التعديلات الدستورية بالجزائر.. رهان يضع تبون في "اختبار" شعبي
خبيران يتحدثان لـ"العين الإخبارية" عن أبرز الرهانات والتحديات التي تواجه الاستفتاء الشعبي المقبل على تعديل الدستور بالجزائر.
اعتبر محللان جزائريان أن الاستفتاء الشعبي المقبل على تعديل الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني سيكون بمثابة "الاختبار الصعب لشعبية" رئيس البلاد عبدالمجيد تبون، بعد انتخابات الرئاسة العام الماضي التي أوصلته للحكم بأغلبية مطلقة.
ويعزو الخبراء صعوبة المهمة في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية" إلى جملة من المعطيات التي حددت واقعاً سياسياً جديداً وآخر اقتصاديا واجتماعيا صعبا، والذي يسبق أول موعد انتخابي في عهد تبون.
- الرئاسة الجزائرية تعلن الأول من نوفمبر موعدا لاستفتاء تعديل الدستور
- جدل مسودة دستور الجزائر .. 2500 "فيتو" على 74 مقترحا رئاسيا
وركز تبون على "رهان الدستور التوافقي" من خلال إحداث القطيعة مع ممارسات النظام السابق، ووضع حد للصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها رئيس البلاد، وأن "يكون الدستور ميثاقاً يجمع مطالب الحراك الشعبي ووسيلة تغيير سلمي تضمن الانتقال الديمقراطي".
واعتبر الخبيران أنه من الصعب التكهن أو استشراف نتيجة الاستفتاء الشعبي في الوقت الحالي، بالنظر إلى عدة أسباب موضوعية، أبرزها عدم طرح الوثيقة النهائية للدستور التي سيستفتى عليها الجزائريون.
وأعلنت الرئاسة الجزائرية، الإثنين، أنه تم تحديد موعد الاستفتاء الشعبي على تعديل الدستور، وذلك في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والذي يتصادف مع الذكرى الـ66 لاندلاع ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي والتي استمرت من عام 1954 وحتى 1962.
نقاط القوة والضعف
وأثار الإعلان عن المسودة الأولية لمشروع الدستور منذ، مايو/أيار الماضي نقاشاً شعبياً وسياسياً واسعاً وغير مسبوق، وانقسم الجزائريون بين مؤيد لما تضمنه من مواد جديدة ورافض لها، ومترقب للوثيقة النهائية للدستور المقبل التي لم يتم الكشف عنها بعد.
وتسلم الرئيس الجزائري، الشهر الماضي، 2500 اقتراح لتعديل النصوص الـ74 الجديدة في المسودة من قبل الأحزاب والشخصيات السياسية ونقابات وممثلي المجتمع المدني.
ومن أبرز المواد الدستورية التي قوبلت بتفاعل شعبي وسياسي واسع وتكرس لنظام "شبه رئاسي"، ما يتعلق بالفصل بين السلطات الثلاث واستقلالية القضاء، وتقليص صلاحيات رئيس البلاد، وإعادة العمل بنظام رئيس الحكومة وتوسيع صلاحياته وصلاحيات البرلمان والقضاء، وإنشاء محكمة دستورية تراقب قرارات السلطات الثلاث، وتعيين نائب لرئيس الجمهورية.
وكذا إخضاع الحراك الشعبي للدستور، وحظر خطاب الكراهية والتمييز، وجعل إرسال الجيش في مهمات خارجية محددة لـ"حماية الأمن القومي" مشروطة بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان، و"إدراج اللغة الأمازيغية ضمن الأحكام التي لا تخضع للتعديل الدستوري".
رهان التغيير الجذري
وكشفت مبادرة "القوى الوطنية للإصلاح"، الأسبوع الماضي، التي تضم أحزاباً وشخصيات معارضة ومثقفين وأكاديميين عن التعهدات الـ6 التي قدمها تبون بعد استقبالهم في قصر "المرادية" الجمهوري، والتي وُصفت بـ"التعهدات الجديدة لإحداث التغيير الجذري".
وتحدد هذه التعهدات "معالم المشهد السياسي ما بعد الاستفتاء الدستوري"، وكان من أبرزها الإعلان عن انتخابات تشريعية ومحلية مبكرة، يسبقها تغيير قانون الانتخابات.
صعوبات وتحديات
وأشار خبيران لـ"العين الإخبارية" إلى جملة التحديات والصعوبات التي تحيط موعد الاستفتاء الشعبي، لا سيما أن تبون حدد في برنامجه الانتخابي وخطاب التنصيب تعديل الدستور "أولوية الأولويات" و"اللبنة الأولى لبناء الجزائر الجديدة".
وهي الأولوية التي اصطدمت بجائحة كورونا وخلطت أولويات الأجندة الرئاسية، بعد أن تم الدفع بالإصلاحات الاقتصادية قبل التعديل الدستوري الذي كان مقرراً خلال الربع الأول من العام الجاري.
ويراهن تبون على "دستور توافقي" يقطع مع ممارسات النظام السابق ويضع حدا لصلاحيات رئيس البلاد، ليكون ميثاقاً يجمع مطالب الحراك الشعبي ووسيلة تغيير سلمي تضمن الانتقال الديمقراطي.
وهو ما دفع المراقبين إلى التأكيد على أهمية الموعد الانتخابي المقبل في "تحديد شعبية تبون وكذا وضوح معالم المشهد السياسي في المرحلة المقبلة".
دلالة رمزية
وشكل اختيار موعد الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لإجراء الاستفتاء الشعبي مفاجأة للمتابعين، الذي يوافق يوم الأحد، وهو ما يعد سابقة في كل المواعيد الانتخابية التي جرت في البلاد، إذ كانت دوما يتم التخطيط لها في يوم الخميس.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور حسين قادري أشار إلى أنه "دقيق وهادف لهذه الرمزية".
وأوضح في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "موعد الاستفتاء مرتبط بعدة تحديات تتعدى الدستور، وأراد تبون من خلاله تمرير رسائل للداخل والخارج، تفيد بأن الجزائر تتجه نحو إعادة التاريخ بثورة جديدة من نوع آخر سماه التوجه نحو بناء جزائر جديدة.
وربط ذلك بـ"رمزية تدشين المسجد الأعظم يوم الاستفتاء الشعبي، وهو ما يعني رسالة التمسك بالأصالة ومنه تجسيد حقيقي لبيان الثورة التحريرية الذي حدد معالم الدولة في بنائها في إطار القيم العربية والإسلامية".
كما أوضح المحلل السياسي العربي زواق في حديث لـ"العين الإخبارية" بأن "موعد الأول نوفمبر/تشرين الثاني هو يوم مقدس عند الجزائريين".
وأعرب عن اعتقاده بأن "الوضعية الحالية التي تمر بها البلاد من حيث الضبابية في الرؤية السياسية والاقتصادية تدفع الرئيس تبون لاختيار هذا اليوم والارتباط أكثر بالمشروع الوطني حتى يعطي نوعاً من الشعبية لأن الشعب لايزال يقدس هذا النوع من المحطات التاريخية".
وأشار إلى أن "النظام السابق عوّد الشعب عشية المواعيد الانتخابية على أن يوفر له كل شيء دون أن يعمل وهي حقيقية مرة يجب الاعتراف بها".
وتابع: "البلد اليوم يمر بظروف مالية صعبة وبالتالي من غير الممكن أن توفر السلطة الحالية مطالب الشعب الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يعني أننا نعيش مرحلة ترقب لمدى شعبية الرئيس وسيتحدد ذلك في 2 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل".
تحدٍ صعب
وقدم قادري قراءة شاملة لما يحيط بالموعد الانتخابي المقبل من رهانات وتحديات وصعوبات، لخصها في أن "موعد الأول من نوفمبر/تشرين الثاني سيكون إفرازاً حقيقياً لجانب كبير من نتائجها"، والذي عده "تحدياً كبيراً لتبون الذي تآكلت سنة تقريباً من ولايته الرئاسية وكذا تحدياً للوضع العام في البلاد".
ويرى أن الحكم على فشل أو نجاح الاستفتاء الشعبي مرتبط "بمدى تبني الرئاسة للاقتراحات الـ2500"، في الوقت الذي أكد فيه تبون في تصريح سابق أن "عدم موافقة الجزائريين على مشروع الدستور يعني العودة لدستور بوتفليقة لعام 2016 والذي أثار الكثير من الجدل".
ومن أبرز الرهانات التي تحدث عنها المحلل السياسي "نسبة المشاركة والمقاطعة"، مشيراً إلى أنه واحد من أكبر الرهانات التي تواجه السلطة الجديدة "وستحدد مدى قوة أو ضعف شرعيتها".
4 صعوبات
وحدد قادري الصعوبات التي تواجه الاستفتاء المقبل و"تخدم ضد أهداف الرئيس"، ولخصها في "التبعات الاقتصادية والاجتماعية السلبية لجائحة كورونا على القدرة الشرائية للمواطنين، وندرة السيولة المالية في البنوك ومراكز البريد وارتفاع أسعار كثير من المواد الاستهلاكية وانقطاع المياه".
غير أنه أشار إلى انتباه الحكومة الجزائرية لتلك الصعوبات التي قال إن "فلول النظام السابق من يقف ورائها"، مشيراً إلى "إسراعها في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية الجديدة وإحداث تغييرات كبرى في عدة قطاعات سيادية".
aXA6IDMuMTQ1LjY2LjEwNCA= جزيرة ام اند امز