أزمة أوكرانيا تستنفر الجزائر لأمنها الغذائي.. هل تحصن مخازنها؟
رب ضارة نافعة، هكذا كانت حرب أوكرانيا التي تمكنت من تحريك مياه الأمن الغذائي الجزائري الراكدة منذ عقود.
تحرك بدا متزامناً مع اللحظات الأولى لاندلاع الحرب في أوكرانيا فبراير/شباط الماضي، وما فرضته من زلزال اقتصادي على العالم، سواء في أسواق النفط، أو فيما يتعلق بصادرات القمح الروسي والأوكراني التي أحدث تراجعها حالة استنفار كبرى، خصوصاً في الدول النامية.
والجزائر التي تعد ثاني أكبر مستورد للقمح في أفريقيا، باتت أمام رهان كبير جدا يؤكد الخبراء الاقتصاديون بأنه لا يختلف عن التحديات الأمنية، والمتمثل في تأمين ثم تحصين أمنها الغذائي.
يأتي هذا في الوقت الذي وصل فيه المعدل السنوي من واردات الجزائر من المواد الغذائية نحو 10 مليارات دولار سنوياً، وسط خطط لخفض فاتورتها بقيمة 2 مليار دولار مع عام 2024.
وتعتبر الفلاحة من أهم القطاعات التي تعد من ركائز الاقتصاد الجزائري، رغم أن الخبراء يؤكدون بأنه لازال "قطاعاً أعذر"، إذ يساهم بنسبة 12.4 % من الناتج الداخلي الخام، بقيمة تعادل نحو 25 مليار دولار أمريكي سنوياً، ويوفر 2.6 مليون منصب شغل، وفق أرقام رسمية من وزارة الفلاحة الجزائرية.
وفي أبريل/نيسان الماضي، صنف "المؤشر العالمي للأمن الغذائي" الجزائر في المركز الأول بالقارة الأفريقية وفي المرتبة الـ54 من بين 113 بلدا عبر العالم في سنة 2021.
وأكد التصنيف أن تحسن ترتيب الجزائر بفضل حصولها على نقطة إجمالية تقدر بـ63.9 نقطة من بين 100، أي 77.9 نقطة بالنسبة للانتفاع و58 نقطة فيما يخص الوفرة و62 نقطة للنوعية والسلامة الصحية للأغذية، و50.7 نقطة للموارد الطبيعية والصمود.
وكشف التصنيف أن الجزائر صارت مؤشرا تصاعدياً في مجال الأمن الغذائي منذ سنة 2012، محسنة بالتالي مكانتها، من المرتبة الـ 70 عام 2019 إلى المرتبة لـ 58 عام 2020 ثم إلى المرتبة الـ54 في 2021.
إجراءات حازمة
ومنذ اندلاع الأزمة في أوكرانيا، استشعرت الحكومة الجزائرية الخطر على أمنها الغذائي، وباشرت باتخاذ قرارات وإجراءات عملية لضمان أمنها الغذائي، في القمح والشعير، وحتى في مختلف المحاصيل الزراعية الأخرى، وفق خطط مستقبلية لخلق صناعة فلاحية، والبحث عن أسواق خارجية لمنتجاتها الزراعية.
آخر تلك القرارات التي اتخذها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عقب اجتماع لمجلس الوزراء، ناقش فيه عرضاً لتهيئة المسار التقني لموسم إنتاج الحبوب 2022/ 2023.
وطالب الرئيس تبون من حكومته وفق بيان للرئاسة الجزائرية حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، على "تكثيف الجهود لضمان الأمن الغذائي، خاصة في مجال الحبوب، في ضوء التقلبات الدولية الحالية".
وهو التحدي الذي أكدت الرئاسة الجزائرية بأنه "يجب كسبه مهما كانت الصعوبات والعقبات، لأن إمكانيات الجزائر وقدراتها المادية والطبيعية تؤهلها لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي".
كما طالب الرئيس الجزائري من وزير الفلاحة إعداد مخطط جديد لإعادة تنظيم القطاع "بعيدا عن كل أشكال البيروقراطية، ويراعي الفعالية في الميدان".
بالإضافة إلى "توسيع الأراضي الفلاحية لإنتاج الأعلاف، مع اعتماد استخدام الوسائل التقنية الحديثة والأسمدة، لزيادة المساحات الزراعية والمردودية كتوجه جديد يساهم في تجسيد الأمن الغذائي".
ولم تنتظر وزارة الفلاحة الجزائرية طويلا بعد أوامر رئيس البلاد، حيث أصدرت، الأربعاء، قرارات "إقالات بالجملة" دون توضيح الأسباب، شملت إنهاء مهام مديرة العقار الفلاحي، والمدير العام للديوان الوطني للحليب، والمدير العام لديوان تنمية الزراعة في الأراضي الفلاحية.
"محاصرة أباطرة" القمح
ومن أكثر القرارات الحازمة التي اتخذتها الحكومة الجزائرية إنشاء "قطب فلاحي غذائي كبير"، وهو المجمع الذي يشمل الاستحواذ على مجمعات القمح المسترجعة من رجال الأعمال الذين أدانهم القضاء الجزائري في قضايا فساد من عهد النظام السابق، وصدرت في حقهم أحكام نهائية بمصادرة الأملاك.
كما قررت حكومة أيمن بن عبد الرحمن "دمج الديوان الوطني المهني للحبوب وجميع الوحدات المختصة في هذا المجال والتابعة للدولة في هذا القطب المستحدث".
وتقرر أن يكون للجزائر "كيان فلاحي غذائي موحد"، شمل مصادرة مجمع "الرياض الجزائر" ومطاحن "الشرفة"، مع دمج المطاحن الحكومية في هذا القطب الفلاحي.
وجاء القرار الحكومي عقب التحقيقات الأمنية التي أكدت بأن "الديوان الجزائري المهني للحبوب" كان "معقلا لمافيا الحبوب على مدار عقود"، وتمكنوا خلال سنوات من احتكار بيع القمح في الجزائر، وكذا في فرض ندرته في أوقات مختلفة.
وعلى صعيد مماثل، تمكنت السلطات الجزائرية من استعادة 750 ألف هكتار من المساحات الفلاحية معظمها مُنحت امتيازات لرجال أعمال وسياسيين ونواب وشخصيات أمنية في عهد النظام السابق.
وتمثل المساحة المسترجعة من أصل 2 مليون و750 ألف هكتار هي المساحة الإجمالية الصالحة للزراعة في الجزائر.
في المقابل، منحت وزارة الفلاحة الجزائرية مساحة إجمالية قدرها 1 مليون و150 ألف هكتار لـ140 ألف مستفيد من نظام الحيازة الملكية العقارية، كما فعّلت القانون الذي يسمح للفلاحين بالتنازل عن المستثمرات الفلاحية في إطار حق الامتياز للفلاحين بشرط عدم تقسيم المستثمرات الفلاحية بين المستفيدين وإنما العمل على توسيعها، بهدف منحها للدولة أو للخواص.
ودعت الوزارة المستثمرين إلى التركيز على المناطق الصحراوية لاستثماراتهم الزراعية خصوصاً في الزراعات الاستراتيجية مثل الحبوب والذرة والأعلاف والشمندر السكري.
الاحتياطي الآمن
وفي وقت سابق، كشف وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري عبد الحفيظ هني عن أن مخزون القمح في الجزائر "يكفي لـ10 أشهر" لتلبية الاستهلاك المحلي.
وفي تصريحات إعلامية، توقع "هني" "إنتاجاً وفيرا" من القمح الجزائري خلال الموسم الحالي، وقدره بنحو 3.2 مليون طن.
وكشف وزير الفلاحة أن الجزائر استوردت في المناقصة الدولية الأخيرة 3 ملايين طن إضافية من القمح، وهو ما رفع مخزون البلاد من هذه المادة الحيوية إلى 10 أشهر.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قررت الحكومة الجزائرية رفع سعر شراء القمح المحلي من المزارعين في خطوة تستهدف تشجيع زراعة السلعة الغذائية الاستراتيجية وتسريع الاكتفاء الذاتي منها.
وقرر مجلس الوزراء الجزائري رفع أسعار شراء القمح والشعير من المزارعين المحليين للتشجيع على الإنتاج وتحقيق الأمن الغذائي.
إذ تقرر رفع سعر شراء القمح الصلد إلى 6 آلاف دينار (43.08 دولار) للقنطار (100 كيلوجرام) من 4500، وتعني هذه الخطوة زيادة سعر شراء القمح المحلي بنسبة 33 %، وكذا رفع سعر شراء القمح اللين من 3500 إلى 5 آلاف دينار.
وتبلغ واردات الجزائرية السنوية من الحبوب بما فيها القمح بنوعيه نحو 7 ملايين طن، بفاتورة تفوق 2 مليار دولار سنوياً.
فيما يقدر معدل الإنتاج المحلي السنوي من القمح الصلب نحو 3.17 مليون طن، والمساحات المزروعة 8.6 مليون هكتار.
aXA6IDMuMTQ0LjI1Mi41OCA= جزيرة ام اند امز