مخطط الجزائر للتكيف.. حلول وطنية تتحدى تغيرات المناخ
حصلت الجزائر منتصف أغسطس/آب الجاري على تمويل يقدر بثلاثة ملايين دولار لإنجاز مخططها الوطني للتكيف مع التغيرات المناخية.
وبهذا تعد الجزائر من الدول القليلة التي حصلت على تمويل خارجي بعد أن تم رسميا التوقيع على وثيقة إطلاق المخطط الذي اعتبرته البلاد "أولوية الأولويات" كجهد وحل وطني وبتعاون دولي لمواجهة التغير المناخي.
وتدعم خطة الجزائر الوطنية الانتقال إلى أنماط إنتاج واستهلاك مستدامة، بناء على تكنولوجيات منخفضة الانبعاثات، وفقا للإمكانات والظروف الخاصة بها.
وفور مصادقتها على اتفاق باريس حول التغيرات المناخية في أكتوبر/تشرين الأول 2016، أطلقت الجزائر حوارا وطنيا ترأسته وزارة البيئة بمشاركة 18 قطاعا وزاريا لإعداد المخطط الوطني للمناخ وتمت المصادقة على هذا المخطط في سبتمبر/أيلول 2019.
تضمن المخطط الوطني الجزائري للتعامل مع التغيرات المناخية 155 مشروعا من بينها 76 مشروعا يخص التخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة و63 مشروعا متعلق بالتكيف مع التغيرات المناخية.
الخطة الوطنية
اشتملت الخطة الوطنية للتكيف مع التغيرات المناخية في الجزائر على أهداف طموحة تتعلق بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز التنمية الخضراء والعمل كي تصبح البلاد قطبا هاما لإنتاج الطاقة النظيفة.
تسعى الجزائر في إطار مخططها للوصول إلى مستوى مهم في إنتاج الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، لتكون ضمن الصفوف الأولى في إنتاج هذه الطاقة.
وقال وزير المناجم والطاقة محمد عرقاب إن "الجزائر تهدف لأن تصبح بلدا موثوقا في إنتاج وتوريد الطاقة الكهربائية بما فيها الطاقة الخضراء، على غرار ما هي عليه بالنسبة لإنتاج وتوريد الغاز الطبيعي".
وأضاف الوزير في تصريحات صحفية: نريد أن نصبح من الموردين للطاقة الخضراء للبلدان المجاورة ولأوروبا، لأن الهدف الرئيسي الآن هو تطوير الطاقة في الجزائر وكذا توطين كل معدات الإنتاج، حتى نكون من أكبر البلدان المصنعة لها.
وضمن خطة الجزائر الوطنية التعاون الإقليمي والدولي في قضية التكيف ومواجهة التغيرات المناخية خاصة الدول الأفريقية لاسيما تلك المجاورة للجزائر، وذلك من خلال مساعدتها في إنتاج وتوفير الطاقة النظيفة والمتجددة.
وتنتج الجزائر 25 ألف ميغاواط من الكهرباء لكنها تسعى للوصول إلى مستوى مهم في إنتاج الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، وذلك لتكون ضمن الصفوف الأولى في إنتاج هذه الطاقة.
ووضعت البلاد ضمن حساباتها للتكيف برنامج إنجاز 15 ألف غيغاواط من الطاقات المتجددة والذي سينجز من طرف مجمع سونلغاز عبر أكثر من 40 ولاية.
الجزائر التي سجلت مستويات قياسية في استهلاك الكهرباء على المستوى الوطني خلال شهري يوليو وأغسطس بسبب الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة، فأوضح السيد عرقاب، لديها وفرة في إنتاج الطاقة الكهربائية تسمح لها بمواجهة مثل هذا المستوى القياسي للطلب لكن الإشكال يكمن في نقل وتوصيل الكهرباء في هذه الظروف المناخية غير العادية.
وفي إطار التكيف مع تلك المستويات القياسية لدرجات الحرارة تبذل جهودا كبيرة لتقوية الشبكة الكهربائية حتى تتأقلم مع الظروف المناخية الاستثنائية.
صعوبات التمويل
مرارا تحدثت وزيرة البيئة والطاقات المتجددة الجزائرية فازية دحلب إلى الصعوبات التي تعرفها الدول الإفريقية للحصول على تمويلات خارجية وما تعانيه من إقصاء في هذا المجال.
وقالت الوزيرة إن الدول المتقدمة المسؤولة تاريخيا عن التغيرات المناخية لم توف بتعهداتها وفقا لمقتضيات اتفاق باريس، في مجال التمويل، بينما نحن مطالبون بتحمل القسط أكبر من الآثار السلبية لهذه التغيرات والتي تمس بشكل مباشر بأمننا الغذائي والمائي والطاقوي.
وكشف المكلف بتسيير الوكالة الوطنية للتغيرات المناخية بوزارة البيئة والطاقات المتجددة في الجزائر، سعيد قدور أن بلاده ومنذ 2018 تتعاون مع الصندوق الأخضر للمناخ من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أجل مرافقتها في إعداد المخطط الوطني للتغيرات المناخية، وتبذل في هذا السياق جهود مضنية.
وشددت الجزائر في الاجتماع رفيع المستوى للوزراء والسلطات العليا للبيئة والعلوم والتكنولوجيا والابتكار في مجموعة الـ"77 + الصين"، على الظروف الدولية التي تستدعي تعبئة جميع الفاعلين لمكافحة التغير المناخي وآثاره السلبية على النظم البيئية والكوارث الطبيعية التي تنتج عنه، مما يعرض السكان الأكثر ضعفًا للخطر.
وغالبا ما تواجه خطط التكيف الدول الفقيرة والنامية وبينها الجزار جملة من التحديات البيئية الرئيسية وعلى رأسها التمويل اللازم لتعزيز استخدام العلوم والتكنولوجيا والابتكار لتحقيق التنمية المستدامة والمتجاوبة.
وتهدف سياسة التنمية في الجزائر إلى تعزيز استغلال الموارد الوطنية وتعزيز التنمية المستدامة من خلال حلول أكثر ديمومة في مجال الانتقال إلى اقتصاد دائري أخضر، من أجل الحفاظ على موارد البلاد للأجيال القادمة.
مشاريع على طريق التكيف
2000 ميغاواط كهروضوئية
أطلق مجمع سونلغاز يوليو/تموز مناقصة وطنية دولية لإنجاز مشروع إنتاج 2000 ميغاواط من الكهرباء الشمسية الكهروضوئية.
كما ستطلق خلال سبتمبر/أيلول المقبل مناقصة ثانية لإنتاج 3000 ميغاواط كهروضوئية.
وتنافست على الفوز بالمناقصة 34 مؤسسة جزائرية و106 مؤسسة أجنبية يمثلون 20 بلدا.
ويتمثل المشروع في إنجاز 15 محطة شمسية كهروضوئية عبر 12 ولاية، بقدرة وحدة تتراوح بين 80 و220 ميغاواط، علاوة على إنجاز منشآت للربط بشبكة نقل الكهرباء.
المشروع يعتبر مرحلة أولية لتجسيد برنامج طموح لتطوير الطاقات المتجددة في الجزائر، يهدف إلى بلوغ 15 ميغاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية في آفاق 2035، بحسب وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب.
ويأتي المشروع ضمن جهود الجزائر الرامية للتكيف مع السياق الدولي والاستجابة في نفس الوقت للطلب الوطني المتزايد على الطاقة، والقائم على سياسة تهدف إلى حماية البيئة والتنمية المستدامة.
وقال المدير العام لمجمع سونلغاز مراد عجال أن “سونلغاز ستتبوأ مكانة رائدة في مجال الطاقة الشمسية من خلال إطلاق مشروع 2000 ميغاواط، الذي يشكل جزءا من مشروع 15000 ميغاواط الذي بادر به رئيس الجمهورية”.
وأكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقات المتجددة، فرانشيسكو لاكاميرا، أن الجزائر بإمكانات كبيرة في مجال الطاقات المتجددة، والوكالة تمثل شريكا للجزائر وستواصل العمل جنبا إلى جنب مع وزارة البيئة وسونلغاز بغية تجسيد هذا المشروع”.
مشروعات الهيدروجين الأخضر
تهدف الجزائر إلى إنتاج 2 مليون طن من الهيدروجين الأخضر بين عامي 2030 و2040 وهو ما يمثل 10 بالمائة من الطلب الأوروبي المتوقع خلال هذه الفترة.
وتأتي هذه المساعي في ظل وجود توجه عالمي للحصول على مصادر نظيفة للطاقة، الأمر الذي من شأنه محاربة تغير المناخ والوصول إلى الحياد الكربوني، وتحقيق مساعي أوروبا في إيجاد مصادر بديلة للطاقة.
كما تطمح الجزائر، إلى أن تصبح قطبا مهماً في مجال صناعة وتصدير الهيدروجين على مستوى العالم، واضعة السوق الأوروبية نصب عينيها، فيما تتوقع وزارة الطاقة الجزائرية، تحقيق إيرادات تقدر بـ10 مليارات دولار سنوياً بحلول عام 2040.
وقال المدير العام للاستشراف في الوزارة، إن نوايا الاستثمار في قطاع الهيدروجين الأخضر في الجزائر تقدر بما بين 25 و30 مليار دولار.
وأضاف، أن حجم الاستثمارات مرتبط بـتطور السوق، وتطور إمكانيات الإنتاج في البلاد، بعد اكتساب هذه التكنولوجيا، وتوفير المناخ المناسب للاستثمار، وإنجاز الدراسات التي من خلالها ستتضح الرؤية لتنفيذ هذه المشروعات عن طريق الشركات الجزائرية والأجنبية التي تبدي رغبة في استيراد الهيدروجين.
وقال مدير قطاع الهيدروجين والطاقات البديلة على مستوى محافظة الطاقات المتجددة في الجزائر، رابح سلامي، أن هناك اتفاقيات ومشاورات متواصلة مع أطراف أوروبية بشأن عدة مشروعات يجري دراستها وتطويرها، تتعلق بمشروعات نموذجية أولية تسمح بتجريب التقنيات والتكنولوجيا، مضيفا أنه في المستقبل سيزيد عدد هذه الاتفاقيات.
يذكر أن سوناطراك وشركة الغاز الألمانية VNG-AG، وقعتا نهاية العام الماضي مذكرة تفاهم من شأنها السماح بإطلاق أول مشروع نموذجي مختص بإنتاج الهيدروجين الأخضر في الجزائر بطاقة تقدر بنحو 50 ميغاواط، بهدف التحكم في التكنولوجيا المرتبطة بهذا المجال.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، وقعت الجزائر وإيطاليا اتفاقية بشأن بناء خط غاز جديد يمكنه نقل الهيدروجين من الجزائر إلى جزيرة سردينيا الإيطالية في البحر المتوسط، إضافة إلى اتفاق بين شركتي إيني الإيطالية وسوناطراك، لتطوير إنتاج الهيدروجين الأخضر، عن طريق مشروع تجريبي على مستوى حقل رباع الشمال جنوبي الجزائر، الذي يهدف إلى الحد من البصمة الكربونية لمصنع الغاز في هذا الحقل.
مبادرات بيئية
تطلق الجزائر على المستوى الرسمي والمجتمع المدني مبادرات بيئية عديدة للتفاعل الإيجابي والتكيف مع التغيرات المناخية وتسعى لتعزيز العمل الجماعي للمحافظة على البيئة والغابات والعمل المشترك، خاصة مع الظروف المناخية التي تمر بها البلاد حاليا المصحوبة بموجة من الحرارة المرتفعة.
ومن تلك المبادرات حملة تنظيف تطوعية كبرى بغابة باينام بالجزائر العاصمة، التي تتربع على مساحة تقدر بـ504 هكتار، وذلك ضمن حملات بيئية وتوعوية تشمل عدة غابات أخرى على المستوى الوطني.
وتعي الجزائر ضمن مخططها الوطني للتكيف مع التغيرات المناخية ضرورة إشراك المجتمع في هذه الحملات في ظل الظروف المناخية التي تعرفها البلاد, المتميزة بارتفاع كبير لدرجات الحرارة.
ومنها خلال الشهور الماضية حملات لتطهير تطهير الشواطئ من النفايات في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي تساعد في تحلل النفايات, وبالتالي, خلق التلوث البيئي.
كما تسعى وزارة البيئة والطاقات المتجددة في الجزائر إلى خلق سوق متكامل خاص بإعادة تدوير لنفايات للمساهمة في ترقية الاقتصادي الوطني، وللمساهمة في خلق فرص عمل جديدة.