أسبوع الجزائر.. رحيل قائد الجيش واستنفار بشأن الأزمة الليبية
وفاة قائد الجيش أحمد قايد صالح والاجتماع الطارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي.. أبرز أحداث أسبوع الجزائر
أبى أسبوع الجزائر أن يلتئم إلا بفاجعة ألمت بالجزائريين بموت قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الذي يعتبره كثير من الجزائريين "صخرة الدفاع عن أمن بلدهم" خاصة في الأشهر الـ10 من عمر الأزمة السياسية التي مرت بها البلاد.
صالح وصفه محللون بأنه "العسكري الذي قاد سفينة الجزائر إلى بر الأمان بعد أن تمسك بالدستور لإنقاذ بلاده من تبعات المراحل الانتقالية، وضمن انتقالاً سلساً للسلطة عبر انتخابات رئاسية"، أتت بـ"عبدالمجيد تبون" رئيساً ثامناً للبلاد.
- الجزائر بأسبوع.. تبون في "المرادية" ودعوات الحوار تطرق أبواب الحراك
- الجزائر في أسبوع.. انتخاب الرئيس الثامن ومحاكمة رموز السابع
كان ذلك الحدث غير المرغوب عند الجزائريين في أتعس أسبوع يمر عليهم في عامهم المثقل بالأحداث، فأثقلوه بالدموع والأحزان وخيمات العزاء والدعاء بالرحمة وحتى الزغاريد التي تطلقها النسوة على الأبطال والشهداء، وبالحضور "الاستثنائي والضخم في جنازة قائد جيشهم الصالح التي دخلت التاريخ".
جغرافيا الجزائر صنعت الحدث أيضا، بأول اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي منذ 6 أعوام لبحث الأوضاع في المنطقة، واتخذ قرارات عاجلة لحماية الحدود مع ليبيا ومالي، وإعادة تفعيل الدور الدبلوماسي الجزائري في هذين البلدين ومنطقة الساحل، تزامناً مع التحرك التركي المشبوه في المنطقة، الذي يقول المراقبون إنه "سيصطدم بجدار رفض دول الجوار الليبي للتدخلات الخارجية" التي قال عنها الرئيس الجزائري إنها "السبب في تأزيم الوضع في الجار الشرقي".
جنازة تاريخية لقائد الجيش
في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، خصصت الرئاسة الجزائرية، الأربعاء الماضي، جنازة رئاسية وعسكرية لمسؤول عسكري، صنعت الاستثناء في حجمها الشعبي والرسمي كما صنع صاحبها الاستثناء بكسره توجس الجزائريين من الجنرالات.
ومن قصر الشعب إلى مقبرة العالية، وبمسافة تقارب الـ20 كيلومتراً، اصطف مئات الآلاف من الجزائريين لتوديع قائد أركان الجيش قايد صالح في جنازة مهيبة لم تشهد لها البلاد مثيلاً، صُنفت الأكبر بعد جنازة الرئيس الراحل هواري بومدين (1965 – 1978)، مرددين هتافات "تعهد بالسير على نهجه".
وكما أبى الراحل قايد صالح إراقة دم شعبه كما يقول الجزائريون، أبى مشيعوه إلا أن يُنقل إلى مثواه الأخير مع شعبه كما أبرزته مشاهد الجنازة، فاخترقوا الحواجز الأمنية والعسكرية بعفوية، والتصقوا بتلك العربة العسكرية التي حملت جثمانه وساروا من ورائه ولسان حالهم يقول "إنه فقيد الشعب وليس الجيش فقط"، كما كان يردد أحد الجزائريين في فيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل.
ومنذ إعلان الوفاة، تحولت مختلف مناطق البلاد إلى ساحات للعزاء، و"الكل يعزي في الكل" على رحيل مع "جمع الكل" كما وصفوه، بخيمات عزاء وولائم على روحه وعلى حسابهم الخاص وكأنه فقيد من تلك العائلة أو تلك المنطقة.
قائد عسكري استثنائي
رأى متابعون أن رحيل قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، جاء بعد أن دوّن تاريخه "ما لم يُكتب لغيره من العسكريين وبقية المسؤولين"، وبعد أن بدأ الجميع يستفيق من وقع الفاجعة، شرع الخبراء والمحللون السياسيون في تفكيك سر ذلك التلاحم والحزن غير المسبوق على رحيل "عسكري وليس سياسي".
وفي الوقت الذي أجمع فيه الجزائريون في مظاهراتهم منذ فبراير/شباط الماضي، على أن سبب انتفاضتهم ضد نظام بوتفليقة كان "انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم"، وتأكيد الخبراء والسياسيين "صعوبة استعادتها"، أثبتت جنازة قائد الجيش الجزائري أنه "الشخص الوحيد الذي تمكن من إعادة الثقة للجزائريين في دولتهم عبر المؤسسة الوحيدة التي يثق بها الجزائريون".
وذكر عدد من المراقبين أن قايد صالح لم يصنع الاستثناء فقط بجنازته كأول عسكري جزائري يودعه شعبه بذلك المشهد المهيب، بل بأنه "أعاد الجيش إلى شعبه واسترجع الهيبة للمؤسسة العسكرية وأسقط تلك النظرة الشعبية التي لا تثق بالمسؤول العسكري، ولا ترى فيه إلا خائناً لوطنه أو واحداً من لصوصه".
قايد صالح الذي كان يوصف في بدايات مشواره في الجيش الجزائري بـ"العسكري المهمش"، ساقه القدر لأن يكون "جنرال الجزائر القوي" في مراحل صعبة من عمر الجيش والبلد، منذ أن تولى قيادته في 2004، وفي ذلك الوقت، تسلم قايد صالح جيشاً متعباً من سنوات العشرية السوداء، و"فقيراً" في العدة والعتاد، فجعل منه واحداً من أقوى الجيوش في العالم، قهر به الإرهاب وأمّن به حدود البلاد الملتهبة.
ثم جاء عام 2019، ليحمل معه مسؤولية ثقيلة ومختلفة، وخطرة على عاتق قايد صالح والجيش، فقرر الانحياز إلى الشعب في مطالبه برحيل بوتفليقة ونظامه "بقرار لا رجعة فيه" كما قال، وتعهد بمرافقة مطالب الحراك وبعدم إراقة دم الجزائريين، وأصدر أوامر صارمة لكافة الأجهزة الأمنية بتأمين المظاهرات السلمية"، فتحقق ذلك، بعد أن سجلت البلاد أطول مظاهرات شعبية سلمية، وأول احتجاج لم تُرق فيه الدماء.
ورغم حملات التشويه التي طالته ممن يصفهم الجزائريون بـ"أبناء فرنسا والجالية الأردوغانية" في إشارة إلى الأطراف التابعة لدوائر فرنسية مشبوهة، أو من الإخوان الذين يتلقون أوامرهم من تركيا وقطر" كما علق أحد رواد مواقع التواصل، فإن قايد صالح "وقف أمامها مثل الأسد وسط الضباع"، وتمكنت المؤسسة العسكرية بحنكة قائده من "وأد كل الفتن ما ظهر منها وما بطن، داخلية منها وخارجية"، وفق تصريحات لخبراء أمنيين ومحللين سياسيين لـ"العين الإخبارية".
ولم يرحل قائد الجيش إلا بعد أن سلّم العصابة إلى العدالة، وشفى غليل الجزائريين ممن "أفقدوهم الأمل في غد أفضل، ونهبوا ثرواتهم بقوة المناصب"، ثم سلّم الأمانة لرئيس منتخب، و"كأنه اختار توقيت رحيله" كما علق أحد الجزائريين عبر مواقع التواصل.
تحركات أردوغان المشبوهة تعيد الجزائر إلى إقليمها
انعقد الخميس، اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي برئاسة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، وبحضور قائد أركان الجيش اللواء السعيد شنقريحة ورئيس الوزراء ومسؤولين آخرين.
وقرر الاجتماع وبشكل عاجل اتخاذ إجراءات أمنية مشددة على الحدود مع دولتي ليبيا ومالي وإعادة تفعيل الدور الدبلوماسي الجزائري في هذين البلدين الذين تربطهما حدود شاسعة مع الجزائر.
الاجتماع الطارئ والمفاجئ تزامن مع الزيارة المشبوهة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس، في محاولة منه لجر دول المنطقة لمستنقع حرب جديدة تحت اسم "الحلف مع تركيا"، في الوقت الذي تدعم فيه أنقرة مليشيات إرهابية عاثت في ليبيا فساداً.
وربط متابعون توقيت الاجتماع الطارئ للمجلس الأعلى للأمن بالجزائر يحمل الكثير من الدلالات، والذي تزامن مع التحركات التركية المشبوهة، على أنها "تذكير لأردوغان بوجود دول إقليمية معنية بالأزمة الليبية بينها الجزائر" التي قال تبون في مقابلة سابقة لـ"العين الإخبارية" إنها تمثل عبئاً كبيراً على بلاده.
وبقراءة الخطاب الأول للرئيس الجزائري في مراسم تنصيبه التي أعلن فيها "رفض الجزائر التدخلات الخارجية في الجارة الشرقية"، وبأن بلاده "ترفض إبعادها عن حل الأزمة الليبية" مع اجتماع الخميس، يتضح بحسب مراقبين أن "الجزائر انتقلت من مرحلة مراقبة الوضع إلى إبعاد شبح حرب جديدة في ليبيا لن يكون الخاسر فيها إلا دول المنطقة".
وذكر محللون سياسيون لـ"العين الإخبارية" أن غياب الدور الجزائري خاصة في 2019 عن الأزمة الليبية، فتح المجال أمام تركيا وحلفائها لفرض واقعهم بشكل بات يهدد الحدود الشرقية للجزائر، خاصة بعد زيادة النشاط الإرهابي في الصحراء الليبية، وترحيل أنقرة دواعش من سوريا إلى ليبيا.
وليس الدور التركي فقط من يزعج الجزائر، حيث ذكرت وسائل إعلام محلية في الأسابيع الأخيرة، أن الجزائر باتت تنظر للتواجد العسكري الفرنسي في مالي ودورها في ليبيا على أنه تهديد لها، ومرتبط بما قالت "إنها ضغوط فرنسية على الجزائر بعد خسارة جزء كبير من مصالحها ونفوذها في الجزائر"، بالإضافة إلى "رصد الجيش الجزائري تحركات لجماعات إرهابية منظمة وبشكل غير مسبوق على الحدود مع مالي في الشهرين الأخيرين، وصده لمحاولة اختراق الحدود نهاية الشهر الماضي من قبل جماعة إرهابية".
ويقول المراقبون إن قرار الجزائر بالعودة إلى ملفي ليبيا ومالي، يأتي نتيجة لما تراه "أداوراً مشبوهة لتركيا وفرنسا" تستهدف أمنها القومي بالدرجة الأولى، وأمن المنطقة برمتها التي يصفها المراقبون بـ"المنطقة الهشة أمنياً".
ولم يسبق لرئيس جزائري أن تطرق لموضوع دولي في خطاب موجه للشعب، كما فعل تبون عندما تحدث عن دور الجزائر في حل الأزمة الليبية، وتركيزه عليه في حملته الانتخابية، ما يعني أن الرجل مطلع على خفاياها وما يحاك للمنطقة.
والظاهر أن تحرك الجزائر جاء بعد تأكدها من سعي تركيا لتحويل ليبيا إلى بؤرة حرب جديدة كما فعلت بسوريا، وهو السيناريو الذي قال عنه الرئيس الجزائري في تصريحات سابقة إنه "تهديد مباشر لدور الجوار الليبي التي كانت أكثر الدول المتضررة من أزمتها منذ بدايتها في 2011".
واتضح ذلك من موقف السفير الجزائري في ليبيا كمال حجازي الذي أعلنها صراحة بأن بلاده "لن تسمح بظهور حلب جديدة في ليبيا"، وهي رسالة مباشرة لتركيا وأطراف خارجية متدخلة ومتداخلة في الأزمة الليبية، بأن الجزائر "تعرف حقيقة النوايا التركية، من خلال محاولة تكرار سيناريو زعمها إنقاذ المدنيين في حلب".
وتوقع خبراء في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن تشهد المرحلة المقبلة تنسيقاً أكبر بين دول الجوار الليبي الثلاث وهي الجزائر ومصر وتونس، والتركيز على الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة والقوى الكبرى على رأسها روسيا والولايات المتحدة، بهدف إبعاد شبح الحرب عن ليبيا والمنطقة، والعمل على تحييد الجماعات الإرهابية الناشطة في المنطقة.
aXA6IDE4LjIyMy4yMTAuMjQ5IA== جزيرة ام اند امز