشير الأرقام الرسمية الألمانية إلى أن عدد المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين في ألمانيا بات يتراوح ما بين 2500 إلى 3 آلاف جزائري.
وقال قلالة لـ"العين الإخبارية" إن "الشق الأول من الملف الأمني في المباحثات الجزائرية الألمانية يتعلق بالمهاجرين الجزائريين غير الشرعيين المتواجدين في ألمانيا".
وتابع: "ألمانيا تريد الحصول على ورقة القبول من الحكومة الجزائرية الحالية قبل سنة 2019، لإعادتهم إلى بلادهم".
لكنه في المقابل توقع رفض الجزائر لهذا الطلب، موضحا: "لا أتوقع أن توافق الجزائر على ذلك، سيبقى الملف مفتوحا لأنه شائك جدا، ولا يتعلق بألمانيا لوحدها، بل بفرنسا وإيطاليا وإسبانيا بشكل عام، ومرتبط أيضا بالهجرة الأفريقية إلى الجزائر، لأن الجزائر ستطلب من الأوروبيين حمايتها ودعمها من هذه الهجرة، فهي تعتبر نفسها أيضا ضحية للهجرة القادمة من الصحراء الأفريقية، وتطلب مشاركة الأوروبيين لإيجاد حل لهذه الظاهرة".
وأضاف قلالة أن "ملف الهجرة غير الشرعية هو الملف الذي سيتطور في السنوات القادمة، وسيكون ضاغطا على الحكومة الجزائرية والألمانية والحكومات الأوربية".
وبحسب الإعلام الألماني، فإن ميركل حملت معها إلى الجزائر فكرة جديدة ستطرحها على المسؤولين الجزائريين، والتي تسمى "برنامج إنزال"، والذي يسمح وفقا للمفوضية الأوربية للهجرة بنقل المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في عرض المتوسط إلى مواقع في شمال إفريقيا، على أن يتم النظر في طلباتهم الخاصة باللجوء.
ليبيا.. رفض ألماني للتدخل الفرنسي
من بين أهم الملفات الأمنية التي تثير انزعاج الألمان-بحسب قلالة- "التدخل الفرنسي في ليبيا"، إذ توقع أن تتباحث ميركل مع المسؤولين الجزائريين مسألة الأزمة الليبية، والتدخلات الفرنسية، التي قال إنها "تمت دون استشارة وتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي وأرادت الانفراد بالملف الليبي".
- الجزائر تدين الهجوم الإرهابي على "بوابة كعام" الليبية
- خبراء: هزيمة الإرهاب في ليبيا تبدأ بتجفيف منابعه بقطر وتركيا
وقال قلالة إن "الألمان يعتبرون التدخل الفرنسي الواضح في ليبيا أضر بمصالحهم، وسيبحثون هذا الموضوع مع المسؤولين الجزائريين".
بدوره رأى جابي في حديث مع "العين الإخبارية" أن "الحديث عن أن ألمانيا بعيدة نوعا ما عن ملفات ليبيا والساحل لصالح دول أخرى مثل فرنسا والولايات المتحدة، بات صورة قديمة فالسياسة الخارجية الألمانية تغيرت كثيرا، وهي مهتمة أكثر بما يحدث في المنطقة".
وقال جابي إن "ألمانيا قوة اقتصادية ولها سياسة خارجية فعالة ورؤية فيما يحدث بالمنطقة، ولا تريد أن تبقى بالنمط التقليدي الذي ينتظر الموقف الفرنسي أو العمل تحت جناح فرنسا، وهم اليوم يبادرون خاصة في قضية الساحل من خلال التمويل والمستوى السياسي والاقتصادي، وسيكون لهم دور أكبر في المستقبل القريب، هذه الزيارة بداية لهذا الدور".
وتابع: "هذه الزيارة هي الثانية لميركل إلى الجزائر إضافة إلى الوفود الألمانية الكثيرة التي زارت الجزائر وهي مهتمة كثيرا بالوضع في المنطقة، خاصة إذا ربطنا تأثرهم المباشر بالهجرة من سوريا".
منافسة اقتصادية مع فرنسا والصين
اتفقت التحليلات أيضا على أن زيارة ميركل تزامنت مع انضمام الجزائر إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهو ما بات يشكل بحسبهم تهديدا للمصالح الاقتصادية الألمانية والأوروبية في الجزائر.
المحلل السياسي جابي قال: "إن ألمانيا تمتلك اقتصادا قويا واستثمارات أكبر، وبالتالي فهي مجبرة على ممارسة السياسة للحفاظ على مصالحها، والألمان يرون أن الفرنسيين حاضرون تقليدياً في الجزائر والصينيين فاعلين جدد في الجزائر والمنطقة، ومن هنا تريد ألمانيا الاستفادة من قوتها الاقتصادية وقربها من الجزائر لإعادة تموقعها الاقتصادي والسياسي".
واعتبر المحلل السياسي أن "فرنسا تبقى الخاسر الأكبر من أي تقارب جزائري ألماني، لأن جزء من السوق الجزائرية سيذهب إلى الألمان من خلال الاستثمارات، في مقابل منافسة كبيرة مع الصين".
وعن إصرار المستشارة الألمانية على زيارة الجزائر وفق ما ذكره الإعلام الألماني، يرى قلالة أن الأمر مرتبط بالصراع مع فرنسا، قائلا: "إن فرنسا تشتغل تحت الأرض وفوق الأرض للحصول على مصالح أكبر في الجزائر والمنطقة ككل وللهيمنة على شمال إفريقيا، وألمانيا ترى باريس تجاوزت حدودها في شمال أفريقيا وينبغي أن يوضع حد، وإلا سيكون ذلك على حساب الميزان القائم بين فرنسا وألمانيا الذي يكون في الغالب متوازنا عسكريا واقتصاديا، ومن خلال الجزائر يمكن لألمانيا أن تحافظ على ذلك التوازن على الاقل".
وتقدر قيمة الاستثمارات الألمانية في الجزائر بنحو 1.7 مليار دولار، في وقت تحتل ألمانيا المركز الرابع في قائمة المصدرين للجزائر بقيمة 2.3 مليار دولار، في وقت تنشط 200 مؤسسة ألمانية بالجزائر في مختلف القطاعات من بينها السيارات والشاحنات، الطاقة، البتروكيماويات، البناء وغيرها.