مرشحو انتخابات الجزائر.. وعود كثيرة وحضور شعبي ضعيف
يونس بورنان - الجزائر
مراقبون يرون أن الحملات الانتخابية خاصة في العقدين الماضيين لا تستقطب الناخب، وتشهد حضورا شعبيا ضعيفا يقتصر على مناضلي الأحزاب
تركزت خطابات المرشحين للانتخابات الرئاسية في الجزائرية، خلال الحملة الانتخابية التي دخلت الخميس يومها الخامس، على دعوة الجزائريين للمشاركة في الاقتراع المقرر 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، بجانب الكثير من الوعود بمحاربة الفساد وتغيير الدستور بشكل يعزز الحريات، ويضمن استقلالية العدالة، ويعطي دورا أكبر للمعارضة.
وعلى اختلاف توجهاتهم، كانت هناك سمات مشتركة بين المرشحين، بينها تقديم الكثير من الوعود البراقة، خاصة فيما يتعلق بمحاربة الفساد وتغيير الدستور بشكل يعزز الحريات ويضمن استقلالية العدالة، وكذلك العزوف الشعبي عن تجمعاتهم، والقاعات شبه الفارغة لغالبية المرشحين.
والمرشحون الخمسة تنقلوا خلال الأيام الأربعة الأولى بين 15 محافظة من المحافظات الـ48 للجزائر، وهم المرشح المستقل عبدالمجيد تبون، وعلي بن فليس رئيس حزب "طلائع الحريات"، وعبدالعزيز بلعيد رئيس حزب "جبهة المستقبل"، وعز الدين ميهوبي الأمين العام بالنيابة لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، والإخواني المنشق عبدالقادر بن قرينة رئيس ما يعرف بـ"حركة البناء".
ويرى مراقبون أن الحملات الانتخابية في الجزائر خاصة في العقدين الماضيين "لا تستقطب الناخب الجزائري"، وتشهد عادة حضوراً شعبياً ضعيفاً يقتصر على مناضلي الأحزاب المترشحة.
غير أن انتخابات الرئاسة المقبلة صنعت حسب متابعين آخرين الاستثناء، بانقسام الجزائريين بين رافض لإجرائها ومؤيد، بعدما كانت مواقف الجزائريين من المواعيد الانتخابية تتراوح بين المقاطعة والعزوف.
ويرى المتابعون أن الدعوات المطالبة بإلغاء الانتخابات وتتبع الرافضين لها التجمعات الشعبية للمرشحين كانت من أبرز أسباب عزوف الجزائريين عن الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة.
بن فليس و"الحنين" للاشتراكية
المرشح علي بن فليس الذي اختار بدء حملته الانتخابية من محافظة تلمسان (غرب) ووصفها المتابعون بـ"عقر دار بوتفليقة" كونه ينحدر منها، ركز في حملته الانتخابية على تقديم وعود قال إنها "لتصحيح أخطاء نظام بوتفليقة".
وقدم بن فليس "أجندة رئاسته للجزائر" ببرنامجين سياسي واقتصادي أسماه "العصرنة السياسية والاقتصادية"، ارتكز السياسي فيه على تعديل الدستور وإصلاح العدالة وحماية المعارضة وتفعيل دورها، وتكريس حرية الإعلام الحكومي وتحرير الخاص "إلى أبعد الحدود".
تعهد بـ"حلول استعجالية لمشاكل الجزائر"، تبدأ من حل البرلمان وانتخاب برلمان "ناجع ولا يصفق فقط" كما قال، مع تقاسم الصلاحيات بين رئيس البلاد ورئيس الحكومة، مع إعادة العمل بالنظام القديم في الحكومة من خلال "تعيين رئيس للحكومة وإلغاء العمل بالوزير الأول"، على أن يتم تشكيل الحكومة من خلال الأغلبية البرلمانية أو بتوافق من الأحزاب.
وفي الشق الاقتصادي من برنامجه الانتخابي، قدم علي بن فليس نمطاً اقتصادياً يمزج بين اقتصاد السوق والاشتراكية أسماه "فعالية اقتصاد السوق واجتماعية الدولة"، يرتكز على "حرية المبادرة الاقتصادية والتوزيع العادل للثروة الوطنية" تقوده "حكومة اقتصاد رقمي تكرس المعاملات الاقتصادية الرقمية الشفافة والفعالة".
وأوضح أن برنامجه يهدف إلى منح محدودي الدخل حقهم في الثورة من خلال الدعم، مع إلغاء "تسييس الفعل الاقتصادي وينهي البيروقراطية".
ودعا علي بن فليس الجزائريين إلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية، مرجعاً ذلك إلى "الأزمة متعددة الجوانب" التي تعيشها بلاده التي وصفها بـ"الفتنة التي يجب إطفاؤها بالانتخابات"، وحذر من تفاقم الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية في حال عدم تنظيمها.
عبدالمجيد تبون و"عقدة" المال الفاسد
المرشح المستقل لانتخابات الجزائر عبدالمجيد تبون، ركز في حملته الانتخابية على "محاربة المال الفاسد" في الانتخابات والاقتصاد وتداخله مع السياسة، مذكراً الجزائريين بأنه "كان ضحية لذلك التدخل" بعد إقالته من منصب رئيس الوزراء في 2017 كما قال.
واعتبر إقالته المثيرة للجدل بمثابة بـ"الشرارة الأولى للحراك"، وتعهد بتعديل الدستور الحالي بإدراج مطالب الحراك "لتفادي تكرار أخطاء الماضي"، مع مواصلة "حملة التطهير ضد الفساد من جذوره بعد أن تم القضاء على رؤوسه" كما قال، وتعديل قانون الانتخاب الذي قال إنه "مرتبط بالمال الفاسد".
وبشعار "بالتغيير ملتزمون وعليه قادرون" قدم عبدالمجيد تبون وعوداً كثيرة للشباب الجزائري، من خلال إعطائه الفرصة في مختلف المجالات وفي مناصب المسؤولية ومحاربة البطالة.
ووجه رسالة للشباب تعهد فيها بـ"تشجيع مشاريعهم الاستثمارية"، حيث قال في تجمع شعبي من محافظة بشار (جنوب): "كل من له رغبة كي يشتغل ويخلق مناصب شغل، سنكون معه".
وفي الشق الاقتصادي، صرح "تبون" بأنه "يعرف حقيقة الأزمة الاقتصادية" للجزائر، وتعهد في حملته الانتخابية بـ"تحرير الاقتصاد من التبعية لقطاع المحروقات" و"تفادي الحكم الفردي وتجاوز الاقتصاد القائم على إقصاء طرف على حساب آخر" في إشارة إلى الامتيازات الكبيرة التي منحت لبعض رجال الأعمال في عهد بوتفليقة وفرض ضرائب على آخرين.
وطالب تبون من الجزائريين بـ"ممارسة حقهم الانتخابي بالتصويت على أي مرشح يرونه الأنسب"، وصرح بأن "أغلبية الجزائريين يطالبون بإجراء انتخابات رئاسية لأنهم مدركون أن الدولة التي تبقى لمدة 9 أشهر بدون رئيس هي دولة في خطر، فضلا عن كونهم متخوفين من أن يؤدي بنا هذا الفراغ إلى ما آلت إليه الفترة الانتقالية سنة 1992"، وفق ما جاء في تصريحه.
عز الدين ميهوبي و"ورقة الجالية"
أما عز الدين ميهوبي الأمين العام بالنيابة لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي" فقد كان نشاطه الانتخابي "محتشماً" مقارنة ببقية المرشحين من خلال التجمعات الشعبية القليلة التي نشطها، وفضل ميهوبي لأسباب "مجهولة" التركيز على عقد لقاءات مع فعاليات المجتمع المدني وأكاديميين في مقر حزبه أو في منتديات إعلامية، بالإضافة إلى تجمعات شعبية محدودة في محافظات جنوبية.
ميهوبي استهل حملته الانتخابية بتبرير توليه مناصب حكومية في عهد الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة (وزارة الإعلام ثم الثقافة) ووصف علاقته به بـ"البروتوكولية"، مشيراً إلى أنه "كان وزيراً في الحكومة ولم يكن عضواً في العصابة وحارب الفساد المستشري في قطاع الثقافة" حسب تعبيره.
وعلى عكس بقية المرشحين أبدى الأمين العام بالنيابة لحزب "الأرندي" اهتماماً بالجالية الجزائرية في المهجر، حيث تقارب عدد الهيئة الناخبة مليون جزائري.
وتعهد في حال انتخابه رئيساً للجزائر بحل المشاكل التي يواجهونها مع بلدهم الأم، خاصة ما تعلق منها بمسألة التقاعد، وكشف عن سعيه لإنشاء صندوق تقاعد خاص بهم.
وفي الشأن الاقتصادي، دعا ميهوبي إلى ضرورة إخراج بلاده من التبعية الاقتصادية للمحروقات، وسطر في برنامجه "الفلاحة بديلاً للبترول، مع استغلال مداخيل النفط في تشييد البنى التحتية مثل الطرقات والسكنات والمستشفيات وغيرها".
وعلى غرار بقية المرشحين، دافع وزير الثقافة الجزائري الأسبق والمرشح للاستحقاق الرئاسي عن دور الجيش في مرافقة مطالب الحراك الشعبي وحل الأزمة، ودعا الجزائريين إلى "التوجه بقوة لصناديق الاقتراع"، مشدداً على أنه "السبيل الوحيد والأحد للذهاب بسرعة نحو التغيير المطلوب".
عبدالعزيز بلعيد و"قنابل" بوتفليقة
المرشح الرئاسي عبدالعزيز بلعيد رئيس حزب "جبهة المستقبل" فقد اختار لبرنامجه الانتخابي شعار "الشعب يقرر"، وتعهد في تجمعاته الشعبية الانتخابية بـ"إحداث إصلاحات عميقة تتماشى وطموحات الشعب الجزائري"، من خلال "بناء مؤسسات قوية وتعديل الدستور وكل القوانين المرتبطة بالإصلاحات في السياسة والاقتصاد والعدالة".
وركز بلعيد في برنامجه الانتخابي على الشباب الذي يمثل 60% من تركيبة المجتمع الجزائري، وقدم ما رآها حلولا لمشكلة البطالة وتقديم منحة للعاطلين عن العمل.
بالإضافة إلى القضاء على ظاهرة الفساد وإعادة النظر في أجور العمال وترقية مكانة المرأة، مع "بناء اقتصاد قوي يرتكز على أرضية سياسية متينة" وفق ما جاء في تصريحه.
وفي جميع التجمعات الشعبية، ركز المرشح الرئاسي عبدالعزيز بلعيد على ما وصفها بـ"قنابل النظام السابق الموقوتة التي تركها"، وقدم مقاربة لتفكيكها تعتمد على "الحوار والتوافق الوطني دون إقصاء".
وانتقد الدعوات المطالبة بإلغاء انتخابات الرئاسة، وطالب من معارضي إجراء الاستحقاق الانتخابي "تقديم بديل وحلول للجزائريين في ظل الخطر المحدق الذي أصبح يتربص بالجزائر" كما قال.
ودعا عبدالعزيز بلعيد معارضي الانتخابات إلى "التحلي بالحكمة لإخراج الجزائر من النفق المظلم الذي تعيشه"، معتبراً أن تطور الأوضاع مؤخراً "أدخل الجزائر في دوامة من المشاكل بشكل لا يستطيع أي برنامج سياسي حلها في الظرف الراهن إلا باللجوء إلى انتخابات رئاسية شفافة".
عبدالقادر بن قرينة.. معارض لبوتفليقة "بعد رحيله"
أما المرشح الإخواني عبدالقادر بن قرينة رئيس ما يعرف بـ"حركة البناء" فقد واصل صناعة الحدث، حيث خصص حملته الانتخابية لـ"استعراض عضلات قوته في معارضة نظام بوتفليقة، لكن بعد سقوط نظامه".
واستغرب المتابعون للحملة من تحوله "إلى أسد على نظام بوتفليقة" على حد تعبيرهم بعد "عشريتين من الصمت وقبوله المبدئي بترشح بوتفليقة لولاية خامسة".
وفي محاولة لـ"التبرأ" من النظام السابق، حاول بن قرينة الذي كان وزيراً للسياحة في بدايات حكم عبدالعزيز بوتفليقة للجزائر، الحديث عن تفشي ظاهرة الفساد والاستثمار في نقمة الجزائريين من كل ما يرمز للنظام السابق.
وكان الإخواني المرشح الوحيد لانتخابات الجزائر الذي "لم يتقبل النقد الإعلامي لوعوده" التي وصفها الجزائريون بـ"الغريبة والطريفة"، وهي "الظاهرة المشتركة" بين التيارات الإخوانية الجزائرية كما يرى المتابعون.
واتهم منتقديه بما سماه "خدمة أجندات أجنبية"، بينما رد عليه جزائريون عبر مواقع التواصل بأن "الإخوان هم يخدمون أجندات دول معروفة بعدائها للشعوب والجيوش".
ولم يوفق المرشح الإخواني عبدالقادر بن قرينة منذ أول يوم لحملته الانتخابية كما أظهرته الصور والفيديوهات المتداولة، حيث اختار "ساحة البريد المركزي" بالجزائر العاصمة لإقامة تجمع شعبي، زعم فيه أن "تياره كان أول من دعم الحراك" من ذلك المكان، الذي تحول إلى أيقونة للحراك الشعبي بالجزائر.
غير أن التجمع لم يستغرق طويلاً، واضطر لمغادرة المكان بسرعة على وقع هتافات شعبية رافضة الانتخابات ومنتقدة للمرشح، كما رشقت صوره بـ"البيض" تعبيراً عن رفض وجوده.