قبل زيارة ماكرون.. الجزائر ترفع "لاءات الذاكرة" بوجه باريس
من وزارة "قدماء المحاربين" عادت الجزائر لترفع مطالب الذاكرة التي لازالت عالقة مع باريس عشية زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
والأسبوع الماضي، كشفت مصادر دبلوماسية جزائرية مطلعة لـ"العين الإخبارية" عن أن ماكرون سيزور الجزائر، خلال شهر يونيو/ حزيران الجاري.
- يونيو المقبل.. ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي بالجزائر
- تبون يهنئ ماكرون.. دعوة لزيارة الجزائر واستشراف لعلاقات أفضل
وأوضحت أن الزيارة التي تأتي بدعوة رسمية من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، والأولى له منذ 2017 تبحث "الملفات الشائكة بين البلدين خصوصاً ملف الذاكرة".
إلا أن المصادر ذاتها، أكدت لـ"العين الإخبارية" أن "المصالح الاقتصادية الفرنسية بالجزائر ستكون على رأس أولويات المباحثات بين تبون وماكرون" والتي تراجعت بشكل كبير منذ 2018.
بالإضافة إلى بحث ماكرون "إمكانية زيادة الجزائر إمدادات الغاز نحو باريس"، وكذا الوضع في ليبيا والساحل عموماً ومالي على وجه الخصوص.
"لاءات الذاكرة"
وخلال ندوة حول سيرة الفرنسي موريس أودان، الذي ناضل لإنصاف القضية الجزائرية خلال فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، كشف وزير الحقوق الجزائري العيد ربيقة عن أن الجزائر "ستواصل استغلال الأبحاث والأعمال العلمية والشهادات الحية للتعرف على مكان وجود رفات المناضل موريس أودان وكل مفقودي ثورة التحرير".
وشدد على أن "الجرائم البشعة للاستعمار الفرنسي لن يطالها النسيان ولن تسقط بالتقادم، وبأنه لا مناص من المعالجة المسؤولة المنصفة والنزيهة لملف الذاكرة والتاريخ في أجواء المصارحة والثقة".
وزير قدماء المحاربين جدد مطالب الجزائر "غير القابلة للتنازل" المرتبطة بملف الذاكرة مع فرنسا، وحددها في "مواصلة المساعي لاسترجاع الأرشيف واستجلاء مصير المفقودين أثناء الثورة التحريرية المجيدة وتعويض ضحايا التجارب النووية، وغيرها من القضايا المتعلقة بهذا الملف".
وفي أبريل/نيسان 2021، قدمت الجزائر في سابقة هي الأولى من نوعها، تقريراً مفصلاً للأمم المتحدة عن "ضحايا ألغام الاستعمار الفرنسي في الجزائر" والتي واصلت حصد المزيد من الضحايا حتى بعد استقلال البلاد.
ورفعت الجزائر تقريراً رسمياً للأمم المتحدة "يدين جرائم الاستعمار الفرنسي"، قدمت فيه أرقاماً ومعطيات مفصلة عن حجم الخسائر البشرية التي تسببت فيها الألغام المضادة للأفراد التي زرعتها فرنسا في الأراضي الجزائرية عقب اندلاع ثورة التحرير (1954 – 1962).
وكشف التقرير عن أن العدد الإجمالي للألغام الفرنسية في الجزائر منذ 1956 بلغ نحو 8 ملايين و800 ألف لغم مضاد للأفراد مع تطهير أزيد من 62 ألف و420 هكتار، فيما بلغ عدد ضحايا تلك الألغام 7300 شخص، بينما أشار مؤرخون وباحثون إلى أن تلك الألغام قتلت نحو 12 ألف جزائري.
ووفق التقرير، فقد بلغ عدد ضحايا الألغام الاستعمارية قبل الاستقلال 4830 ضحية مدنية، و2470 ضحية بعد الاستقلال، وتسببت في عجز بنسبة 20 % على الأقل لمن نجا منها.
"أزمة الوثائقيات"
ويبدو أن "أزمة الوثائقيات" التي زادت من تأزم العلاقات بين البلدين وبدأت العام الماضي، عادت مجددا، بعد أن شنت وسائل الإعلام الجزائرية هجوماً لاذعاً على السلطات الفرنسية وقناة فرنسية بثت وثائقياً، الأحد، عن "الحركى"، فيما لم يصدر أي موقف رسمي جزائري لحد الآن.
و"الحركى" يتم وصفهم بـ"خونة الثورة التحرير" الجزائرية (1954 – 1962) والذين حملوا السلاح مع جيش الاحتلال الفرنسي، فيما ترفض الجزائر عودتهم، وسط اعتراف رسمي فرنسي غير مسبوق بـ"دورهم" فيما يسمونه "حرب الجزائر".
وتحت عنوان "الجرح، مأساة الحركى" بثت القناة الخامسة الفرنسية الحكومية وثائقياً عاد فيه إلى المصير الذي لقيه الحركى بعد نيل الجزائر استقلالها، بث فيه مشاهد مسربة من الأرشيف الفرنسي للمرة الأولى.
الوثائقي ذهب أبعد من ذلك، عندما "خوّن" الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول، وقدم ما وصفه الإعلام الجزائري بـ"المغالطات" عندما زعم بأن "شارل ديغول تواطأ مع الحكومة الجزائرية المؤقتة لتحويل النصر العسكري الفرنسي إلى خسارة وقبوله بتقرير مصير الجزائريين".
حسابات اقتصادية
في سياق ذي صلة، تحدث الإعلام المحلي الجزائري عن "تصاعد المخاوف الفرنسية من استمرار تراجع مصالحها الاقتصادية في الجزائر"، وربطت ذلك بالزيارتين الأخيرتين اللتين قام بهما الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى كل من تركيا وإيطاليا.
وعقب الزيارتين، زار الجزائر وفد كبير من رجال الأعمال في منظمة "الميديف" وهو أكبر تجمع نقابي لرجال الأعمال بفرنسا.
ووفق المصادر الإعلامية ذاتها، فقد بحث الوفد الاقتصادي الفرنسي "فرص الشراكة مع الجزائر"، وسط رغبة البلدين في "فتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما".
وتشير مختلف التقارير المحلية والأجنبية إلى أن فرنسا خسرت أكثر من 12 مليار دولار منذ 2018 بسبب توتر العلاقات بين البلدين، التي وصلت العام الماضي إلى حد استدعاء السفير الجزائري ومنع الجزائر مرور الطيران العسكري الفرنسي إلى الساحل.
وتؤكد وسائل الإعلام الفرنسية أن هناك مخاوف لدى باريس من "التراجع الرهيب" لنفوذها الاقتصادي في بلد كان يوصف بـ"الجنة الخلفية لاقتصاد فرنسا"، خصوصا بعد زيادة الجزائر شراكاتها مع الصين وروسيا وإيطاليا وغيرها من الدول.
وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان خلال زيارة إلى الجزائر، أبريل/نيسان الماضي، أنه "لا غنى" عن التعاون بين البلدين من أجل استقرار المنطقة.
aXA6IDMuMTQxLjE5OC4xMyA=
جزيرة ام اند امز