كورونا في الجزائر.. إجراءات استباقية حاصرت الفيروس
عضو بلجنة رصد ومتابعة تفشي فيروس كورونا بالجزائر يؤكد أن بلاده كانت من أوائل الدول التي اتخذت إجراءات استباقية ضد تفشي الفيروس
كشف إخصائيون جزائريون أن الالتزام بتدابير التباعد الاجتماعي والجسدي يضمن السلامة من عدوى فيروس كورونا في ظل ضبابية هندسته الوراثية وشح المعلومات والأبحاث حول طبيعة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19".
وتباينت قراءاتهم للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات الجزائرية لمجابهة جائحة كورونا، بين من أكد على أنها "جنبت البلاد كارثة صحية على غرار دول أوروبية" وبين من عدها "متناقضة" بين "صرامة القرارات الحكومية وفشل الصحة الجزائرية في تسيير أزمة كورونا".
وارتفع عدد المصابين الإجمالي بفيروس "كوفيد – 19" إلى 7377 إصابة مؤكدة، فيما وصل إجمالي الوفيات إلى 561 حالة وفاة.
تدابير استباقية "جنبت كارثة صحية"
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية"، أشار الدكتور بركاني بقاط عضو "لجنة رصد ومتابعة تفشي فيروس كورونا" الحكومية أن "الجزائر كانت من أوائل الدول التي اتخذت إجراءات استباقية واستثنائية حتى قبل الكشف عن أولى حالات كورونا في البلاد".
وأوضح أن أهم الإجراءات التي اتخذتها الجزائر تمثلت في وقف الرحلات الجوية والبحرية وإغلاق المدارس والجامعات والمساجد والمقابلات الرياضية.
وتابع قائلاً: "جميع الإجراءات التي اتخذتها السلطات جنبت البلاد كارثة صحية حقيقية، وردت علفى ادعاءات البعض بأن المنظومة الصحية في الجزائر لا يمكنها مقاومة هذا الوباء، لكن النتيجة كانت مواجهة الفيروس ونحن اليوم أمام نوع من الاستقرار من حيث عدد الحالات المصابة".
وأضاف: "رئيس الجمهورية اتخذ الطريق الصحيح بالنسبة لكشف الحقيقة يومياً للجزائريين والعالم عكس كثير من الدول بالنسبة للحالات المؤكدة وفي كل ولاية وحالات الوفيات وتطور أدوات المقاومة".
وأشار إلى أنه مع بداية انتشار الوباء منذ أكثر من شهرين كانت الجزائر تملك مختبراً واحداً لتحاليل الأمراض والأوبئة المعدية وهو "معهد باستور" في العاصمة، وكشف عن وجود "26 مركزاً لتحاليل الكشف عن فيروس كورونا في البلاد خلال أشهر تفشي الوباء، في وقت يوجد في دول مجاورة مركز واحد أو اثنان على الأكثر".
وشدد على أن بلاده "قاومت بشدة هذا الوباء بكل صرامة وشفافية، وعلى هذا الأساس ثمنت المنظمة العالمية للصحة طريقة تعامل الجزائر مع الفيروس، مقابل شكوكها في شفافية بعض الدول".
وتحدث "رئيس عمادة الأطباء الجزائريين" لـ"العين الإخبارية" عن أن الجزائر كانت من أوائل الدول التي قررت تطبيق علاج "الكلوروكين" على المصابين بفيروس كورونا، مشيرا إلى "أنه أثبت نجاعته، وتمثلت في تراجع عدد الوفيات مقابل زيادة حالات الشفاء".
وأضاف أن الجزائر تتبع عدة طرق في الكشف عن الفيروس بينها "التشخيص الطبي" والتي أعطت "صورة حسنة في العالم بأن الجزائر دولة جندت كل وسائلها بما فيها التكاليف المالية التي وصلت إلى 100 مليون دولار".
وفيما يتعلق بإمكانية اتخاذ الجزائر إجراءات أخرى لـ"التعايش مع كورونا" أشار العضو في "لجنة رصد ومتابعة تفشي فيروس كورونا" الحكومية إلى أن خروج بلاده من هذا الوباء "يجب أن يكون بدون شكوك حول إمكانية بقائه.
فرض الكمامات.. حاجز أمام عدوى كورونا
وكشف عن أن اللجنة طرحت في اللقاء الأخير مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مسألة "التعايش مع كورونا بعمق من قبل المختصين والخبراء ومسؤولي الحكومة، وقررنا اتخاذ تدابير أولية تخص يومي العيد، مع تعميم وإجبارية ارتداء الكمامة في الأماكن العمومية، ووفق الخبراء العالميين فإنها تعد حاجزاً كبيراً أمام انتقال الفيروس".
وعن ندرة الكمامات في الصيدليات الجزائرية، أوضح الدكتور بركاني بقاط أن هناك توجهاً لتوفيرها وبأسعار معقولة تكون في متناول جميع الجزائريين، وألمح إلى أن هذه الخطوة "قد تمهد لإجراءات أخرى للتعايش مع فيروس كورونا".
وفيما يتعلق بقرار رفع ساعات الحجر المنزلي يومي العيد، كشف أن "الأبحاث التي قامت بها اللجنة أكدت أن انتقال الفيروس يكون بشكل أكثر في الوسط العائلي، خاصة بالنسبة للحالات الحاملة للفيروس دون وجود أعراض عليها، وهذه الفترة خطرة جداً بسبب الزيارات العائلية التي تقرر تجنبها".
إجراءات "موفقة"
بدوره، اعتبر رئيس "النقابة الجزائرية للصحة العمومية" في حديث لـ"العين الإخبارية" أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات الجزائرية بما فيها اجتماع رئيس الجمهورية بحضور رئيس الوزراء مع لجنة متابعة ورصد كورونا "موفقة وناجعة".
وأشار إلى أن أهم إجراء حظي بإجماع هو "منع الزيارات العائلية وزيارة المقابر وزيادة ساعات الحجر المنزلي لمنع عادات المجتمع خلال العيد من التماس المباشر بين الناس ومنع تنقل السيارات والدراجات"، مضيفاً أن هذه الإجراءات الاحترازية "ستساهم في تراجع العدوى خلال يومي العيد".
حالات عدوى غريبة
ومن جهته أشار خميس علي، رئيس "النقابة الجزائرية للصحة العمومية"، في تصريح لـ"العين الإخبارية" إلى أن "كل الدول اتخذت التدابير الاحترازية لمواجهة كورونا على حسب التركيبة والمنهج الاجتماعي الخاص بها، ولا نملك حتى الآن مواصفات عن تطور الفيروس وكيفية انتقاله وتركيبته الجينية وما لدينا إلا عموميات عنه".
وأعطى نظرة عن طبيعة الفيروس المنتشر في الجزائر، وكشف للمرة الأولى عن "حالات غريبة للفيروس في الجزائر من حيث طريقة العدوى المختلفة"، وذكر أن "حالات العدوى في العائلات تختلف من عائلة لأخرى، بينها إصابة الزوج أو الزوجة بالفيروس دون بقية أفراد العائلة، أو إصابة الأطفال مع عدم انتقال العدوى إلى الآباء، أو إصابة العائلة بأكملها".
وأكد رئيس "النقابة الجزائرية للصحة العمومية" أن بلاده "تسير في الاتجاه الصحيح" من حيث تدابيرها الاحترازية، لكنه انتقد ما سماه "مشكل الذهنيات في المجتمع".
وكشف عن وجود "فئتين" في المجتمع الجزائري، "الأولى تؤمن بوجود فيروس كورونا وخطر عدواه، والفئة الثانية ترى فيه شيئاً غير ملموس وغير مرئي"، وشدد على أن هذه الفئة "هي التي تتسبب في تفشي الفيروس في البلاد".
وأضاف: "ما يهمنا الآن أن يساهم الجميع بمن فيهم السياسيون والأطباء والإخصائيون والمثقفون في توعية الناس بأهمية التباعد الجسدي والاجتماعي وطرق الوقاية من الفيروس، خاصة أنها ليست بالإجراءات الصعبة، في وقت نرى طوابير طويلة على مواد غذائية دون التزام بالإجراءات الوقائية".
وأوضح أن من أسباب تفشي الفيروس في الجزائر من خلال متابعة الأشخاص المصابين والتحقيقات الميدانية "تلك الأساليب والعادات الاجتماعية السيئة، وبينها عدم احترام مسافات الأمان في المحلات والأسواق، والتجمعات في الشوارع والأحياء، ولجوء بعض التجار والزبائن إلى سلوكيات مخزية مخجلة بفتح جزئي لمحالهم ثم يشرعون في تكديس الزبائن داخلها، وهي السلوكيات التي تهيئ الجو لانتشار كورونا".
ويرى أن "التساهل في تطبيق العقوبات على المخالفين للحجر المنزلي وإجراءات التباعد الاجتماعي ساهمت بدورها في هذه السلوكيات".
حالات "قليلة"
ورغم تخطي الجزائر عتبة 7 آلاف إصابة بفيروس كورونا، إلا أن خميس علي قلل من خطورة الوضع الصحي الناجم عن تفشي كورونا في الجزائر، وأرجع ذلك إلى "مقارنة عدد المصابين الإجمالي بعدد سكان الجزائر الذي يفوق 43 مليون نسمة وعدد البلديات التي يبلغ عددها 1541.
وأكد أن المشكل الحقيقي الذي تواجهه الجزائر هو التغيرات التي يعرفها فيروس كورونا والتي وصفها بـ"همجية الفيروس من حيث الانتشار والتي خلقت ارتباكاً عالمياً وليس في الجزائر فقط، والذي زاده الخوف من التكنولوجيا التي أنتجت فيروس السارس سابقاً، حيث ساهم التطور التكنولوجي في خلق المزيد من الخوف في المجتمعات".
بالإضافة – كمال قال خميس علي – إلى الدور السلبي الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي "في خلق فوضى وخوف في المجتمع الدولي، والذي أثر على المنظومة الصحية والاقتصادية والاجتماعية في العالم".
ومن جانبه قال عبدالحميد بوعلاق، منسق "شبكة الجمعيات الجزائرية للأمراض المزمنة"، إن وزارة الصحة "فشلت في تسيير أزمة كورونا" مقارنة مع الإجراءات الحكومية المتخذة.
وقال في تصريح لـ"العين الإخبارية" إن "وزارة الصحة لم تضع استراتيجية حقيقية لمواجهة فيروس كورونا"، مرجعاً ذلك بالدرجة الأولى "إلى قلة التحاليل الطبية بصفة منتظمة" التي قال إن "تعميمها سيكشف عن آلاف الحالات، كما أن كثيراً من الناس يحملون الفيروس لكنهم يتماثلون للشفاء منه بشكل آلي".
وكشف عن أن التحاليل الطبية "لا تجرى إلا للحالات المتقدمة مع وجود صعوبات كثيرة وإجراءات تعسفية من الإدارة على إجرائها، بالإضافة لعدم وجود تنسيق بين الوزارة والمجتمع المدني".
وأضاف: "طالبنا عدة مرات بالتنسيق مع الوزارة في عدة أمور صحية لكن دون رد منها، وكذا غياب الإطارات عن الوزارة والتأطير بشكل شبه كلي".
وأكد وجود أمراض مزمنة "تتسبب في قتل الجزائريين أكثر من فيروس كورونا، وسط معاناة كبرى من المرضى جراء التهاون والتقصير" خاصة أنهم أكثر المعرضين لخطر الإصابة بكورونا، معتبراً أن الأمور "تسير بوتيرة متناقضة في معالجة الأمراض الخطرة والمزمنة مع نقص الأدوية وارتفاع عدد المرضى".