عودة حزبي بوتفليقة بالجزائر.. إعادة تدوير أم تدارك للأخطاء؟
خبراء يطرحون 3 فرضيات لعودة حزبين داعمين لبوتفليقة للمشهد بالجزائر بينها "خشية التغيير الراديكالي وتكرار سيناريوهات التسعينيات".
أثارت عودة ما يعرف سياسياً بـ"أحزاب السلطة" الداعمة للرئيس الجزائري المخلوع عبد العزيز بوتفليقة إلى المشهد السياسي تساؤلات عن دلالات توقيتها، وأسبابها وأهدافها، ومدى قدرتها على "نفض غبار الأخطاء المترسبة بها" من العهد البائد.
خبراء اعتبروا في تصريحات لـ "العين الإخبارية" عودتهما مرتبطة بالواقع الذي تعيشه الجزائر، وضرورة مرحلية، لتجنب حالة الفراغ في المرحلة المقبلة التي يعول عليها الرئيس عبد المجيد تبون لإحداث الاصلاحات التي وعد بها في برنامجه الانتخابي، خاصة أن جائحة كورونا فرضت على تبون تغييرا في الأولويات
وبعد قرابة عام من الجمود السياسي و"الابتعاد القسري" الذي فرضته الأحداث السياسية المتسارعة على خلفية الحراك الشعبي، الذي طالب برحيل النخبة الحاكمة، تمكن حزبا "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" من "إعادة ربط عجلاتهما بسكة مشهد ما بعد بوتفليقة".
وانتخب "التجمع الديمقراطي"، الخميس الماضي، الطيب زيتوني أميناً عاماً جديداً خلفاً لعز الدين ميهوبي، وكذا "جبهة التحرير" التي زكت، السبت الماضي، أبو الفضل بعجي أميناً عاماً خلفاً لمحمد جميعي المتواجد بسجن "الحراش" في العاصمة بتهم فساد.
دعمٌ جديد لتبون
وبعد انتخابهما، أعلن "بعجي" و"زيتوني" "دعم حزبيهما" للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون و"مباركتهما" للسياسات المنتهجة من حكومة عبد العزيز جراد، خصوصاً فيما يتعلق بمشاورات تعديل الدستور والإجراءات المتخذة لمجابهة جائحة كورونا وتداعيات تراجع أسعار النفط.
وأكدا استعدادهما للمساهمة في إثراء النقاش الدائر حول مسودة تعديل "دستور بوتفليقة"، وهو الدستور الذي عمل الحزبان على تمريره في 2016.
مسارعة الحزبين المعروفين بـ"الأفالان" و"الأرندي" إلى سد الفراغ في قيادتهما وإعلان "الولاء" لتبون، رغم أنهما كانا منافسين له في الانتخابات الرئاسية، أثار انتقاد النشطاء والمعارضين.
وطرح علامات استفهام عن دلالات توقيت عودتهما إلى الساحة في هذا التوقيت، وسماح السلطات الجزائرية للحزبين بعقد مؤتمراتها، رغم القرارات الصادرة بمنع التجمعات السياسية والشعبية "مهما كان نوعها أو هدفها" في إطار التدابير الاحترازية لمواجهة كورونا.
وسبق لخبراء ومحللين أن توقعوا في تصريحات سابقة لـ"العين الإخبارية" حدوث تغييرات كبيرة في "الصفوف الأولى" للأحزاب السياسية، واندثار أخرى عقب الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وطالبت برحيل "كل المنظومة السياسية التي عاصرته".
3 فرضيات
ورجح المراقبون 3 فرضيات قد تفسر أو تجيب عن التساؤلات المطروحة حول عودة "أكثر تكتلين سياسيين عملاً في النظام الجزائري أو له" لأكثر من عقدين.
الأولى
رأى المتابعون أن التسريع في انتخاب الأمينين العامين رغم قرار منع التجمعات يعني أن النظام الجزائري "لا يمكنه الاستمرار إلا بوجود هذين الحزبين على الأقل في المدى المتوسط"، وأنهما "من ثوابت اللعبة السياسية مهما تغيرت واجهة السلطة أو الحزبين".
الأمر الذي يحيل – وفق قراءات متابعين – إلى أن مؤشرات التغيير التي ينوي تبون القيام ستكون محدودة، مصحوبة أيضا بتغير في خطاب حزبي السلطة بعد إبعاد الوجوه المحسوبة على النظام السابق فيهما.
الثانية
وأن انتخاب الأمينين العامين قبيل استفتاء الدستور والانتخابات التشريعية والمحلية المسبقة له دلالة واحدة، تكمن في أن الجزائر "ليست مهيأة بعد لتغييرات جذرية وراديكالية في المشهد السياسي".
والنظام القائم لا يريد أن "يجازف بتكرار سيناريوهات سابقة" في حال ظهور تيارات وأحزاب جديدة بعد تعديل قانون الانتخابات "قد تخلط الوضع السياسي" كما حدث في التسعينيات عقب فتح التعددية السياسية مع ما يعرف بـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" الإخوانية المحظورة التي زورت الانتخابات التشريعية والمحلية ثم أدخلت البلاد في جحيم أمني بعد تبنيها العمل الإرهابي.
الثالثة
أما الفرضية الثالثة التي طرحها متابعون للشأن السياسي في الجزائر، أن لتوقيت التغييرات في الحزبين وعوتهما دلالة سياسية "موضوعية" وهي أن تبون لا يريد أن يكون رهينة تيارات وأحزاب أخرى بعيدة عن تقاليد وخصوصيات النظام الجزائري، أو أخرى لها ارتباطات خارجية خصوصاً التيارات الإخوانية التي سعت خلال الفترة السابقة لمغازلة تبون وحاولت أن تقدم له الولاء والطاعة رغم "معارضة انتخابه"، ولها ارتباطات بأجندات أنظمة إخوانية قد تستغلها الأخيرة لرهن سياسة الجزائر الداخلية والخارجية وتكييفها وفق مصالحها وأطماعها في المنطقة كما حدث في بعض الدول العربية.
3 مهمات صعبة
وأشار خبراء ومحللون سياسيون في تصريحات متفرقة لـ"العين الإخبارية" بأن مهام القيادات الجديدة في حزبي "الأفالان" و"الأرندي" ستكون الأصعب منذ تأسيسهما (1954 – 1997 على التوالي)، تكون معها المرحلة المقبلة منعطفاً حاسماً في مستقبلهما السياسي.
وتنحصر مهامهما الصعبة في استعادة ثقة الشارع الذي "قرر العودة إلى الحياة السياسية" بعد أكثر من عقد من العزوف والمقاطعة، وعام من الإصرار على وضع التشكيلات السياسية في "المتحف" ومطالب التغيير الجذري للنخبة التي حكمت البلاد منذ الاستقلال.
بالإضافة إلى تحسين صورتهما شعبياً وسياسياً والتي تأثرت بعد دعمهما ترشح بوتفليقة لولاية خامسة وسجن أبرز قياداتها بتهم فساد، ويتعلق الأمر برئيس الوزراء الأسبق أحمد أويحيى والذي كان أميناً عاماً للتجمع الديمقراطي، ومحمد جميعي وجمال ولد عباس الأمينان العامان السابقين لجبهة التحرير.
وارتبط اسم ومسار حزب جبهة التحرير بشكل أكبر بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي سعى لإعادته "حزباً حاكماً" بعد توليه رئاسة البلاد في 1999، وحافظ على مكانته السياسية "القوة السياسية الأولى في البلاد"، وشكل مع أحزاب أخرى ما عرف بـ"أحزاب التحالف الرئاسي الداعم لبوتفليقة" الذي ترأس الحزب شرفياً لأكثر من 5 سنوات.
فيما يكمن التحدي الثالث في الانتخابات التشريعية والمحلية المسبقة التي سيعلن عنها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قبل نهاية العام الحالي، وسط رهان الحزبين في الحفاظ على المكاسب السياسية التي حققوها في العقدين السابقين كـ"أكبر قوتين سياستين"، وهو الرهان الذي "يبدو مستحيلاً" في حال إحداث تغييرات جوهرية على قانون الانتخاب وفق قراءات خبراء قانونيين.
ويعزو الخبراء ذلك إلى أن الشارع الجزائري "لن يترك المجال مفتوحاً بالمطلق لحلفاء بوتفليقة من الأحزاب أو التيارات التي دعمته سراً من جماعة الإخوان"، متوقعين أن "يجد الأفالان والأرندي وضعهما في موقع التعايش المفروض مع أحزاب أخرى، وانتهاء عهد الأغلبية المطلقة التي مكنتهما من الاستحواذ على الإدارة".
"تكتيك" سياسي
ويرى أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة الجزائر الدكتور عبد الرحمن بن شريط بأن التسريع في انتخاب قيادات على رأس الحزبين الحاكمين سابقين يعد "تكيتيكاً سياسياً" كون الرئيس الحالي عبد المجيد "ضعيف سياسي وبحاجة إلى سند حزبي، ونجحت في الانتخابات دون أي دعم من الأحزاب التي عاشت أسوأ مراحلها في تلك الفترة".
وأوضح في تصريح لـ"العين الإخبارية" بأن وصول تبون إلى السلطة شيء وممارسته للسلطة شيء آخر، ويرى بأنه "يريد أن يجر معه الأحزاب ويحتاج إلى سندها ودعمها، في ظل وجود تيارات وأحزاب أخرى تريد أن تستولي على السلطة وتعيق أدائها، ومنه أصبحت للسلطة قراءة بضرورة إعادة فسح المجال أمام هذه الأحزاب".
ورغم ذلك توقع الأكاديمي الجزائري أن فسح المجال لأحزاب السلطة للعودة رغم قرارات منع التجمعات الشعبية والسياسية "سيفتح لها المجال والشهية للاستمرار في أساليبها القديمة والذي لا تعود إليه إلا في حالة الانتخابات، ولذلك أعتقد أن الكرة الآن في مرمى المواطن الذي لابد عليه أن يصحح هذه المسارات والمفاهيم وأن يعيدها إلى نصابها" في إشارة إلى "معاقبتها من خلال صناديق الاقتراع".
ولفت إلى أن حالة التذمر الشعبي من عودة "الأفالان" والأرندي" إلى الساحة السياسية "مرتبط بماضيهما السياسي في عهد نظام بوتفليقة" الذي يرى بأنه "لن يشفع لهما مع مجتمع تغيرت نظرته للواقع السياسي في بلاده ولكل الأحزاب والتيارات الموجودة في المشهد".
ضرورة مرحلية
ويرى كثير من المراقبين أن "غياب معارضة قوية في الجزائر يمكنها من أن تكون بديلاً لأحزاب السلطة" هو الذي وضع السلطة الجزائرية الحالية أمام خيار واحد يجنبها حالة الفراغ في المرحلة المقبلة التي يعول عليها الرئيس عبد المجيد تبون لإحداث الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي وعد بها في برنامجه الانتخابي.
وأشار بن شريط في حديثه مع "العين الإخبارية" إلى أن "ما تفتقر له الساحة السياسية الجزائرية هو غياب الثقافة الحزبية بمفهومها العلمي والسياسي الحقيقي"، مذكراً في السياق بفترة بوتفليقة التي قال إنها "عملت على تصحير الساحة السياسية وتحطيم منهجي للهيكل السياسي للدولة وجعلت كثيراً من الأحزاب وسيلة للتسلق وتحقيق مصالح ضيقة".
مضيفاً أن "جبهة التحرير هو الحزب الوحيد الذي له خلفيات تاريخية ومصداقية في أن يبقى موجودا في الساحة، رغم أنه تم اختراقه وتوظيفه في عدة مراحل سابقة وفرض دخلاء عليه بشكل أنتج لنا ظاهرة الانتحار الحزبي".
وأوضح بأنه "منطلق من منطق الواقع وليس منطق المبدأ، فإنه لا يمكن القفز على تاريخ جبهة التحرير تحديداً ولا يمكن الاستمرار بدون هذا الحزب، خصوصاً مع الإمكانيات البشرية والمادية الكبيرة التي يمتلكها والتي لا يمكن لأحزاب صغيرة أن تجاريها".
وأرجع ذلك إلى أن الواقع السياسي في الجزائر "لا زال بعيداً عن ثقافة الأحزاب التي تنطلق من رحم الشعب ومن معاناته، والجزائر بحاجة إلى ترميم جذري للمؤسسات السياسية بما فيها الأحزاب، ولا بد من التفكير في قوانين جديدة لتسيير الأحزاب، لكن ذلك بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية في أن تعطي للأحزاب الحق في أن تكون شريك حقيقي، ولا ندري إن بقيت ذهنية احتواء الأحزاب والسيطرة عليها".
كورونا تغير الأولويات
الدكتور حسين قادري أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر أشار إلى أن للرئيس الجزائري برنامج خاص به ولا علاقة له بحزبي "جبهة التحرير" و"التجمع الديمقراطي"، لافتاً إلى أن الفرضيات الثلاث تفسر إلى حد كبير عودتهما إلى الساحة السياسية.
وفي حديث مع "العين الإخبارية" أوضح بأن "تبون تقدم للانتخابات مرشحاً حراً حتى لا يبقى رهينة لجميع الأحزاب"، وأكد بأن جائحة كورونا فرضت على تبون تغييرا في الأولويات السياسية التي أعلن عنها.
وقال إن "كورونا أثرت على برنامج تبون ولم تبق منه إلا 4 أعوام، وذلك فإنه بات مطالباً بمسايرة الأوضاع وبدأ ذلك مع قانون المالية التكميلي الذي تغير من قانون طموح إلى تقشفي بسبب تداعيات كورونا".
مضيفاً أن إدارة الرئيس الجزائري "تتمنى الخروج من هذه الفترة بأقل الأضرار على المستويات السياسية والاقتصادية، كما أنه وعد بإنشاء أحزاب يقودها شباب يتم دعمها في الانتخابات، لكن تصحر الساحة السياسية والتراجع الاقتصادي وتأثر الجبهة الاجتماعية فرض على تبون أن ينقذ ما يمكن إنقاذه باللجوء إلى الأحزاب التقليدية".
لكنه أشار بأن ذلك "لا يعني أن السلطة الحالية تريد دعمها أو تساندها، لكن الهدف من إعادتها لإنقاذ البلاد من التصحر السياسي، ولا ننسى أن البرلمان الحالي يسيطر عليه حزبا الأفالان والأرندي، وتبون مضطر للعمل مع برلمان قيل فيه الكثير في ظل عدم وجود بدائل أخرى وفق قاعدة الضرورات تبيح المحظورات لمصلحة البلد".
دور مؤقت
وتوقع الأكاديمي أن يكون الاعتماد على حزبي السلطة "لفترة انتقالية" لن تتجاوز الانتخابات التشريعية والمحلية المسبقة المزمع تنظيمها قبل نهاية العام الحالي، وأن إدارة تبون تريد الخروج من جائحة كورونا بـ"قاعدة سياسية واقتصادية غير هشة تمهد للدخول في مرحلة ما بعد التعديل الدستوري والانتخابات البرلمانية والمحلية المسبقة تجنبه العودة إلى نقطة الصفر".
وعن الانتقاد الموجه للسلطات الجزائرية منح تراخيص للحزبين لعقد مؤتمريهما مؤخراً رغم قرارات منع التجمهر، يرى المحلل السياسي في حديثه لـ"العين الإخبارية" بأن "الدستور يعطي الحق للأحزاب لعقد مؤتمراتها وقرار المنع كان متبوعاً بشروط وضوابط"، واستدل على ذلك باجتماعات البرلمان، معتبراً أنه "لا يمكن تعطيل الحياة السياسية بالكامل لأن الأمر يتعلق بتسيير دولة ولا يمكن تعطيلها".
وأوضح بأن الدستور وقانون الانتخابات القادمين "يستمدان تعديلاتهما من نقائص الماضي"، مستبعداً إمكانية ظهور أحزاب أو تيارات تهدد أمن البلاد أو تخلط الحسابات السياسية، وتوقع في المقابل أن ينتجا طبقة سياسية مغايرة للموجودة حاليا "مدفوعة بالمطالب الشعبية المصرة على التغيير الجذري لواجهة النظام التي لم يبق منها إلا الأحزاب والتيارات الحالية، في وقت يطلب من هذين الحزبين التغيير الجذري الداخلي إن أرادت الاستمرار في الساحة" كما قال.
ووصف الأكاديمي قادري عودة الحزبين الحاكمين سابقاً إلى الساحة في هذا التوقيت بـ"عجلة الاحتياط"، مشبها وضعهما بوضع البرلمان، حيث أشار إلى السلطة الحالية "مجبرة على التعامل معهما كما هي مضطرة للتعامل مع البرلمان الحالي، والنظام الحالي يرغب في وجود أحزاب أفضل من الموجودة حالياً، لكن احتمال الدخول في الفراغ هو الذي فرض التعامل معهما، خصوصاً وأن السلطة تتخوف من أن تفرز الانتخابات التشريعية أغلبية من الأحرار وليس من الأحزاب كما كان في السابق".